أكد استمرار الاشتباكات في مدينة القامشلي، بمحافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سوريا، منذ نحو 3 أيام بين الميليشيات الكردية وعناصر عسكرية تابعة للنظام السوري، ترنح الهدنة والاتفاق غير المعلن الذي كان ينظم العلاقة بين الطرفين اللذين يتقاسمان السيطرة على المدينة، وذلك بعدما توسعت المعارك المحدودة لتشمل كل المحاور وسط حركة نزوح كبيرة من قبل المدنيين باتجاه المناطق المجاورة.
وفي حين تحدثت مواقع مقربة من النظام عن اجتماعات تُعقد بين الأكراد والنظام بوساطة روسية – إيرانية لتسوية الأزمة، أقر أحد المسؤولين الأكراد لـ«الشرق الأوسط» بوجود مفاوضات لاحتواء الأزمة المستجدة، لكنه شدد على أن «أي وقف لإطلاق النار بين الطرفين لن يتم على أساس عودة القوات الحكومية للمناطق التي خسروها في الأيام القليلة الماضية، بل ببقاء الأكراد في المواقع التي سيطروا عليها».
هذا، واندلعت المواجهات بين الأكراد، وبالتحديد ميليشيا «الأسايش» من جهة وعسكريي النظام من جهة أخرى منتصف الأسبوع الحالي على خلفية اعتقال ميليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام دورية تابعة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» وسط القامشلي، وذلك بعد أكثر من شهر على اندلاع اشتباكات مشابهة ولكن محدودة في المدينة.
وتحدث الناشط في القامشلي سليمان يوسف عن «تراكمات» أدت إلى انفجار الخلاف بين الطرفين، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «ومنذ إعلان الأكراد (الإدارة الذاتية) ومن بعدها (الفيدرالية) بدأت الحساسيات تظهر مع القوميات الأخرى، وبالتحديد، العرب والسريان». وتابع: «كما أن تمادي حزب الاتحاد الديمقراطي بفرض سلطة أمر واقع وممارسات الأسايش على الأرض، إضافة للدور السلبي للنظام السوري الذي يلعب على الجميع وينتهج سياسة (فرِّق تسد) في إدارة الأزمة السورية، كلها عناصر فاقمت الأمور وصولا لعمليات الخطف المتبادلة التي شهدتها المدينة خلال الشهر الماضي».
وشدد يوسف على أن «النزاع في القامشلي ليس بنزاع أو تصادم عربي - كردي أو كردي - آشوري - سرياني، إنما هو نزاع بين قوى سياسية لها أجندات وأهداف سياسة خاصة متعارضة ومتناقضة.. مع العلم أن ما يحصل من مواجهات في القامشلي لا يعني بالضرورة انهيار التحالف بين الأكراد والنظام أو نهاية شهر العسل بينهما؛ لأن تحالفهما هو أبعد من محافظة الحسكة».
ومن جهة ثانية، حث يوسف أهالي مدينته «وخاصة المسيحيين منهم للصمود ورفض النزوح وألا يتركوا القامشلي باعتبار أن الأوضاع الأمنية لم تصل إلى درجة من الخطورة تستلزم ترك البيوت والنزوح، وهو ما سيعطي فرصة ثمينة لعصابات السطو للانطلاق في عمليات النهب».
وفي هذه الأثناء، تحدثت شبكة «الدرر الشامية»، عن نزوح نحو 4 آلاف عائلة منذ يوم الأربعاء من مدينة القامشلي، لافتة إلى أن «أغلب العائلات انتقلت من أحياء تشهد اشتباكات بين النظام والأكراد إلى أحياء خاضعة بشكل كامل لسيطرة قوات نظام الأسد، وذلك على خلفية مقتل عدد من المدنيين برصاص قناصة قوات الأسد، التي تحاول قطع طرق تنقل قوات حزب الاتحاد الديمقراطي». وبينما حذر عضو اللجنة المناطقية للحزب الديمقراطي الكردستاني محمد عبدي من ازدياد في أعداد النازحين في المدينة نتيجة التصعيد العسكري، رجح ناشطون في القامشلي لـ«الشرق الأوسط» نزوح عشرات العائلات من الأحياء الساخنة غالبيتهم من الأكراد والعرب المسلمين، وذكروا أن «نزوح العائلات السريانية الآشورية والمسيحية كان محدودا جدا وضمن المدينة ذاتها يعني من منطقة إلى أخرى أكثر أمانا». أما «مكتب أخبار سوريا» فأفاد أن اشتباكات متقطعة اندلعت، يوم أمس الجمعة، في محيط المربع الأمني وسط مدينة القامشلي أدت إلى سقوط قتلى وجرحى مدنيين وعسكريين، تزامنا مع وصول تعزيزات عسكرية للميليشيات «الكردية» من مدينتي الدرباسية ورميلان بمحافظة الحسكة.
وأشارت «الشبكة» إلى أنه وفيما أحكمت قوات النظام سيطرتها على حاجز «العويجة» عند مدخل القامشلي الجنوبي ودوار الوحدة وسط المدينة، بسطت الميليشيات الكردية سيطرتها الكاملة على السجن المركزي المعروف بسجن «علايا» قرب الحي المسمى باسمه، الذي تسيطر عليه «الإدارة الذاتية» غرب المدينة، وسلم سبعة عناصر من العاملين في السجن، بينهم ضابط، تابعون لقوات النظام أنفسهم للميليشيات الكردية التي نقلتهم إلى جانب جميع السجناء إلى مناطق سيطرتها، وهو ما أكده عدد من الناشطين في المدينة.
كذلك أبلغت مصادر موالية للنظام هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي بي سي» أن تدخل جيش النظام جاء في ضوء مواصلة الميليشيات الكردية هجومها على قوات الأمن الداخلي النظامية وسيطرة هذه الميليشيات على سجن القامشلي المركزي (علايا) واستهدافه بقذائف الهواوين والدبابات، وأن «اتفاقا لوقف إطلاق النار لم يدم طويلا، نتيجة الاستفزازات المتبادلة بين الطرفين».
وللعلم، تتقاسم الميليشيات الكردية وقوات النظام والمسلحين الموالين لها السيطرة على القامشلي؛ إذ تسيطر القوات الحكومية على جزء من المدينة الحدودية مع تركيا ومطارها المدني إضافة إلى سجنها المركزي والمباني الرسمية التابعة للحكومة فيها منذ بدء الصراع في سوريا عام 2011. بينما تسيطر الميليشيات الكردية على باقي المدينة.
وبحسب وكالة «آرا نيوز» التي تُعنى بشؤون الأكراد فإن الاشتباكات تجددت صباح الجمعة بالأسلحة الثقيلة في المربع الأمني بالقامشلي، وسط سماع دوي انفجار، لافتة إلى أن ميليشيات الآسايش و«وحدات حماية الشعب» شنت هجوما على مفرزة أبو علي التابعة لقوات النظام عند دوار سيفان قرب حي الأربوية في المدينة، وذلك في خطوة للسيطرة عليها.
أما على صعيد المواقف السياسية من اندلاع المواجهات في القامشلي، فلقد أدان «الائتلاف الوطني السوري» المعارض القصف الذي طال بعض الأحياء السكنية في مدينة القامشلي، الذي أودى بحياة بعض المدنيين إثر المعارك التي تشهدها المدينة منذ يوم الأربعاء الماضي. وعبر «الائتلاف» في بيان عن تعاطفه «مع ذوي الضحايا الذين سقطوا خلال الاشتباكات والقصف المدفعي العشوائي على منازل المدنيين»، مطالبا أبناء المنطقة «بمختلف قومياتهم ومذاهبهم على التكاتف، والتنبه لألاعيب النظام السوري الذي يهدف إلى خلق الفتنة والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد».
سوريا: ترنُّح اتفاق الأكراد والنظام في القامشلي.. ومساعٍ لاحتواء الأزمة
نزوح المئات من أهالي المدينة.. واستسلام عناصر عسكرية للميليشيات الكردية
سوريا: ترنُّح اتفاق الأكراد والنظام في القامشلي.. ومساعٍ لاحتواء الأزمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة