داخل مدينة ليستر، جرى لف «كوفية» تحمل اللونين الأزرق والأبيض حول التمثال الذي يحاكي تمثال الحرية بالقرب من نهر السور، وعلى مسافة ليست بالكبيرة عن نادي ليستر سيتي، الذي أصبح المقر الجديد لدرع الدوري الإنجليزي الممتاز. أما على جانب الاستاد الخاص بالنادي، ظهرت كلمة «شجاع» بوضوح، لتعبر بصدق ودقة عن قصة نجاح النادي في موسم 2015 - 2016 والتي توجت باقتناصه درع البطولة. وقريبًا، سينتقل الدرع إلى صناديق العرض الزجاجية بالردهة الرئيسة لاستاد كينغ باور، والتي تضم حاليًا ملابس إرني هاين التي كان يرتديها أثناء مشاركته مع الفريق الوطني الإنجليزي (الهداف التاريخي لفريق ليستر سيتي.. سجل 156 هدفًا ما بين 1926 - 1932)، وقميص بيتر شيلتون القديم الذي كان يرتديه عند حراسة المرمى (حارس المرمى السابق لمنتخب إنجلترا 1970 - 1990 وفريق ليستر 1966 - 1974، وتذكارات من أربعة مباريات نهائي ببطولة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم (والتي خسرها النادي جميعها).
ومن المقرر حمل لاعبي الفريق الدرع في أعقاب مباراة السبت المقبل أمام إيفرتون - في لحظة تبدو بعيدة كل البعد عن السنوات الرتيبة التي كانت المباراة النهائية في الموسم لليستر سيتي خلالها لا تعدو كونها حدثًا مملاً لا يلفت أنظار الغالبية، على نحو يشبه الجولة التي يصر آلان بيرشنول القيام بها سنويًا حول الملعب بهدف خدمة أغراض خيرية (لاعب خط وسط ليستر 1971 - 1977). يذكر أن بيرشنول البالغ 70 عامًا الآن، يصر على الجري حول الملعب على هذا النحو على مدار الأعوام الـ35 الماضية، بما في ذلك مرة أصابه خلالها إعياء شديد وأخرى رفعت الجماهير خلالها لافتة: «لا عليك أيها العجوز»!
أما المدرب كلاوديو رانييري، فالاحتمال الأكبر أننا سنشاهد المزيد من دموعه، والمزيد من الحديث عن والدته ريناتا البالغة 96 عامًا، وتطرقه مجددًا لحقيقة أن «الكثير للغاية من السيدات المتقدمات بالعمر» شاركن في تشجيع ليستر سيتي هذا الموسم، بجانب المزيد من الأدلة التي تثبت لنا أن الأخيار يفوزون أحيانا في هذه الحياة. ومع ذلك، فإن معرفتنا برانييري لا بد وأنها كشفت لنا الآن أن مدرب ليستر سيتي سرعان ما سيعاود عمله للإبقاء على ناد ظل مجهولاً حتى وقت قريب، في صدارة الأندية الإنجليزية، خاصة في ضوء تصاعد التوقعات بأن الحفاظ على اللقب سيكون أصعب كثيرًا من اقتناصه. الواضح أن رانييري يتطلع دومًا نحو التحدي القادم، ورغم كل الوفاء الذي يبديه تجاه لاعبيه والذين يشير إليه بـ«أبنائي»، فإنه ليس باستطاعة ليستر سيتي الأمل في أن يحالفه الحظ ذاته مع الإصابات الموسم القادم. ومن المعتقد أن صفقات التعاقد مع لاعبين جدد ستضيف إلى الفريق عمقًا أكبر. وربما ستكون هناك حاجة لرفع سقف الأجور بالنادي، أما الأمر الأهم على الإطلاق فهو ضرورة عمل النادي على عدم خسارة أي من لاعبيه المحوريين.
