طهران تعيد رسم استراتيجيتها في سوريا بجنرال جديد

نشر سليماني الذي يجيد العلاقات العامة هاشتاغ «سليماني في حلب» لتهدئة منتقديه

إيرانيون من الحرس الثوري يشيعيون في طهران أحد زملائهم قتل في سوريا .. وفي الاطار محسن رضائي الجنرال المتقاعد الذي عاد ليقود الحرس الثوري في سوريا (وكالة أنباء الأحواز)
إيرانيون من الحرس الثوري يشيعيون في طهران أحد زملائهم قتل في سوريا .. وفي الاطار محسن رضائي الجنرال المتقاعد الذي عاد ليقود الحرس الثوري في سوريا (وكالة أنباء الأحواز)
TT

طهران تعيد رسم استراتيجيتها في سوريا بجنرال جديد

إيرانيون من الحرس الثوري يشيعيون في طهران أحد زملائهم قتل في سوريا .. وفي الاطار محسن رضائي الجنرال المتقاعد الذي عاد ليقود الحرس الثوري في سوريا (وكالة أنباء الأحواز)
إيرانيون من الحرس الثوري يشيعيون في طهران أحد زملائهم قتل في سوريا .. وفي الاطار محسن رضائي الجنرال المتقاعد الذي عاد ليقود الحرس الثوري في سوريا (وكالة أنباء الأحواز)

كان ذلك منذ نحو شهر، عندما ظهر الجنرال المتقاعد محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، فجأة وسط الناس مرتديا زيه العسكري الكامل، ويضع كثيرا من الأوسمة ليعلن عودته لمزاولة «عمله الرسمي».
تساءل الجميع عما يعني هذا بالنسبة لرجل ترك المجال العسكري ليبدأ حياته السياسية التي تضمنت محاولتين فاشلتين للفوز برئاسة الجمهورية الإسلامية. وتساءل محلل بوكالة الأنباء الإيرانية «فارس» التي يديرها الحرس الثوري الإيراني عن «السبب الذي دعا الجنرال رضائي للسعي للعودة إلى عمله القديم».
تكشف جزء من الإجابة الثلاثاء الماضي، عندما أبلغ رضائي الصحافيين في مؤتمر صحافي جرى إعداده على عجل، «غضبه وحزنه وخوفه من الخسائر الفادحة التي تكبدتها إيران في المعارك الدائرة حول مدينة حلب السورية التي مزقتها الحرب».
قال رضائي: «لن نترك شهداءنا من دون قصاص، وسوف نحرر حلب في القريب العاجل، وسوف نمحو التكفيريين الإرهابيين». ولأن رضائي لم يعلن تقلده منصبا رسميا في المؤسسة العسكرية، لم يكن واضحا أي سلطة يستند إليها عند إطلاقه لتلك الوعود. وتكشف جزء من الإجابة أمس من خلال الإشاعة التي انتشرت بأن القائد السابق للحرس الثوري الإيراني قد جرى تعيينه «مستشارا عسكريا للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي». وتزامن انطلاق الإشاعة مع ورود تقارير غير رسمية عن أن خامنئي قد طلب من الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس والرجل المسؤول عن «تصدير الثورة»، أن يتنحى عن منصبه. ولمواجهة تلك التقارير، نشر سليماني، الذي يجيد العلاقات العامة، هاشتاغ قال فيه «سليماني في حلب»، وذلك لتهدئة بعض منتقديه.
نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا» خبرا في الصفحة الأولى، زعمت فيه أن هاشتاغ سليماني تسبب في «الرعب للتكفيريين»، غير أن الجنرال المعروف عنه إجادته للعلاقات العامة، أظهرت صوره «السِلفي» المنشورة على المواقع الإلكترونية أنه كان متواجدا في طهران أمس. ونظرا للطبيعة البيزنطية للسياسة الإيرانية، ليس من السهل دائما معرفة حقيقة ما يجري.
ووفق المحلل حسن بصير، «من الممكن أن يكونوا قد تعمدوا نشر خبر تولي رضائي قيادة القوات في سوريا، بغرض رفع الروح المعنوية بين العسكريين الإيرانيين، بعد أن انخفضت بدرجة كبيرة بسبب الخسائر التي تكبدوها مؤخرا». وأضاف أن «السلطات ربما أرادت إرسال رسائل طمأنة عشية المسيرات الجنائزية للشهداء، التي ستجوب أكثر من 10 مدن إيرانية اليوم». ففي الأسابيع القليلة الماضية، تشاور رضائي مع عدد من القادة العسكريين والمستشارين السياسيين لإعداد تقرير لتقديمه للمرشد الأعلى عن حالة الفرق شبه العسكرية التي شكلتها إيران في الدول العربية، أبرزها ما يسمى «حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق، وعدد من الفرق المشابهة في سوريا. وعلى اعتبار أن كل تلك الوحدات تخضع لقيادة سليماني، كان من الواضح أن خامنئي أراد تقييما خارجيا من قادة يجيدون التقاط صور «السِلفي».
وصرح محلل العمليات شبه العسكرية مسعود فزيري،، بأن «جميع أطفال سليماني تكبدوا خسائر فادحة في الشهور الأخيرة، ولم ينجزوا سوى القليل»، مضيفا أن الجزء الأعظم من الوحدات القتالية لما يسمى «حزب الله» اللبناني «هلكت ولم تعد قادرة على خوض حرب صغيرة لا تبدو لها نهاية في الأفق». وفقدت كتيبة «فاطميون» التي تتألف من خليط من المتطوعين الأفغان والباكستانيين والعراقيين الشيعة، كثيرا من الرجال إلى الحد الذي لا جعل منها «وحدات قتالية غير موثوق بها».
كان رضائي طالبا في كلية الهندسة عندما انضم إلى ثورة آية الله الخميني عام 1978، وفي عام 1979 انضم للحرس الثوري الإيراني الذي كان قد تشكل وقتها، وبعد ذلك بعام واحد كان من بين المقاتلين في الحرب الإيرانية - العراقية. وبعد 18 شهرا من الحرب جرى تعيينه قائدا للحرس الثوري الإيراني، ولم يكن سنه قد تجاوز 27 عاما. استمر في منصبه لنحو 17 عاما استطاع أن يحول خلالها الحرس الثوري إلى جيش مواز مزود بقوات خاصة جوية وبحرية، وقوات صاعقة محمولة جوا.
ولد رضائي، واسمه الكامل محسن رضائي ميرقائد، عام 1954، بقرية بنحدار بابا أحمدي النائية بجبال زاغروس، الواقعة جنوب غربي مقاطعة لورستان، حيث تُعلم القبائل المولعة بالحرب أبناءها ركوب الخيل وإطلاق النار في سن الرابعة. حاول الجنرال رضائي صقل تلك الصورة لتصبح منهجا فكريا، ونادرا ما فاتته مناسبة لتذكير الناس بأنه حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية بعد تقاعده عن العمل.
وبحسب حسين كناني مقدم، القائد السابق لقوات الحرس الثوري الإيراني وصديق رضائي، كتب الجنرال المتقاعد رسالة لخامنئي في أبريل (نيسان) الماضي، طلب فيها من المرشد الأعلى السماح له بالعودة للخدمة العسكرية. قبل المرشد الأعلى طلب رضائي العودة للعمل العسكري من دون أن يحدد له عملا محددا، في حين أن رضائي اعتقد أنه عاد بمهام محددة. وفي تصريح نشره على موقعه الإلكتروني «تباناك»، قال رضائي: «إن العقد القادم في المنطقة سوف يكون مضطربا، وهذا هو السبب في أنني طلبت من المرشد الأعلى العودة كي أنقل خبرتي للجيل القادم، فنحن نحتاج للقوة لتعزيز الأمن في المنطقة».
وفي حال تأكد الخبر، فإن عودة رضائي لدائرة الضوء كمنسق للجهود العسكرية الإيرانية في سوريا، من شأنه أن يؤكد نقطتين جوهريتين: الأولى أن إيران لم تعد مستعدة للعب دور الوتر الثاني في سوريا، وسوف تصر على تخطيط وإدارة وتنفيذ العمليات التي تتواجد فيها قواتها. والثانية أن قادة إيران الكبار استوعبوا فكرة أن الطريقة السهلة نسبيا التي سيطروا بها على لبنان من خلال ما يسمى «حزب الله»، لا يمكن تطبيقها في سوريا أو العراق التي تتطلب مزيدا ومزيدا من التواجد العسكري المباشر، ويتطلب هذا يدان يمكن الاعتماد عليهما، مثل يدي رضائي، على عكس يدي سليماني وخبراته الخادعة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».