عاد غاريث بيل إلى إنجلترا. وقد تكون قرأت هذه الجملة كثيرا على مدار السنوات الثلاث الماضية، لكنها حقيقية بالفعل هذه المرة فقط. في مساء الثلاثاء الماضي لعب بيل على أحد ملاعب الدوري الإنجليزي (البريميرليغ) للمرة الأولى منذ انتقاله إلى ريال مدريد في 2013، لكن كان هذا لليلة واحدة فقط. إذا كانت هناك أي لحظات شك بالنسبة لأغلى لاعب في العالم، وإذا لم يختف بداخل الحنين إلى الوطن، وإذا لم يتراجع الطلب على خدماته، فإنه أكثر استقرارا في إسبانيا عن أي وقت سابق.
وقبل المواجهة مع مانشستر سيتي - في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا على ملعب الإمارات بمدينة مانشستر استعاد بيل، الأكثر اندماجًا وثقة وتقديرًا، حالته الفنية بعد أن فضل الجهاز الفني عدم المخاطرة به خلال الفوز على فياريال في الدوري الإسباني بسبب إصابته بشد خفيف في ربلة الساق. وبعد أن أصبح واضحًا في مباراة الذهاب أنه بالفعل استعاد لياقته وأنه أصبح جاهزًا لمواجهة مانشستر سيتي في مباراة الإياب في مدريد بحثًا عن تتويج ثان بلقب دوري الأبطال. كذلك يبحث بيل عن الفوز بأول لقب للدوري: فبعد يوم على تحقيق المتصدرين الثلاثة لانتصارات، قاد بيل فريقه للعودة بعد أن كان متأخرا بهدفين أمام رايو فايكانو ثم الفوز 3 - 2 يوم السبت الماضي، عندما أحرز هدفين وقدم أداء قويا ومهيمنا، انتزع إشادة زين الدين زيدان.
قال المدرب: «لقد صنع الفارق. كنا في حاجة إلى بيل اليوم وكان استثنائيا. سينظر الناس إلى الهدفين لكنه لعب بشكل رائع فعلا بخلاف الهدفين، كان جيدًا سواء بأدائه لواجباته الدفاعية أو الهجومية. بيل في حالة جيدة من الناحية البدنية، ولعب الـ90 دقيقة بالكامل. لقد قدم أداء مبهرا، وكان يكتسب قوة بدنية أكبر خلال المباراة».
وكان هذا تذكيرًا إضافيًا بأنه رجل على سيتي أن يعمل له حسابا، فهو لاعب سجل 18 هدفًا وصنع 10 أهداف أخرى هذا الموسم. وليس هذا بجديد على بيل الذي سجل 22 هدفًا في أول موسم له، و17 في الموسم الثاني. وبأي مقياس موضوعي فإن بيل كان صفقة ناجحة. سجل هدف الفوز في نهائي كأس الملك وكذلك نهائي دوري أبطال أوروبا أمام أتليتكو مدريد، كما سجل في نهائي كأس العالم للأندية وصنع هدفا لكريستيانو رونالدو في نهائي كأس السوبر الأوروبي. وبالهدف الذي سجله في إشبيلية الشهر الماضي أصبح أهم هداف إنجليزي في تاريخ الدوري الإسباني الممتاز (لا ليغا).
ومع هذا فلا تزال الشكوك قائمة، فهناك قدر كبير من عدم اليقين. كانت الإحصائيات شيئًا، والتصورات العامة شيئًا آخر. في مدريد، حيث هناك اعتبارات تتجاوز كرة القدم، هناك صعوبات هائلة داخل الملعب وخارجه – خاصة بالنسبة إللاعب أجنبي قادم من أجواء مختلفة. كانت هناك تقارير خاطئة عن حالته البدنية، وكانت هناك كثير من صافرات الاستهجان ضده في ملعب اعتاد أن يفعل هذا مع الجميع، من ألفريدو دي ستيفانو وحتى زيدان، لكن كان صحيحًا أن الحياة لم تكن مثالية.
قال كارلو أنشيلوتي: «اهدأوا، فبيل يلعب بشكل جيد: وهو يقدم موسمًا رائعًا». كان هذا التصريح في أوائل 2015 وكانت حقيقة أن مدرب مدريد في ذلك الوقت شعر بالحاجة لأن يقول ذلك. أقر بيل أخيرا: «كان العام الماضي صعبا بالنسبة لي». بعد هزيمة مدريد في نصف نهائي دوري الأبطال في مايو (أيار) الماضي أمام يوفنتوس، شكا وكيله جوناثان بارنيت قائلا: «تعاني مسيرة غاريث لأن زملاءه في الفريق لا يمررون له الكرة».
كانت هناك إحصائيات تؤيد هذه المقولة، التي تلمح إلى سياسات داخلية. لم يكن هناك أي تأكيد لهذا الادعاء، ولكن كانت هناك مسافة بينه وبين كريستيانو رونالدو، وهما شخصيتان مختلفتان تحتلان نفس المساحة. أقر بارنيت بأن بيل كان «منزعجًا». وقال: «كان هذا ليحطم معنويات أغلب اللاعبين لكن بيل لديه إصرار. كان يمكن أن يصرخ أو يصيح أو أن يطرق باب المدرب لكنه لم يشأ أن يزعج أحدًا».
ربما لم يطرق اللاعب باب المدرب لكن هناك محادثات، أصر خلالها الرئيس، فلورينتينو بيريز، على أنه لن يبيع بيل أبدا - وأنه مستقبل مدريد، ولاعبه الحصري، والفائز المنتظر بالكرة الذهبية. عندما تولى رافا بينيتيز المسؤولية، كان من أوليات مهامه زيارة بيل في ويلز لبحث إمكانية عمل إضافة في مركز جديد خلف المهاجمين.
وقليلون في إسبانيا هم من رأوا في بيل لاعبا جديرًا بارتداء رقم 10، لكنه رحب بأن يقوم بهذا الدور، كما هو دور يمكن أن يكون ناجحا فيه. خلال عام 2013، حدد مساعد مدرب ريال مدريد آنذاك، بول كليمنت، الاختلافات بين رونالدو وبيل بطريقة أوحت بالكثير. قال: «يميل غاريث أكثر إلى أن يأتي من بين السطور، أما كريستيانو فهو مباشر جدًا في أسلوب لعبه، في حين يدخل غاريث في العمق، ويصنع تشكيلات داخل الملعب مع الآخرين، ويسعى لإرسال الكرات إلى زملائه في الفريق». بمعنى آخر، ربما كان هذا يناسبه.
وسواء كان هذا يناسب الآخرين فهو شأن مختلف. رأى البعض في محاولة ترمي لدفع بيل إلى أن يكون اللاعب المحوري على حساب رونالدو، قرارًا سياسيًا، لا مجرد قرار يتعلق بكرة القدم فحسب. إلى جانب كريم بنزيمة، كان بيل أفضل لاعبي مدريد في الملعب في النصف الأول من هذا الموسم، حيث تحمل مسؤولية أكبر. وجد بينيتيز فيه مستمعًا جيدًا، ولاعبًا مجتهدًا، وبحسب تعبير كليمنت، هو لاعب قابل للتدريب. ومع هذا، فعلى الصعيد الجماعي، عانى مدريد وكانت علاقة بينيتيز مع بعض اللاعبين والبعض في مجلس الإدارة تتدهور.
ومع تصاعد الضغوط، ساند بيل بينيتيز، لاعتقاده بأن الفريق يتقدم وأنه تم القضاء على الشللية داخل الفريق. طلب من النادي دعم المدرب. ويوم إقالة بينيتيز وتعيين زيدان خلفًا له، كان الويلزي ضمن مجموعة قليلة من اللاعبين الذين كانوا منزعجين من هذا القرار، وكان الوحيد الذي جهر بهذا. كان يخشى من ضياع التقدم الذي تحقق وأن يعود إلى اللعب في الجناح. وأسوأ من هذا أن يلعب في الجناح الأيسر. لم يخف بيل تفضيله لأن يلعب بحرية.
أكد زيدان خلال مؤتمر تقديمه مدربًا جديدًا للفريق: «أتفهم أن بيل يمكن أن يكون منزعجًا لرحيل بينيتيز، فقد كان مدربًا مهمًا بالنسبة له، لكنه سيلقى نفس هذا الاهتمام مني. هو لاعب أساسي، واستثنائي وما قدمه أخيرا كان رائعا. سأعطيه كل الدعم الذي يحتاجه ليلعب بشكل رائع». خلال أول مباراة لزيدان مديرًا فنيًا للريال، بعد ذلك بأربعة أيام، سجل بيل 3 أهداف «هاتريك» في المباراة التي جمعت فريقه مع ديبورتيفو لاكورونيا، ليجد حفاوة بالغة. كان هذا ثاني «هاتريك» له في 4 مباريات، وهو ما رفع حصيلته من الأهداف إلى 10 في 7 مباريات. في تلك المرحلة، لم يكن هناك لاعب يصنع أهدافا أكثر من بيل أيض«ا. وصفته صحيفة «إيه إس» بأنه جبار، بينما ذهبت «ماركا» إلى حد وصفه بـ«الخرافي»، وكتب الصحافي الرياضي المخضرم، سانتياغو سيغورولا يقول: «قدم بيل أفضل مباراة له في ريال مدريد، وكان رائعًا شأنه شأن أي من نجوم النادي العظام».
وبالنسبة إلى البعض في دائرة بيل، كانت هذه الإشادة متأخرة. قال بيل معترفا في تلك الليلة: «كانت تجمعني علاقة جيدة جدا مع رافا وشعرت بخيبة أمل كبيرة وأنا أشاهده يرحل. لكنك لاعب محترف وعليك أن تتعامل مع هذا الوضع. لا يمكنك أبدًا أن تتنبأ بما يحدث في المستقبل، وأنا أستمتع بكرة القدم التي أقدمها في اللحظة الراهنة، وسأواصل القيام بهذا». وأضاف: «كرة القدم مختلفة في الدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليغ)، فالمباريات تكون مفتوحة أكثر مع كثير من المساحات. أصبحت أفهم اللعبة هنا بشكل أفضل الآن، ومستواي يتحسن طوال الوقت. كان العام الماضي صعبًا بالنسبة لي».
كذلك هنالك تحسن خارج الملعب. فعندما ولدت ابنته نافا فالنتينا أخيرًا، ولدت في إسبانيا، وليس المملكة المتحدة. كما أن إسبانيته تتحسن رويدًا، فضلا عن العلاقة التي توطدت بينه وزملائه في الفريق، وبخاصة زميله السابق في توتنهام، لوكا مودريتش، وتوني كروس وداني كارفاخال، وبات أكثر قربًا من قائد الفريق، سيرجيو راموس، وأصبح لديه انطباع بأن لاعبي الريال ينظرون إليه بطريقة مختلفة الآن، وهو كذلك يراهم بشكل مختلف. ولنقولها بكلمات بسيطة، أصبح بيل أكثر سعادة الآن. وإذا كان وكيله بارنتيت قال قبل عام إن بيل كان «منزعجا» لكن لديه «إصرار»، فقد قال عنه منذ أسبوعين في مدريد إنه «يحب الحياة هنا».
وبالنسبة إلى المدرب، يقول زيدان: «غاريث لاعب مهم، وعلاقتي به جيدة للغاية لأنه ولد صريحًا ومباشرًا وإسبانيته تتحسن كل يوم». قال بيل: «اللعب في بلد أجنبي هو أمر مختلف لكنني شعرت بأنني أكثر استقرارًا هذا العام. شعرت بأن لي دورًا أكبر في الفريق وهذا ساعد أدائي داخل الملعب». وهنا تكمن المشكلة، وسبب الشك المستمر: في آخر كلمتين، «داخل الملعب». إن تسجيل 18 هدفًا وصناعة 10 في 19 مباراة، يمثل إحصائية أكثر دلالة عما تبدو عليه للوهلة الأولى، لأنه لو كان 18 و10 رقمين رائعين، فالرقم 19 مخيف. لقد غاب بيل عن 13 مباراة في الدوري، وهو ما حرمه من الفرصة التي يحتاجها لتأكيد مكانته.
قبل ذهاب نصف نهائي دوري الأبطال أمام مانشستر سيتي سجل بيل ضد خيتافي، قبل أن يتم تبديله، حرصًا على سلامته، ليغيب عن المباراة التالية ضد فياريال. ولم يمر لعبه الغولف قبل مواجهة سيتي مرور الكرام، إذ أثار انتقادات.
غاريث بيل.. حارب الاضطهاد في ريـال مدريد حتى صار نجمًا
صافرات استهجان جماهير الفريق الملكي لاحقته.. والضغوط تراكمت عليه خارج وداخل الملعب
غاريث بيل.. حارب الاضطهاد في ريـال مدريد حتى صار نجمًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة