بقدر ما يلقى إطلاق مزيد من الجوائز الأدبية المخصصة لجنس الرواية ترحيبًا من طرف المثقفين وعموم المهتمين، تطرح الأسئلة بصدد خلفيات وتداعيات هذا التوجه على المشهد الثقافي العربي، في ظل «صراع» الأجناس الأدبية وتزايد الحديث عن «هيمنة» جنس الرواية مقابل «تراجع» مكانة الشعر و«إهمال» أجناس أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار كل هذا الكم الكبير من الروايات الصادرة في السنوات الأخيرة، مع التساؤل إن كان يعبر عن حاجة إبداعية، أم أن للجوائز المغرية المخصصة للرواية دورًا في ذلك، بما توفره من شهرة وعائد مالي.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض في الجوائز، بشكل عام، «امتحانا للعمل الأدبي»، يتساءل كثيرون عن المعايير التي تتحكم في جوائز الرواية، مثلا، مطالبين بأن تكون هذه المعايير «واضحة وبعيدة عن المصالح»، من دون أن ينكروا أن «جوائز الرواية خلقت حيوية في المشهد الثقافي العربي»، و«ساعدت على تحفيز المبدعين»، و«صنعت من الروائي شخصية يهتم بها الناس»، إلى درجة أن مجرد الظهور في القائمة الطويلة أو القصيرة لجائزة ما، صار يعتبر «حالة اعتبارية في الوسط الثقافي والمجتمعي».
ويرى حسن نجمي، الشاعر والروائي والرئيس السابق لـ«اتحاد كتاب المغرب» أن «الجوائز التي بدأت تتراكم في الساحة الأدبية تعبر عن لحظة نضج في سيرورة العمل الثقافي العربي»، مشددًا على أن «الجائزة، في حد ذاتها، كيفما كان مستواها وقيمتها المادية هي تجسيد ملموس لثقافة الاعتراف. هذه الثقافة التي نحن في أمس الحاجة إليها في أوساطنا الفكرية والإبداعية والثقافية وغيرها»، مبرزا أن «الجوائز التي ظهرت حتى الآن أعطت عدة إشارات كريمة وثمينة، خصوصًا من حيث إعادة الاعتبار للفعل الإبداعي والأدبي في الوطن العربي»، مشيرًا، في هذا الصدد، إلى «تكريم أسماء أدبية مرجعية كبرى»، و«الانتباه إلى أسماء جديدة أو شابة فرضت نفسها على لجان التحكيم بقوة منجزها الأدبي لا بما تمتلكه من حيثيات أو صيت معين».
ومع ذلك، يستدرك نجمي: «ينبغي القول بأننا ما زلنا في حاجة إلى المزيد من الجوائز، نظرًا لتنوع الحقول وتعدد الأجناس الإبداعية والفنية والجمالية، وكذا تعدد الحقول العلمية أو المعرفية والفكرية التي تحتاج إلى تكريم وتثمين وتقدير وتشجيع، خصوصًا في الساحة الأدبية والفكرية المغربية والمغاربية».
ودعا نجمي إلى «الإلحاح بقوة على توفير كل أسباب المصداقية من حيث أنظمة وقوانين هذه الجوائز، وصدقية ونزاهة وموضوعية لجان التحكيم ولجان القراءة، فما أكثر ما لاحظنا أن عددا من اللجان تتاح فيها الفرصة للتلامذة كي يحكموا أو يبثوا في منجزات أساتذتهم، مثلما لاحظنا كذلك أن أشخاصا لا علاقة لهم بالسرد يتصدرون موقع التحكيم والبت في جوائز مخصصة للروايات، وما إلى ذلك من الحالات».
وختم نجمي وجهة نظره بالإشارة إلى أن «بعض اللجان في بعض الجوائز العربية لا تتغير أو لا يتغير أعضاؤها، وهذا يضر بموضوعية ومصداقية الجائزة، خصوصا في ساحة ثقافية معطوبة كالساحة العربية التي نعرف طبيعة تعقيداتها الاجتماعية - الثقافية والضغوط التي يمكنها أن تمارس على هذا العضو أو ذاك مهما كانت درجة موضوعيته وصرامته».
