المسرح في عدن.. ركيزة ثقافية منذ 1904

فرقة «خليج عدن» قدمت عروضها في أوروبا عبر مسرحيتها «معك نازل»

«حكاية أسامة» تتناول قضايا العنف والتطرف وبآلية المسرح التفاعلي («الشرق الأوسط»)
«حكاية أسامة» تتناول قضايا العنف والتطرف وبآلية المسرح التفاعلي («الشرق الأوسط»)
TT

المسرح في عدن.. ركيزة ثقافية منذ 1904

«حكاية أسامة» تتناول قضايا العنف والتطرف وبآلية المسرح التفاعلي («الشرق الأوسط»)
«حكاية أسامة» تتناول قضايا العنف والتطرف وبآلية المسرح التفاعلي («الشرق الأوسط»)

بعد عقدين من إغلاق نظام المخلوع صالح مبنى «المسرح الوطني في مدينة التواهي» وبالتزامن مع تحسن الوضع الأمني بالعاصمة عدن وتطهير عدن من الإرهابيين والجماعات المتطرفة، فرقة «خليج عدن» المسرحية دشنت بالتعاون مع إذاعة هولندا العالمية، سلسلة عروض مسرحية منها «حكاية أسامة» في عدد من المدارس بالمدينة. جاءت هذه كمبادرات شبابية لإحياء دور المسرح في عدن، لتناول قضايا العنف والتطرف، وبآلية المسرح التفاعلي، حيث يشارك الجمهور في إعادة بناء الأحداث وفق حوار مباشر مع الممثلين.
وتعد مسرحية «حكاية أسامة» أخر أعمال فرقة «خليج عدن»، وهي من تأليف وإخراج عمرو جمال وتمثيل محمد ناجي بريك وأكرم مختار وهشام الحمادي وعبير عبد الكريم وعلي أحمد يحيى.
عمرو جمال أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن المسرح التفاعلي يعتمد على عرض مشكلة وترك أحداثها مفتوحة لتحفز المشاهدين على التفكير بحلولها، إذ يتاح للطلاب أن يطلبوا من الممثلين إعادة مشهد معين ليقوموا بتغيير أحداثه حسب وجهة نظرهم لحل المشكلة، مشيرًا إلى أن «حكاية أسامة» مسرحية توعية تناقش بشكل رئيسي ظاهرة التسلح والانضمام للجماعات المسلحة، أسباب الظاهرة ونتائجها.
فرقة «خليج عدن» خضعت لدورة مكثفة في المسرح التفاعلي نهاية مارس (آذار) الماضي في الأردن تحت إشراف إذاعة هولندا العالمية، وكان آخر أعمالها المسرحية «صرف غير صحي» التي عرضت في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 وتوقف نشاط الفرقة في عام 2015 بسبب الحرب. وتعد مسرحية «حكاية أسامة» استئنافًا لنشاط الفرقة من جديد.
الفرقة تأسست وأشهرت رسميًا، في مايو (أيار) 2005 من خلال أول عرض مسرحي للفرقة «عائلة دوت كوم» قدم في مهرجان «ليالي عدن المسرحية». وقبل تأسيس الفرقة كان أعضاؤها يتبعون فرقة «المسرح المدرسي» في مدينة عدن والتي حققت في تلك الفترة نجاحات كبيرة، ونالت خلال عامي 2000 و2001 الكثير من الجوائز المحلية على مستوى اليمن.
في عام 1995 توقفت العروض المسرحية التجارية نتيجة لحرب صيف 94، حيث نهبت ودمرت كل مسارح المدينة وأغلق المسرح الوطني في عدن، واكتفت الفرق المسرحية في مدينة عدن بتقديم العروض المسرحية في بعض المهرجانات النادرة وليوم واحد فقط في قاعات غير مؤهلة، وكانت هذه ضربة قاضية لتاريخ مدينة عدن المسرحي الذي بدأ في عام 1905.
وقال عمرو جمال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نتيجة للظروف الخاصة لمدينة عدن بعد حرب صيف 94، كان على أعضاء فرقة خليج عدن البحث عن موقع بديل لتقديم عروضهم المسرحية الجماهيرية، وبعد بحث حثيث وقع اختيارهم على مسرح سينما هريكن القابعة في قلب مدينة (كريتر) لتصبح هذه السينما العريقة بعد ذلك هي الموقع الرئيس لكل عروضهم المسرحية».
وتعاون أعضاء فرقة خليج عدن مع إدارة سينما هريكن ووضعوا قواعد إدارة العمل المسرحي التجاري معًا في ظل غياب تجربة رائدة لا تدعمها الدولة، بدءًا من البحث عن رعاة وداعمين وشركاء من المؤسسات والمنظمات وانتهاءً بتهيئة موقع العرض. وأردف: «خلال تلك الرحلة الطويلة استطاعت فرقة خليج عدن أن تخلق تجربة رائدة في إدارة العمل المسرحي لتصبح القواعد التي سارت عليها هي المثال الذي تحذو حذوه كل الفرق المسرحية التي تأسست بعد نجاح (خليج عدن) وكذلك الفرق القديمة التي كان جزءًا كبيرًا من عملها قبل حرب 94 تموله الدولة».
المخرج عمرو جمال أكد أن عروض فرقة خليج عدن لم تنحصر على مدينة عدن فقط، بل قدمت الكثير من العروض الناجحة في صنعاء، كما تجاوزت الفرقة حدود اليمن لتكون أول فرقة يمنية تقدم عروضها في أوروبا، وذلك من خلال عرض مسرحيتها الشهيرة «معك نازل» في مدينة برلين في ألمانيا.
وذهبت الكاتبة والطبيبة سناء مبارك في حديث لها مع «الشرق الأوسط» عن عودة المسرح إلى عدن إلى القول إن المسرح في عدن يحاول منذ مدة النهوض من كبوته التي استمرت طوال فترة ما بعد الوحدة، وهي الفترة التي صودرت فيها مقدرات ثقافية جمة لم يكن أولها المسرح ولا آخرها السينما؛ فأغلقت المسارح ودور العرض واختفى الإنتاج الفني والموسيقي والتلفزيوني.
وقالت إن فرقة خليج عدن الشابة أعادت نبضات الحياة لحاضرة الفن والأدب الأولى عدن، من خلال عروض مسرحية مباشرة؛ وجد فيهم الناس ملامسة مباشرة لمشكلاتهم وقضاياهم وجرأة في الطرح جسدت بحرفية عالية وبقالب كوميدي محبب، حتى أصبحت هذه العروض، جزءًا من برنامج العائلات العدنية في الأعياد، ولهذا كان لا بد من استغلال مساحة التأثير هذه في محاربة الظواهر المستجدة على المجتمع والدخيلة على ثقافته.
على رغم مضي 112 عامًا على تعرّف عدن على هذا الفن، نراها اليوم تفتقد إلى خشبة مسرح منذ أن قررت السلطات اليمنية عام 1997 إغلاق مبنى المسرح الوطني في التواهي بعدن، الذي كان إحدى المنارات الثقافية على مستوى المدينة والجزيرة العربية.
وبإغلاق مبنى المسرح الوطني في التواهي أسدل الستار نهائيًا على النشاط الثقافي والمسرحي الذي شهدته عدن، إلى أن قامت فرقة خليج عدن بإعادة إحياء المسرح في عدن عام 2005 بعروضها المسرحية طوال 11 عاما إلى يومنا هذا ولكنه يظل جهدا فرديا لا يسد فراغ غياب خشبة مسرح محترفة في مدينة المسرح.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.