أفلام الانتقام الفردي تعود.. وبروس ويليس مستعد للبطولة

القانون بيد من يحمل البازوكا

تشارلز برونسون في «رغبة موت».
تشارلز برونسون في «رغبة موت».
TT

أفلام الانتقام الفردي تعود.. وبروس ويليس مستعد للبطولة

تشارلز برونسون في «رغبة موت».
تشارلز برونسون في «رغبة موت».

بروس ويليس، هو الممثل المنتقى للعب الدور الذي قام به الراحل تشارلز برونسون في «رغبة موت»، وذلك في إعادة صنع شاملة للحكاية المستقاة من كتاب لبرايان غارفيلد.
ففي مطلع الشهر الماضي تسلم ويليس من وكيل أعماله بأن شركتي باراماونت ومترو غولدوين ماير وضعتا خطة لإعادة إحياء ذلك الفيلم، والسلسلة التي تبعته، وأنه اختير للبطولة. لم يعلق ويليس على ذلك، ولو أنه أبدى استعداده المبدئي، وذلك لأن المشروع ما زال في مطلعه وهناك عدّة سيناريوهات تمت كتابتها وبعضها ما زال طور التنقيح. كذلك تعدد الأسماء التي تم التفكير بها لقيادة هذا العمل. المخرج جو كاراهان، الذي أخرج «فريق A» هو أحدهم. أيضًا دان غيلروي كاتب ومخرج «زاحف الليل». لكن من المؤكد أن اختيار المخرج لم يتم بعد.
لكن اختيار «رغبة موت» يحمل دلالات عدّة بحد ذاته. لم يكن مجرد فيلم ناجح، بل كان تعبيرًا عن سياسة وفترة زمنية كما عن وضع اجتماعي. ونجاحه إذ حبل بخمسة أفلام أخرى تحمل أرقامًا مسلسلة كشأن أي مسلسل آخر، واصلت ذلك التعبير ولو من باب توظيف ذلك النجاح لقطف ثمار مماثلة. رغم أن هذا النجاح لم يتحقق، فإن أجزاء هذا المسلسل كانت من رخص الإنتاج بحيث أن أي دخل تحققه كان يمكن اعتباره ربحًا.

عصابات المدينة
الحكاية بدأت بكتاب برايان غارفيلد. هذا وضع كتابًا بعنوان Death Wish حول رجل هادئ الطباع، عادي، لديه أسرة صغيرة مكوّنة منه ومن زوجته وابنته الشابة ولديه عمل كمهندس معماري ناجح. ذات يوم، وبينما كان بعيدًا، يقتحم البيت أربعة شبّان ويقتلون الزوجة ويغتصبون الابنة. هذا الفعل الصادم يحول بول كيرسي إلى حطام، لكنه يقوى على نفسه ويبدأ بالبحث عن المعتدين للاقتناص منهم.
بعض الأنباء تحدثت لاحقًا عن أن غارفيلد تقيّأ حين شاهد الفيلم الذي أخرجه البريطاني مايكل وينر سنة 1974 أي بعد عامين من نشر الرواية، وأنه قال إنه لم يتوقع أنه لم يقصد تقديم بطل عنيف ولم يتوقع أن يشاهد بطلاً فاشيًا.
لكن الحقيقة، لمن قرأ الرواية آنذاك ثم شاهد الفيلم، هي أن الرواية حملت البذرة ولم يفعل الفيلم سوى أنه رش عليها الماء. بمجرد أن ينطلق فرد لكي ينتقم بنفسه من الأشرار، بعيدًا عن رجال البوليس وقوانين النظام، فإنه ينقلب فاشيا في أي عرف وتحت أي ظرف. هذه الفاشية لم تتبدّ كاملاً في «رغبة موت»، لكنها تأكدت في الأجزاء اللاحقة. فبحث كيرسي عن الفاعلين للاقتناص منهم بقي تحت مظلة حقّه في تطبيق القانون على حسابه، لكن في الفيلم نجد توسع رغباته، فإذا به يقتنص من أشرار آخرين. بعضهم بريء من الفعل الإجرامي الذي أصاب عائلته.
لاحقًا، بات القتل منهجه. كلما شاهد مجرما في الشارع أو لاحظ شلّة في سبيل الانقضاض على ضحية ما، تدخل ووضع حدًّا لذلك. طبعًا طوال الوقت أيضًا، كانت الأفلام اللاحقة تحاول منح كيرسي المزيد من التبرير، لكن التبرير لا ينفع عندما يكون الهم هو إشفاء الغليل الذي يصل في أحد الأجزاء الأربعة الأولى من المسلسل إلى حد فتح النار على كل عصابات المدينة دفاعًا عن رجل مسن لجأ إليه للحماية. وفي جزء آخر يقوم رجل أعمال باستئجار كيرسي ليقوم بالقتل فاتحًا النار على عصابات بكاملها. «رغبة موت 4: الحملة» Death Wish‪:‬ Crackdown لا يكتفي كيرسي بإطلاق النار بل يستخدم البازوكا، كما لو أن المطلوب منه محو المدينة بكاملها.

بحماية القانون
بعدما انتقلت ملكية السلسلة إلى شركة «كانون» (بدءًا من الجزء الثاني سنة 1982) تميّزت السلسلة بالقليل من أسباب الترفيه وبأقل من ذلك من أسباب المتعة الفنية. يضاف هذا إلى توقف استثمار الفكرة تمامًا في الجزء الخامس والأخير «رغبة موت 5: وجه الموت» الذي أخرجه بشكل رديء آلان ج. غولدستين سنة 1994.
على رداءتها، فتحت السلسلة الباب واسعًا أمام مشتقات وتأثرات، لكن أفلام الانتقام الفردي أو حتى الجماعي، كان سائدًا في السينما الأميركية منذ عهود سابقة. هي في أفلام من الثلاثينات كما هي حتى خروج «باتمان ضد سوبرمان» هذا العام، حيث الانتقام تحقيقًا للعدالة ما يقوم به أبطال تلك الأفلام.
ما كان مختلفًا و - قابلاً للتحمّل - هو أن البطل الجانح صوب الانتقام (لنقل ستيف ماكوين في «نيفادا سميث» الذي حققه جيدًا هنري هاذاواي سنة 1966 من بطولة ستيف ماكوين) يتوقف عن السعي لذلك الفعل أو يجبر عليه في نهاية الأمر. في «نيفادا سميث»، وهو من نوع الوسترن، نجد الشاب نيفادا (نصف أبيض ونصف هندي) ينطلق للانتقام من الشلة التي قتلت والديه. خلال مسيرته يتقدّم منه الأب زاكاردي (الإيطالي راف فالوني) وينصحه بالتوقف عن فعله هذا فينصاع ولو إلى حين. هذه الفترة من القبول هي كل ما يحتاجه الفيلم ليستمد من المشاهدين الموافقة على ما سيلي وهو استمرار الانتقام.
في وسترن آخر، هو «أشنقهم عاليًا» يقدم فريق من الرجال على شنق كلينت إيستوود بعدما اعتقدوا أنه سارق ماشية. لكنه لا يموت ويقرر الانتقام. الفيلم، وقد أخرجه تد بوست، لن يتركه يفعل ذلك على هواه، بل تحت إمرة القانون وعليه أن يحضر المجرمين للعدالة أحياء طالما ذلك كان ممكنًا.
لكن السبعينات، حطّمت تقاليد كثيرة، ومن بينها أن البطل الشريف الذي يستحق الإعجاب هو الذي لا ينبري للانتقام إلا من بعد انسداد الأفق على أي حل آخر. لذلك شاهدنا مئات الأفلام التي تقرر أنه من حق البطل أن يعمد إلى العمل بعيدًا عن القانون لكي ينجز العدالة. على هذا النحو شاهدنا كيف أن رجلاً (جو دون باكر) مفردًا قرر تنظيف البلدة الصغيرة التي أوى إليها مع عائلته من الفاسدين وذلك تبعًا لأحداث «السير بفخر» لفل كارلسون (1973). خطوته تلك كانت قانونية إذ سرعان ما تم انتخابه شريفًا.
في «سائق التاكسي» لمارتن سكورسيزي (1976)، المسألة معقدة أكثر لأن بطل الفيلم (روبرت دينيرو) النازع إلى الفاشية يحمل الطيبة والسوء في الذات الواحدة.

التبرير جاهز

هذا كله كان تمهيدًا لمزيد من إزالة الموانع. في عام 1993 قام مايكل دوغلاس ببطولة فيلم بعنوان «السقوط» Falling Down الذي أخرجه جووَل شوماكر، حيث لا يستطيع بطل الفيلم الصبر على الفوضى الاجتماعية فيبدأ القتل لأي سبب ولأي كان.
النقلة هنا هي أنه، وباستثناء «رغبة موت» وملاحقه المستنسخة، كان واضحًا في أفلام الانتقام الشخصي أن القانون هو الذي أخفق في تحقيق العدالة، مما اضطر البطل لحمل السلاح. لكن في «السقوط» وأفلام أخرى (من بينها «الشجاعة» (أخرجه البريطاني نيل جوردان سنة 2007) لم يعد البطل بحاجة حتى لهذا التبرير. البوليس ليس الوحيد عاجزًا بل المدنية بأسرها.
في معظم هذه الحالات، فإن أفلام الانتقام هذه تدور حول بطل أبيض ضد أشقياء من ألوان متعددة (الأسود واللون الحنطي من أكثرها وجودًا). في الواقع نجد أن «رغبة موت» نفسه استخدم الدين، لأن رئيس شلة المجرمين يتحلى بصليب وضعه حول عنقه، وحين يطلق كيرسي النار عليه يصوّب مسدسه إلى الصليب فتخترقه الرصاصة.
العائلة هي غالبًا في صلب الدوافع. هنا خسر كيرسي عائلته، وفي أفلام أخرى، يخطف المجرمون عائلة البطل أو يقتلون ابنه أو يغدرون بزوجته. التبرير جاهز والغاية هي منح الفاعل ما يكفيه منها لكي ينقلب إلى مجرم مماثل. في أفلام اليوم ما عاد العنف الناتج فعلاً يثير أسئلة أخلاقية ولا حتى سياسية، بل متعة ترفيهية.
شكل «رغبة موت» المقبل مدعاة للتساؤل، ذلك لأن لكل حقبة، مهما تشابهت، ظروفها وسماتها وتأثيراتها. في السبعينات كانت الحقبة حافلة بالانقسام الاجتماعي بين فئات وأجيال. الثمانينات جاءت حاملة في طياتها الدعوة لحل مثالي. هذه الأيام هي أكثر انفتاحًا على التعددية والاختلاف وهي بذلك أيام فوضوية.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.