بعد 13 عامًا على وهم الحرية.. بغداد تعيش الفوضى

نائب يتساءل: هل المطلوب منا أن نجتمع مثل البرلمان الليبي في طبرق أو بنغازي؟

بعد 13 عامًا على وهم الحرية.. بغداد تعيش الفوضى
TT

بعد 13 عامًا على وهم الحرية.. بغداد تعيش الفوضى

بعد 13 عامًا على وهم الحرية.. بغداد تعيش الفوضى

في كتابه «عام قضيته في العراق» يروي الحاكم المدني الأميركي للعراق بعد احتلاله في التاسع من أبريل (نيسان) 2003، لحظة وصوله مطار بغداد في الثاني عشر من مايو (أيار)، أي بعد نحو شهر ونصف على دخول القوات الأميركية وسقوط نظام صدام حسين، تلك اللحظات الحرجة التي تنبئ بأشياء لا تحمد عقباها.
يقول بول بريمر تحت عنوان «بغداد تحترق»: «عندما مالت طائرة سلاح الجو (سي 130) فوق منعطف نهر دجلة، ملت في مقعدي وحدقت خارج النافذة الدائرية لمقصورة الشحن. كانت عاصمة العراق تمتد شمالا تحت الجناح الأيمن، وبدت مغبرة ومترامية الأطراف في الحرارة اللافحة. وكانت أعمدة الدخان السوداء تعانق السماء بعد ظهر ذلك اليوم. أحصيت منها 3، 5، 7 (مبان حكومية)».. صاح رافعا صوته فوق هدير التوربينات: «مكاتب حزب البعث». وأشار إلى الدخان المرتفع فوق منحنى النهر، كانت معظم الوزارات في تلك المنطقة: «استحوذ الدخان المتصاعد من بغداد على كل انتباهنا».
واليوم وبعد 13 عاما من وهم الحرية الذي حمله معه أول حاكم مدني أميركي إلى العراق، يستعيد الزمان نفسه مع تغيير نسبي للمكان. فالأماكن التي كانت الفوضى قد عمتها آنذاك، كانت الوزارات ومكاتب حزب البعث، باستثناء جولة صغيرة للناس داخل القصر الجمهوري، حيث جلس بعضهم على كرسي صدام الرئاسي، قبل أن تعلن قوات الاحتلال حماية تلك المنطقة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، بعد أن أطلقت عليها «المنطقة الخضراء»، والتي ازدادت تحصينا مع الأيام. اليوم لم يختلف الأمر كثيرا، سواء من حيث الزمان أو المكان. فبعد 13 عاما من العملية السياسية التي بنيت على أساس المحاصصة العرقية والطائفية، وصلت هذه العملية إلى طريق مسدودة مع فشل الحكومة والبرلمان معا في الارتفاع إلى مطالب الشعب العراقي بالإصلاح الحقيقي. لكن ما اختلف هذه المرة، عن المرة السابقة التي شاهد فيها بريمر من نافذة الطائرة الدخان يتصاعد من مكاتب حزب البعث ووزارات صدام، والمتظاهرين الذين تصور أنه جلب لهم المن والسلوى بما في ذلك زيادة مفردات البطاقة التموينية إلى 40 مفردة بدل 10 في زمن صدام، والتي انتهت الآن إلى 4 فقط، ومن النوعيات الأكثر رداءة في العالم، هو أن عملية الاقتحام شملت المنطقة الخضراء المحصنة، والتي تتواجد فيها مكاتب الحكومة العراقية (رئاسة الوزراء والبرلمان بالإضافة إلى عدد كبير من السفارات العربية والأجنبية، وفي المقدمة منها السفارتان الأميركية والبريطانية). الزمن بين مكانين وفي بغداد نفسها، قصر صدام الجمهوري عام 2003، والذي اتخذه بريمر مقرا له قبل أن يأذن بتشكيل مجلس حكم شكلي من 25 شخصية عراقية، بعضهم لا يزال يتسيد المشهد حتى الآن بكامل فشله، فيما رحل البعض الآخر يتقدمهم من نظر إليه بوصفه عراب الاحتلال الأميركي للعراق، وهو زعيم المؤتمر الوطني أحمد الجلبي، في حين انزوى آخرون لأسباب وعوامل مختلفة أبرزها المرض (جلال طالباني) والسن (عدنان الباجه جي)، والذي صار المنطقة الخضراء فيما بعد، وكامل مساحة بغداد المترامية الأطراف التي أطلق عليها الناس «المنطقة الحمراء» بسبب ما نالته من عمليات قتل بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، فضلا عن التصفيات الطائفية، لم يعد قابلا للاشتغال مثلما حلم قادة الولايات المتحدة الأميركية بنسختيهم، الجمهوريين ومنهم «بريمر على عهد رئاسة جورج بوش الابن» والديمقراطيين وفي مقدمتهم «نائب الرئيس جو بايدن» حامل وصفة تقسيم العراق إلى 3 دويلات «شيعية وسنية وكردية»، والذي حل قبل يومين من فوضى بغداد الخلاقة أمس السبت، ضيفا على الحكومة العراقية التي تشهد أخطر انقسام داخل البرلمان بين معتصمين أعلنوا عن تشكيل أول كتلة معارضة، عنوانها الأعرض هو رفض المحاصصة الطائفية والعرقية، وبين نصف برلمان وحكومة لا تزال تسعى إلى الحفاظ على ما تعده شرعية غير قابلة للمساس برعاية أميركية واضحة، قوامها زيارات متكررة لكبار المسؤولين «آشتون كارتر وزير الدفاع، وجون كيري وزير الخارجية، وجو بايدن نائب الرئيس، وكبار القادة العسكريين، إضافة إلى مجموعة من مستشارين سابقين في الخارجية الأميركية»، بهدف تقديم نصائح بدت متأخرة وسط غضب الناس المتصاعد منذ شهر يوليو (تموز) 2015 وإلى اليوم.
المفارقة الأكثر لفتا للنظر، أن رئيس الوزراء حيدر العبادي كان قد أعلن فور تسلمه منصبه العام الماضي أنه سيفتح المنطقة الخضراء أمام المواطنين. وفي مشهد استعراضي وقف العبادي أمام إحدى بواباتها وهو يصافح عددا من سائقي سيارات الأجرة الصغيرة الأكثر شعبية في العراق، إيرانية الصنع «نوع سايبا» وهم يتوهمون أنهم دخلوا المنطقة الخضراء حتى واجهوا أسوأ عملية تفتيش وصولا إلى الجسر المعلق. عندها لم يعد بوسع أي مواطن عراقي سلوك هذا الطريق الذي يمتد من أقصى غرب المنطقة الخضراء حتى شرقها المحصن بالسيطرات، بالإضافة إلى الحواجز الخرسانية. لكن اليوم جاء قرار اقتحام المنطقة الخضراء من قبل الرجل الذي كان قد واجه مذكرة اعتقال عند أول دخول الأميركان بغداد عام 2003، وهو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بتهمة اغتيال رجل الدين الشيعي المؤيد للأميركان آنذاك عبد المجيد الخوئي، قبل أن يؤسس الصدر «جيش المهدي» الذي أصدر أمرا بحله قبل 3 سنوات، بعد أن تحول «الصدر» إلى زعيم له القدرة دون باقي الزعماء بمن فيهم كل شركائه داخل البيت الشيعي، على تحريك أعداد غفيرة من المحرومين الشيعة ممن ينتسبون إلى تياره «التيار الصدري». الصدر أثبت قدرته على التحكم في الشارع، وهو ما يعني سحب البساط من تحت أقدام كل الزعماء الآخرين، وهو ما يجعل مهمته في الانتخابات القادمة (عام 2018) هي الأسهل، بينما ستكون مهمة الآخرين (نوري المالكي، وعمار الحكيم، وحيدر العبادي، وإبراهيم الجعفري) الأكثر صعوبة. وفي هذا السياق، يقول السياسي العراقي المستقل وعضو البرلمان السابق عزت الشابندر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكلام عن حكومة وطنية أو تكنوقراط لم يعد مقنعا، بل أصبح كله هراء في هراء». وأضاف الشابندر: إن «على جميع زعماء الكتل الشيعية احترام نتائج حلبة الصراع الميدانية الجارية الآن، والانحناء للشارع الصدري، والخروج من العملية السياسية، وتفويض قيادة التيار في تشكيل الحكومة القادمة، وتطبيق شعار الصدر على الآخرين، والمتمثل بالشلع قلع مثلما أسماه». وأضاف الشابندر أنه «بات من المعيب على النواب أن يعودوا إلى قبة البرلمان بعد الذي حصل؛ لأن الشارع على ما يبدو صوّت لممثليه الحقيقيين».
المشهد الذي يبدو أكثر لفتا للنظر، أنه في الوقت الذي أعلنت فيه حالة الطوارئ القصوى في العاصمة بغداد، بما في ذلك غلق منافذها الثمانية كلها، وفي وقت تم فيه تهريب أعضاء البرلمان، فإن رئيس الوزراء حيدر العبادي، وفي مسعى منه إلى طمأنة الناس على أن الأمور تحت السيطرة، ظهر وهو يتجول قرب القصر الحكومي في المنطقة الخضراء، في حين اكتفى رئيس البرلمان، أعلى سلطة تشريعية في البلد، سليم الجبوري، بمناشدة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إخراج المتظاهرين من المنطقة الخضراء. وبين تجوال العبادي الطبيعي وكأنه ليس مشمولا، ومناشدة الجبوري الصدر لا العبادي رئيس السلطة التنفيذية، فإن رسالة الجبوري وإن تبدو صحيحة إلى الصدر بوصفه هو وحده اليوم من يتحكم بالمشهد من كل زواياه، لكنها قد تكون أرسلت في الزمن الخطأ. فالصدر وقبيل قيام أنصاره باقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان، قرر الاعتكاف لمدة شهرين، وهو ما يعني أنه بعد شهرين قد يستجيب لنداء رئيس البرلمان، بينما قال نائب لـ«الشرق الأوسط»، من داخل البرلمان المحاصر، طالبا عدم الإفصاح عن اسمه: «هل المطلوب منا مثلا أن نكون مثل البرلمان الليبي ونجتمع في طبرق أو بنغازي؟»، ثم تلاشت ضحكته المدوية وسط هدير أصوات المتظاهرين، ولم نعرف حتى لحظة كتابة هذه السطور مصيره.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».