وإذا كان هناك اختلاف جوهري بين ليستر سيتي وتوتنهام هوتسبير هذا الموسم، فهو مشاركة الأخير بقيادة المدرب ماوريسيو بوكيتينو في الدوري الأوروبي، حيث شارك في ثمانية جولات من المباريات المتعاقبة التي تبدأ مساء الخميس في الدوري الأوروبي وتنتهي ظهيرة الأحد في الدوري الإنجليزي. بصورة إجمالية، شارك توتنهام هوتسبير في 50 مباراة حتى الآن، مقارنة بـ41 لليستر سيتي، وقد يكون هذا العبء الأقل أحد الأسباب وراء نجاح رانييري في اختيار التشكيل ذاته في كل أسبوع من دون خوف من إنهاك لاعبيه.
حتى الآن، شارك تسعة لاعبين - كاسبر شمايكل وويس مورغان وروبرت هوث ومارك ألبريتون ونيغولو كانتي وداني درينكووتر وشينجي أوكازاكي ورياض محرز وجيمي فاردي - في 34 مباراة على الأقل من إجمالي 36 مباراة خاضها ليستر سيتي بالدوري الممتاز. من ناحية أخرى، شارك داني سمبسون وكريستيان فوتشس في 28 مباراة و30 مباراة على الترتيب. ورغم أن هذا يعكس استمرارية لافتة للأنظار في مشاركة اللاعبين في المباريات، فإن على ليستر سيتي الانتباه إلى أنه سيشارك الموسم القادم في دوري أبطال أوروبا، الأمر الذي يخلق شكوكًا مشروعة حيال ما يمكن أن يحدث للفريق إذا تعرض لاعبان مثل مورغان وهوث، مثلاً، للإصابة في الوقت ذاته أو ابتعاد فاردي عن الملاعب لفترة طويلة.
ومن المعتقد أن النادي سيضع في أولوياته الاستعانة بمهاجم جديد وآخر بوسط الملعب وعلى الأقل اثنين مدافعين إضافيين خلال موسم الانتقالات في الصيف. ولا شك أنه سيكون من المثير متابعة ما إذا كانت الثروة الجديدة التي هبطت على ليستر سيتي بعد الفوز باللقب - والتي تبلغ 100 مليون جنيه إسترليني تقريبا - ستقنع إدارة ليستر بزيادة معدل حاليًا، يعتبر فاردي صاحب الأجر الأعلى بين لاعبي الفريق، حيث يتقاضى 75 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا، لكن غالبية اللاعبين الآخرين يتقاضون أجورًا منخفضة نسبيًا بالنظر للمكانة الرفيعة التي نالها النادي الآن. ويأتي غوخان إينلر في المرتبة الثانية، رغم مشاركته في التشكيل الأساسي خلال ثلاث مباريات فقط بالدوري الممتاز، حيث يتقاضى 60 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا. أما كانتي فمن المعتقد أنه يتقاضى قرابة 40 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا. ومن المحتمل أن تتركز الأنظار على اللاعب الفرنسي خلال موسم الانتقالات القادم.
أما فاردي فمن غير المحتمل أن يجذب القدر ذاته من الاهتمام بالنظر إلى أنه سيبلغ عامه الـ30 الموسم المقبل، وتبدي غالبية الأندية ترددها حيال إنفاق مبالغ ضخمة على لاعبين في هذا السن. أما محرز فهو لاعب آخر قد يجذب إليه كثيرًا من الاهتمام من قبل بعض أبرز أندية العالم. المعروف أن محرز وكانتي أصبحا يصنفان حاليًا بين الفئة الأولى الممتازة من اللاعبين واللذين يمكن أن يتقاضى الواحد منهم خمسة أضعاف ما يتقاضاه الآن في ناد آخر. وإذا كان ليستر سيتي عازم على الاحتفاظ بهما وصد أي محاولات لاجتذابهما بعيدًا عنه، فإنه من الأفضل أن يسارع من الآن إلى عرض أجور أفضل عليهما.
من ناحية أخرى، من الواضح أن لدى ليستر سيتي خططًا طموحة، منها توسيع قدرة الاستاد الخاص به إلى 42 ألف مقعد. ورغم أن النادي لن يقدم على تفكيك فريق رانييري، فإنه بحاجة لدراسة أعمار اللاعبين. يذكر أن مورغان وهوث يبلغان 32 و31 عامًا على الترتيب، بينما يبلغ عمر كلا من أوكازاكي وفوتشس 30 عامًا، وسيصل كل من فاردي وشمايكل وسمبسون للعمر ذاته الموسم المقبل. وبذلك يبدو بوجه عام أن الفريق يتقدم في العمر. وسيتعين على رانييري عندما تهدأ موجة الاحتفالات التفكير في هذا الأمر، لكن في تلك الأثناء يبقى لليستر سيتي كل العذر في تركيز كل اهتمامه على الاستمتاع باللحظة التاريخية التي يعايشها الآن مع فوزه ببطولة الدوري الممتاز لأول مرة بتاريخه الممتد على مدار 132 عامًا، رغم أنه في مثل هذا الوقت منذ سبع سنوات فحسب كان يواجه كرو ألكسندرا في دوري الدرجة الثانية!
وتحول تفكير رانييري إلى الحفاظ على لاعبي فريقه أو وجه تحذيرًا لمن يفكر في الحصول على خدمات أي من عناصر التشكيلة الفائزة بأن ثمن ذلك سيكون باهظًا. وبعد أن توج ليستر الذي كان قريبا من الهبوط في الموسم الماضي مسيرة رائعة بضمان الفوز باللقب الأول في إنجلترا لأول مرة في تاريخه يوم الاثنين الماضي لم يتأخر المدرب الإيطالي في إبلاغ لاعبيه بأن استمرارهم مع ليستر سيكون الأفضل بالنسبة لهم. وقال رانييري: «أود الاحتفاظ بجميع لاعبي فريقي.. وإذا ما قال أحد اللاعبين إنه يريد الانتقال لفريق ما فإنني سأحول إقناعه بالبقاء».
وأضاف رانييري قوله: «سأوضح للجميع أن ليستر فريق رائع ولقد فزنا باللقب ويمكننا إنجاز المزيد في السنوات القليلة المقبلة.. من يغادر سيتحمل المخاطرة لأنه هنا يتمتع بوضع جيد للغاية ولا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يحدث». وأقر رانييري بأن الكثير من الأندية ستسعى على الأرجح للحصول على خدمات نجوم الفريق في نهاية الموسم ومن بينهم رياض محرز وجيمي فاردي، ولكنه قال إن رحيل أي منهم عن ليستر سيتطلب مبلغا كبيرا من المال. وأضاف: «سأقول هل لديكم القدر الكافي من المال لشراء لاعبي فريقي..» وتابع: «وسأقول للاعبين من الأفضل البقاء هنا لعام آخر ورؤية ما يحدث. بعدها قد يكون بإمكانكم الذهاب أينما شئتم. دوري أبطال أوروبا بطولة هامة يمكن من خلالها أن تقارنوا مستواكم بمستوى أبطال آخرين». وقال: «اللاعبون مثل أبنائي. إذا طلبوا رأيي أقول لهم كونوا حذرين. ليستر سيحتل مكانة رفيعة للغاية على المدى البعيد». وقلل المدرب من أهمية التكهنات التي تدور حول مستقبله مع ليستر في ظل أنباء عن استعداده لتحسين شروط عقده الذي وقعه مع النادي في يوليو (تموز) الماضي ويستمر لثلاث سنوات. وقال: «لدي ثلاث سنوات فلماذا يتعين علي توقيع عقد جديد.. هذا ليس عملي. وظيفتي هي المباريات على أرض الملعب».
ليستر سيتي.. الحفاظ على اللقب سيكون أصعب من اقتناصه
الفريق الذي حقق الإنجاز التاريخي أمامه آفاق وتحديات جديدة
ليستر سيتي.. الحفاظ على اللقب سيكون أصعب من اقتناصه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة