«الاتجار بالبشر» في لبنان.. جريمة بوجوه متعددة

اللجوء السوري يفاقم انتشاره والنساء والأطفال أبرز ضحاياه

«الاتجار بالبشر» في لبنان.. جريمة بوجوه متعددة
TT

«الاتجار بالبشر» في لبنان.. جريمة بوجوه متعددة

«الاتجار بالبشر» في لبنان.. جريمة بوجوه متعددة

يشكّل «الاتجار بالبشر» أحد أبرز وجوه الفساد المستشري في لبنان. فهذه الظاهرة القديمة الجديدة المنتشرة في المجتمعات اللبنانية بوجوه وأساليب متعددة بدأت تتفاقم مع أزمة اللجوء السوري بحيث تحوّل اللاجئون الذين تخطى عددهم المليون ونصف المليون شخص، ولا سيّما النساء منهم والأطفال، إلى الهدف الأساسي والحلقة الأضعف.
من الدعارة إلى ظاهرة التسوّل التي تشهد عليها شوارع المناطق اللبنانية ويقف خلفها شبكات تستغل الأطفال وعائلاتهم في أحيان كثيرة، إضافة إلى بيع الأطفال تحت عنوان «التبنّي» والمعلومات التي يجري التداول بها حول «بيع الأعضاء» إنّما بوتيرة محدودة، كلّها جرائم تمارس منذ سنوات في لبنان، بعلم أو على الأقل بتجاهل من قبل السلطات المعنية. ولعلها كانت قد بقيت على ما هي عليها لو لم يتم الكشف بالصدفة قبل أسابيع قليلة عن أكبر شبكة للدعارة وتحرير عشرات الفتيات من قبضتها، ليفتح معها باب «الاتجار بالبشر».
لم يأتِ وضع لبنان في التقرير السنوي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، الذي تصدره الولايات المتحدة الأميركية، على قائمة المراقبة للبلدان المصنفة في الفئة الثانية من لا شيء. إذ أكد التقرير الأخير، الذي نشر في يوليو (تموز) 2015، أن لبنان لا يلتزم بأدنى المعايير لمكافحة الاتجار بالأشخاص، كما أنه لم يقدم خدمات دعم وحماية للضحايا، بل يتكل في ذلك على منظمات غير حكومية. هذا مع العلم، أنّ الضابط الذي نجح في الكشف عن الشبكة الأخيرة في لبنان، كان قد خضع لدورة تدريبية لـ«مكافحة الاتجار بالبشر» ضمن برنامج «الزائر الدولي القيادي» (IVLP) الذي تنظمه الولايات المتحدة، حسبما كشف المدوّن اللبناني جوني رعيدي الذي سبق له أيضًا أن شارك في البرنامج.
ويشير أكثر من مصدر إلى أن دائرة «التبني غير الشرعي» بدأت تتوسّع مع اللجوء السوري، مع التأكيد على أنها كانت موجودة في لبنان قبل سنوات وتعود إلى مرحلة الحرب الأهلية، بحيث وثّقت آلاف حالة بيع وشراء أطفال لبنانيين.
وفي هذا الإطار، تؤكد زينة علّوش، مؤسسة «جمعية بدائل»، أن هناك الكثير من المعطيات التي تثبت وجود حركة بيع أطفال ناشطة في لبنان تحت غطاء «التبني»، وأن هذا الأمر يتزايد عادة في أزمات اللجوء وما يترافق معها أيضًا من تزويج القاصرات. وتلفت علوش في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المعلومات التي تشير إلى وجود أكثر من 10 آلاف طفل في أوروبا يعرفون بـ«غير المصاحب» أي من دون عائلة، تؤكد أن هؤلاء يخرجون عبر معابر عدّة ومن دول تستقبل اللاجئين، ولا سيما بواسطة بواخر في البحر من دون عائلاتهم، وهذا يعني أن هناك حالات اتجار تعرضوا لها.
وفي حين تلفت علّوش إلى «غياب الإحصاءات والأعداد الدقيقة لحالات الاتجار بالأطفال تحت غطاء التبني في لبنان، فهي تؤكد أن الجمعية تتلقى بشكل دائم اتصالات من جهات عدّة تبدي استعدادها لشراء أطفال، وهو ما يثبت أن هناك عمليات بيع تتم تحت هذا العنوان، إضافة إلى معلومات تصل إلينا بشكل دائم بأن هناك أطفالاً يولدون في لبنان ولا يُسجّلون أو يُسجّلون بأسماء لعائلات غير تلك التي يتحدرون منها، وبالتالي تزوير الأوراق الثبوتية». وترى علّوش أن كل المعطيات اليوم تتشابه مع تلك التي كانت موجودة في الحرب اللبنانية وما جرى توثيقه من عمليات شراء وبيع أطفال، مشيرة إلى أنّه يُقدّر عدد الأطفال اللبنانيين الذين كانوا ضحية عمليات بيع وشراء بعشرة آلاف طفل، وثّق منهم إلى الآن نحو 2500.
وفي حالة تثبت «الاتجار بالأطفال» في لبنان، تروي عاملة إثيوبية ما حصل مع صديقتها التي كانت تعمل في لبنان، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحت صديقتي حاملاً نتيجة علاقة غير شرعية مع شاب رفض الاعتراف بالطفل، ولجأت وهي في الشهر الثالث إلى مؤسسة اجتماعية تعنى بمساعدة حالات كهذه، فعمدت المؤسسة إلى إبقائها لديها والاهتمام بها إلى أن أنجبت طفلها بحيث أخذته منها ومن ثم أحالتها إلى الأمن العام»، وهو ما توضحه مساعِدة اجتماعية في إحدى المؤسسات المتخصصة بلبنان، وتقول: «في حالة كهذه يجب أن تتم الإجراءات بشكل عكسي، إذ يفترض إحالة المرأة فورًا إلى الأمن العام للتحقيق معها.. وفي الوقت عينه ما حصل مع العاملة الإثيوبية يحصل مع الكثيرات في لبنان، وتقوم المؤسسة فيما بعد ببيع الطفل الذي تتخلى عنه والدته لأسباب اجتماعية تحت عنوان التبني».
«التبنّي» تحت المجهر
وكانت وسائل إعلام عدّة قد عرضت تحقيقات أكدت لجوء بعض الأشخاص إلى بيع وشراء الأطفال، تحت عنوان التبني، وهو ما يضعه مصدر أمني، في خانة «الحالات الاستثنائية»، رافضا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» وصف ما يحصل بـ«الظاهرة» مؤكدًا ملاحقة أي قضية يتم التبليغ عنها. وهنا تذكّر علّوش بما سبق أن أعلنته وزارة الصحة السورية لجهة عمليات بيع أطفال تجري في لبنان بالتنسيق بين أطباء لبنانيين وسوريين، مشيرة إلى أنه لم يتم ملاحقة الموضوع أو التحقيق به. وكان نقيب الأطباء السوريين عبد القادر حسن، قد كشف في نهاية العام الماضي، عن عمليات بيع أطفال، يتعاون على تنفيذها أطباء لبنانيون وسوريون. وتابع أن نقابته أقدمت على فصل ثلاثة أطباء هم «طبيب نسائي وطبيب أطفال وطبيب عام». ولفت حسن حينها إلى أن الأطباء يأخذون أطفالا حديثي الولادة لبيعهم مقابل مبالغ طائلة..
من جهته، يشير المحامي نزار صاغية، مؤسس «المفكرة القانونية» في لبنان، إلى أن عمليات بيع وشراء للأطفال تحصل في لبنان، ويستدرك: «نسمع عن حالات كهذه من عاملين في الإغاثة إنما لغاية الآن لم نتمكن من توثيقها». ويضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «كما في مرحلة الحرب الأهلية ترتبط عمليات بيع وشراء الأطفال تحت غطاء التبني إلى حد كبير باللجوء السوري بحيث يُنقل أطفال من بلاد الحرب إلى بلاد آمنة، كما أننا نسمع عن آلاف حالات اختفاء لأطفال، كلّها تندرج تحت هذا الإطار». ويؤكد صاغية أن الاتجار في البشر موجود في لبنان منذ سنوات عدّة، إنما ومع اللجوء السوري توسّعت دائرته بحيث تزايدت الفئات الضعيفة مما يسهّل استغلالها.
وعن استغلال الفتيات في الدعارة، يقول صاغية: «تقليديًا في لبنان كانت هذه العمليات تجري تحت غطاء العمل في مجال الفن، لا سيما استقدام فتيات من أوروبا الشرقية وبعض الدول العربية وفقًا لما ينص عليه القانون. والأمر نفسه يحصل اليوم مع بعض الفتيات اللواتي يُجلبن إلى لبنان ومن ثم يصار إلى استغلالهن للعمل في الدعارة». ويضيف: «إن إجبار الفتيات على العمل في الدعارة بالإكراه وتعرضهن للعنف والضرب كلّ ذلك يوضع تحت خانة الاتجار بالبشر». ثم يشرح قائلاً: «منذ إقرار قانون الاتجار بالبشر في لبنان عام 2011، فإنه لا يُطبّق لأسباب عدّة. إنما اليوم وبعد كشف النقاب عن شبكة الدعارة الأخيرة، وما تلاها من فضائح في هذا الإطار، نراهن أن تكون بداية جيدة وحافزًا لتطبيق القانون». وبالمناسبة، ينص قانون الاتجار بالبشر في لبنان، وتحديدا استغلال أي شخص بالقوة والتهديد على فرض عقوبة السجن ما بين 5 و15 سنة، وغرامة مالية بين مائة و600 ضعف الحد الأدنى للأجور، ويعتبرها القانون جناية ولا تقل خطورة عن ترويج المخدرات وبيعها».
جدير بالذكر أنه قبل بضعة أسابيع كشف أمر أخطر شبكة «اتجار بالبشر» في لبنان، يقودها رجل أعمال لبناني هو صاحب ملهى ليلي اسمه «شي موريس» بالتعاون مع شخص سوري، ومن ثم أمكن تحرير 75 فتاة معظمهن من السوريات تعرضن لأبشع أنواع التعذيب، وذلك، بعدما أفلحت فتيات منهم من الهروب والتبليغ عنها.
وفورًا لاقت هذه القضية اهتمام الرأي العام اللبناني والمسؤولين. وكشفت بعض التصريحات مسؤولية بعض السلطات أو تقاعسها في أحيان كثيرة، لا سيما أن المعلومات أكدت أن القوى الأمنية كانت قد داهمت الملهى المذكور مرات عدّة، وأغلقته بالشمع الأحمر قبل أن تعيد فتحه. وفي حين اتهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط كبار المسؤولين في «سرية الآداب» بالتورّط في عمل هذه الشبكة، نفى وزير الداخلية نهاد المشنوق الاتهامات واضعًا إياها في خانة الافتراءات.
قضية شي موريس فتحت الباب على هذه الظاهرة المنتشرة في لبنان، وعمدت بعد ذلك القوى الأمنية إلى إغلاق عشرات الملاهي الليلية، وتوقيف عدد كبير من الأشخاص في بعض المناطق.
ويوم الثلاثاء الماضي، أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان بيتر جرمانوس قراره الظني في هذا الملف. واتهم 22 لبنانيًا وسوريًا بتأليف هذه الشبكة، بقيادة السوري عماد ريحاوي (فار من العدالة) واستغلال الفتيات في أعمال الدعارة بعد استدراجهنّ وتعذيبهنّ، مؤلّفين بذلك أكبر شبكة للاتجار بالبشر والدعارة وإجهاض الفتيات، وطلب إنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بحقهم.
وأظهرت التحقيقات أن الفتيات تعرضن للضرب والاحتجاز والتعذيب وحجز حريتهن، وإرغامهن على ممارسة الدعارة داخل الملهى من قبل الريحاوي، الذي كان مع رجاله يجلبون الفتيات من سوريا والعراق إلى لبنان عبر معابر شرعية وغير شرعية، بعد إيهامهن بالعمل في مجالات شرعية، ولكن فور وصولهن إلى الملهى يحتجزن وتصادر أوراقهن ويُرغمن على العمل في الدعارة.
مَن المسؤول؟
مصدر مطّلع أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «مكتب مكافحة الاتجار بالأشخاص وحماية الآداب»، الذي لا يزيد عدد عناصره على 20 شخصًا «يقوم بواجبه على أكمل وجه». وأوضح أن مسؤولية المكتب تنتهي عند توقيف المتهمين وإحالتهم إلى القضاء، وبالتالي، فإن قرار الإفراج عن هؤلاء أو إعادة فتح الملهى الليلي بعد إغلاقه بالشمع الأحمر يعود إلى القضاء المختص، وهو ما حصل مع ملهى «شي موريس» الذي كان قد أقفل في عام 2012. ويضيف المصدر: «لا بدّ هنا من مساءلة الأمن العام المسؤول عن التثبت من شرعية وجود الأجانب في لبنان وطريقة دخولهم إلى الأراضي اللبنانية»، ويتابع أن «الأمن العام هو الذي كان قد أطلق سراح الريحاوي في المرة السابقة بعد توقيفه».
من جهة ثانية، يشرح القاضي حاتم ماضي، مدّعي عام التمييز السابق، الإجراءات القضائية التي تتبع في حالة كهذه لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «عندما يتم ضبط استخدام أي مكان عام لأعمال غير مشروعة يتخذ قرار بإقفاله من قبل القاضي المختص حتى إشعار آخر. ويكون هذا القرار نوعًا من التدبير المؤقت إلى حين اتخاذ قرار آخر برفع الشمع الأحمر وإعادة فتحه، على أن يوضع تحت المراقبة الدائمة، على اعتبار أنّ معتادي الإجرام من الطبيعي أن يكرّروا جريمتهم». ويضيف: «ولكن طبعًا هذه المراقبة ليست من مهمة القضاء الذي يتولى مهمة المعاقبة وليس المراقبة التي هي من مسؤولية القوى الأمنية المختصة».
وهنا نشير إلى أنه قبل كشف قضية «شي موريس» التي فضحت عملية جماعية لـ«اتجار بالبشر»، فإن حالات كثيرة كان قد كشف عنها «مكتب حماية الآداب في لبنان» وأثبتت أن تشغيل الفتيات في الدعارة، والاتجار بهن، يجري في دوائر ضيّقة، ومن قبل أحد الأقرباء، قد يكون الزوج أو الأب في أحيان كثيرة.
«مافيات» تشغيل الأطفال
على صعيد آخر، إذا كانت قضية الاتجار بالفتيات وتشغيلهن في الدعارة تحدث بين جدران مغلقة وغير ظاهرة للعلن، فإن منظر الأطفال في شوارع معظم المناطق اللبنانية، ليس خافيًا على أحد. وهذه ظاهرة بدورها تخضع في معظمها لشبكات «الاتجار بالبشر» التي تستغل فقر العائلات، وخصوصًا اللاجئين منهم، في تشغيلهم في التسّول. وهذا ما يشير إليه المحامي صاغية، قائلاً: «مما لا شكّ فيه أن هناك عصابات تعمل على تشغيل الأطفال، إنما لا بد هنا من التمييز بين الفقر بحيث يضطر الأهل للتسوّل مع أبنائهم، وبين تشغيل العصابات لهؤلاء الأطفال، إذ إنه لا ينسحب على الأهل توصيف الاتجار بالبشر الذي يفترض أن القانون المتعلق به وجد لمحاكمة الأقوى الذي يستغل الضعيف».
من جهته، لم ينفِ وزير العمل اللبناني سجعان قزي أنّ في لبنان «مافيات» تشغّل الأطفال في التسوّل في مختلف المناطق اللبنانية. وسبق له أن أعلن أن الدولة اللبنانية تتعامل مع الأطفال، إنما المشكلة تكمن بأن «المافيات» تعمل بطريقة سرية مستترة، وهو ما يصعّب المهمة أمام القوى الأمنية، التي إضافة إلى أنها غير مجهزة بشكل كافٍ، تولي الاهتمام اليوم لقضايا أكبر كالإرهاب والمحافظة على الوضع الأمني.
وتكمن المشكلة الأكبر في لبنان للحد من ظاهرة «أطفال الشوارع» في غياب مؤسسات قادرة على استقبال هؤلاء لإنقاذهم من الحياة التي يعيشونها، لا سيما أنّ عائلات معظمهم غير مؤهلة أو قادرة على حمايتهم.
ويقول ماهر طبراني، المدير المسؤول في «بيت الرجاء»، المؤسسة الوحيدة التي تستقبل أطفال الشوارع في لبنان وتستوعب لنحو 70 طفلاً، «شبكات تشغيل الأطفال» موجودة في لبنان منذ سنوات لكن مع اللجوء السوري بدأ حضورها يتّسع مستغلة فقر العائلات الهاربة من الحرب.
ويوضح طبراني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» مفصلاً: «في حين هناك عائلات مشرّدة تضطر اللجوء إلى التسّول لتأمين لقمة عيشها، هناك شبكات تعمل على تشغيل هؤلاء الأطفال وبعضها بالتنسيق مع الأهل.. كذلك هناك عائلات كاملة تعمل بكل أفرادها في التسول، بإدارة كبير العائلة، الذي قد يكون الجدّ على غرار إحدى العائلات التي يعمل أطفالها في بيع الورد في منطقة جونية، ويبلغ عددهم نحو 20 طفلا».
ويلفت طبراني إلى أنه «مع اللجوء السوري، بات هناك شركاء في الشبكات التي تشغّل الأطفال، إذ يعمل دائما شخص سوري مع آخر لبناني، بحيث يقوم الأول بتأمين الأطفال للثاني لاستغلالهم وتشغيلهم بالتسول». ولا ينفي طبراني، الذي يتسلّم الأولاد من القوى الأمنية بعد توقيفهم، أن السلطات الأمنية على علم بشبكات تشغيل الأطفال، إنما يصفها بأنها «أكبر من الدولة»، ويستطرد: «معظمها تعمل منذ سنوات وبات لديها الخبرة اللازمة في التعامل مع الموضوع. والمشكلة تبقى أن القانون اللبناني لا يدعم الولد الذي يتعرّض لهذا الاستغلال، إذ وبعد توقيفه وبقائه في المؤسسة لفترة محددة، يجري تسليمه للأهل بعد توقيعهم على تعهّد بعدم إعادته إلى الشارع، لكن ذلك يبقى حبرًا على ورق، وفي اليوم التالي نجد الولد في المكان نفسه عائدًا إلى التسول، في حين أن (الرأس المدبّر) أي رئيس الشبكة أو الأب إذا كان هو المشغّل يبقى حرًا من دون محاسبة».
ويلفت طبراني إلى أن أكثر المناطق التي ينتشر فيها هؤلاء الأطفال هي في بيروت، وتحديدًا في عين المريسة والروشة والرملة البيضاء والحمرا، إضافة إلى جونية. ويوضح: «من يحاول مراقبة هؤلاء الأطفال فسيجد أن هناك مَن يحضرهم إلى المكان الذي يتمركزون فيه كل يوم في وقت محدد ويعودون بهم في وقت محدد أيضًا، وفقًا لطبيعة كل منطقة، إذ يختلف الدوام بين الليل والنهار». ويضيف: «كذلك يقوم شخص بالمرور على الأطفال على دراجة نارية، كل نحو ساعتين ليعمل على جمع الأموال التي يحصلون عليها وعدم ترك المبالغ معهم طوال النهار».
وكانت الدراسة التي أعدتها وزارة العمل، بالتعاون مع منظمات «العمل الدولية» وصندوق الطفولة الدولي (اليونيسيف) و(أنقذوا الطفولة) العام الماضي، أظهرت أنّ اللجوء السوري أدى لزيادة عدد الأطفال في الشوارع، وكشفت أن عدد الأطفال الآتين من سوريا يشكل نحو 73 في المائة بعدما كانت النسبة نحو الثلثين، بينما يشكل اللبنانيون نحو 10 في المائة. كذلك بينت الدراسة أنه على الرغم من أن الأرقام موجودة على نطاق من الممكن التحكّم به، فإن المسألة تُعتبر معقدة للغاية نظرًا لارتباطها بقضايا الاتجار بالبشر والأنشطة غير المشروعة الأخرى فضلاً عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والقانوني للأطفال المتضررين.
وبينما يُرجِع معظم المسؤولين تفشّي «الاتجار بالبشر» لزيادة اللجوء السوري في لبنان، فإن وضع العاملات الأجنبيات في المنازل، والقانون المتعلّق بهن يعود إلى سنوات طويلة ويندرج أيضًا ضمن الجريمة نفسها. وهذا ما يتطرق إليه صاغية مؤكدا أن هذا الأمر يتم تحت غطاء نظام الكفالة ويندرج أيضًا ضمن خانة «الاتجار بالبشر»، بحيث تُجبَر الأجنبيات اللواتي يقدّر عددهن في لبنان بـ150 ألفًا، على العمل براتب صغير وتصادر أوراقهن الثبوتية.
وعلى الرغم من وجود هذا العدد الكبير، تبقى هؤلاء العاملات عرضة لحرمانهن من أبسط حقوقهم بالراحة، وحرية التنقل، والأجر اللائق، ولشروط عمل قسري يقرب من العبودية، بفعل غياب الضمانات القانونية. ففضلاً عن أن القانون يستثنيهم من حمايته، فإن السلطات العامة تمنح بفعل نظام الكفالة، امتيازا لأصحاب العمل من خلال ربط علاقة العمل بصحة الإقامة في لبنان، بحسب توصيف «المفكرة القانونية»، إذ وبموجب نظام الكفالة، تفقد العاملة حقها بالإقامة في لبنان وتصبح غير نظامية معرضة للتوقيف والترحيل بمجرد تركها العمل، وحتى لو تم الترك على مسؤولية صاحب العمل. وتعتبر «المفكرة» السلطات العامة في لبنان تبدو من خلال ذلك وكأنها تشرعن الاستغلال الذي تتعرض له شريحة مهمة من هؤلاء العاملات.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».