روسيا تسعى إلى تبرئة النظام السوري وجرّ الولايات المتحدة للتعاون والتنسيق مع دمشق

مع تجاهلها جرائم النظام في حلب.. ودعمها صالح مسلم

روسيا تسعى إلى تبرئة النظام السوري وجرّ الولايات المتحدة للتعاون والتنسيق مع دمشق
TT

روسيا تسعى إلى تبرئة النظام السوري وجرّ الولايات المتحدة للتعاون والتنسيق مع دمشق

روسيا تسعى إلى تبرئة النظام السوري وجرّ الولايات المتحدة للتعاون والتنسيق مع دمشق

قبل ساعات على دخول «يوم الصمت» لوقف إطلاق النار في العاصمة السورية دمشق ومحيطها وريف محافظة اللاذقية حيز التنفيذ، وبينما كانت طائرات النظام السوري تشن غارات جديدة على أحياء مدنية في حلب، بحث وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري خلال اتصال هاتفي مساء أول من أمس الوضع في سوريا. وكان لافتًا أن الخارجية الروسية تجاهلت في بيانها حول محادثات الوزيرين الوضع المأساوي في حلب والخروق الكثيرة من جانب قوات النظام لاتفاق وقف إطلاق النار، وقالت إن لافروف وكيري «واصلا بحث سبل تسوية النزاع في سوريا عبر الحفاظ على، وتعزيز، وقف إطلاق النار في سوريا، وكذلك إطلاق عملية سياسية مستقرة»، حسب تعبير الخارجية الروسية، قبل أن نتقل بعد ذلك إلى عرض ما قاله لافروف بالنسبة لموضوع مشاركة الانفصاليين الأكراد في مفاوضات جنيف.
في هذا الشأن شدد وزير الخارجية الروسي مجددًا، خلال حديث مع كيري، على ضرورة مشاركة الأكراد في المفاوضات. ومفهوم أنه عندما يقول لافروف «الأكراد» فهو يقصد حصرًا حزب الاتحاد الديمقراطي المتعاون مع النظام السوري، دون سواه من القوى الكردية. ومن جهة ثانية، الملاحظ أنه لم تعلق الوزارة ولا الوزير لافروف بأي كلمة إدانة أو استنكار للأسلوب الفظ والمخالف لكل الأعراف والقوانين الذي تعاملت به ميليشيا «وحدات الحماية الكردية» التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي حين وضعت جثث سوريين سقطوا خلال المواجهات على شاحنة وجابت بهم شوارع مدينة عفرين (شمال غربي سوريا) فيما يشبه المراسم الاحتفالية. وفي المقابل، وفيما يبدو أنه تبرير مبطن لاستثناء حلب من الاتفاق الأميركي - الروسي حول وقف إطلاق النار الأخير الذي أطلقوا عليه «يوم الصمت»، دعا لافروف إلى ضرورة أن تقف المعارضة على مسافة من مجموعتي «داعش» و«جبهة النصرة» الإرهابيتين، علما بأن الوزير وكذلك الرئيس الروسي بوتين كانا قد أقرا في وقت سابق أن هناك تشابكًا معقدًا بين مواقع المعارضة والمجموعات الإرهابية في حلب. وعلى ضوء هذه المواقف لا يستبعد مراقبون أن تعلن روسيا أن القصف على مدينة حلب يستهدف «جبهة النصرة» و«داعش» لكنه يصيب المعارضة بسبب قرب مواقعها من مواقع تلك المجموعات.
في غضون ذلك علمت «الشرق الأوسط» من مصدر في جنيف مقرب من أجواء عمل اللجان الخاصة بوقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية أن ممثلي روسيا والولايات المتحدة كانوا قد بحثوا خلال الفترة الماضية موضوع آليات عقاب منتهكي وقف إطلاق النار، إلا أنه لم يتحقق أي تقدم في الأمر لأن الجانب الروسي يريد أن يكون أي عمل تقوم به الطائرات الأميركية في سوريا بموافقة وتنسيق مع نظام دمشق «كي يكون الأمر ضمن الأطر الشرعية» حسب التعبير الروسي وفق ما ذكر المصدر. وأكد أنه سمع من بعض الشخصيات المنخرطة في تلك المحادثات أن روسيا تعمل جاهدة على دفع الولايات المتحدة للانفتاح على السلطات في دمشق والتنسيق معها تحت شعار «التصدي للجماعات الإرهابية» والتنسيق كذلك لمعاقبة منتهكي وقف إطلاق النار. ومن ثم تساءل المصدر نفسه «كيف يمكن إذا معاقبة القوات الحكومية إن انتهكت وقف إطلاق النار؟ هل سيكون على واشنطن إبلاغهم أننا سنوجه لكم ضربة جوية وأخذ موافقتهم لذلك!!».
على صعيد آخر، في شأن غير بعيد عن المأساة التي تعيشها مدينة حلب وتوقعات المراقبين بأن تعمل روسيا على تبرئة النظام مما يجري وتحميل المسؤولية لقوى أخرى، نشرت وكالة الأنباء الروسية «ريا نوفوستي» خريطة جديدة لتوزيع القوى على الأراضي السورية، بعيدة كل البعد عن الواقع الميداني. وبينما لم تُشر الوكالة إلى مصدر معلوماتها الذي بنت عليه رؤيتها للانتشار العسكري للقوى، برزت جوانب عدة مثيرة للاهتمام في «خريطة نوفوستي»، منها مثلا أنها حدّدت مدينة دوما، الخاضعة لسيطرة «جيش الإسلام» الذي تنوي روسيا وضعه على قائمة الإرهاب بأنها مدينة تحت سيطرة «الجيش السوري الحر»، والذي بدوره بدت المساحات التي يسيطر عليها في الأراضي السورية ضئيلة جدا وفق الخريطة الجديدة. أما محافظة إدلب فإنها بنسبة 80 في المائة خاضعة لسيطرة «جبهة النصرة» وفق الخريطة، بينما جاء وضع مدينة حلب غير واضح بالمطلق، وقرر واضعو الخريطة أنها خاضعة لسيطرة قوات النظام، بينما تسيطر «جبهة النصرة» على المناطق القريبة من حلب من جهة الغرب، ويسيطر إرهابيو «داعش» على المناطق القريبة من حلب من جهة الشرق. الأكراد من جانبهم يسيطرون على جزء من شمال وكل شمال شرقي سوريا، بينما تنتشر مجموعات «داعش» في الوسط على المساحة ما بين الحدود مع العراق وصولاً إلى قطاع من الحدود مع تركيا شمالا. وهذا ليس سوى جزء بسيط من التشويه للواقع الميداني الذي اتسمت به الخريطة التي نشرتها وكالة «ريا نوفوستي» دون أن توضح كيف تمكنت من وضعها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.