من جهته، يعتقد الناقد والمترجم المغربي محمد آيت العميم بأن الجوائز المخصصة للرواية في العالم العربي تبقى «مهمة» و«ظاهرة صحية» لعدة أسباب، أهمها «اعتبار الأدب»، و«التحفيز المادي والمعنوي» الذي يخصص للمبدعين، داعيًا، في الوقت نفسه، إلى «عدم التركيز على جنس بعينه»، وإلى «أن ترقى الجوائز العربية إلى مستوى الجوائز العالمية»، مشددًا على أن «الجوائز لا ينبغي أن تكون مقياسا للحكم على قيمة الإبداع»، مشيرًا، في هذا الصدد، إلى أن «كثيرا من الكتاب العالميين الكبار أخطأتهم الجوائز»، ممثلا لذلك بالأرجنتيني خورخي لويس بورخيس والفرنسي مارسيل بروست.
ويرى آيت العميم أن المظاهر الإيجابية، التي يمكن رصدها، بصدد جوائز الرواية العربية، تستبطن بعض الأعراض السلبية، من بينها التأثر السلبي الذي طال الكتابة الروائية، بسبب «تسرع الكتابة من أجل اقتناص الجوائز»، علاوة على أن «الكتابة أصبحت موجهة للموضوعات التي يمكن أن تكون هاجسا عند لجنة التحكيم، بشكل يجعلنا أمام كتابة تحت الطلب، وهو ما يعني أن الكتابة لم تعد تعبيرا عن قلق وجودي، بقدر ما أصبحت تعبيرا عن ذكاء تجاري وتسويقي».
ولاحظ آيت العميم أن «أغلب الجوائز، التي يسيل لعاب الكتاب عليها، تهم الرواية، وفي هذا نوع من التقزيم للأجناس الأخرى»، مشيرًا إلى أن «الكل صار يبحث عن روايته، كما صرنا إلى كتاب رحل قفزوا إلى جنس الرواية، مع بعض الاستثناءات، التي تهم عددا من الشعراء الذين توفقوا في الكتابة تحت سقف الرواية، استطاعوا أن يفيدوا هذا الجنس الإبداعي من خلال الشحنة الشاعرية التي تميزهم، ممثلا لذلك بمحمد الأشعري، الذي فازت روايته «القوس والفراشة» بجائزة «البوكر» (2011) مناصفة مع «طوق الحمام» للروائية السعودية رجاء عالم، وبحسن نجمي في «جيرترود» وطارق بكاري في «نوميديا» وياسين عدنان في «هوت ماروك»، خاتما وجهة نظره بالتشديد على أنه «بعيدا عن (طعم) الجائزة، هناك فلتات مهمة جاءت من أراضٍ شعرية، الشيء الذي يؤكد أن الشعراء مؤهلون لكتابة روايات مهمة».
وعن مدى إمكانية أن تمثل الجوائز مقياسًا للحكم على وضعية الكتابة ورسوخها في حقل ثقافي معين، يرى الباحث والناقد المغربي إدريس خضراوي أن «الجوائز الأدبية لها تأثيرها الذي لا يمكن نكرانه على مستوى تقدير الكتابة، وتداوليتها والدفع بها إلى دائرة ضوء الاهتمام العربي، وكذلك العالمي عبر الترجمة إلى عدة لغات عالمية. غير أن هذه الجوائز لا تمثل، دائما، مقياسا دقيقا للحكم على وضعية الكتابة ورسوخها في حقل ثقافي معين. لذلك يصعب أن نتبيّن، فقط، انطلاقًا من هذا التقدير علامات تدلّ على صورة معينة لوضعية الرواية ومكانتها في السياق العربي والعالمي. فمما لا شك فيه أن للمؤسسات الراعية للجوائز، وكذلك للجان القراءة مقاييسها واعتباراتها التي تتحكم في تقديرها لنص من النصوص، مما يعني أن ما يجري تقديره أو تتويجه بالجائزة قد لا يشكل بالضرورة أهم وأنضج ما أنتج في مجال الرواية في ثقافة بعينها من حيث الاقتراحات الجمالية والفنية. وهذا لا يعني تقليلا من أهمية النصوص المتوجة أو المحتمل تتويجها. لذلك تتباين الآراء والتقييمات والتصورات بين القراء والمهتمين عندما يتم الإعلان عن قوائم هذه الجوائز وصولا إلى النتائج النهائية».
ما يذهب إليه نجمي وآيت العميم والخضراوي يجد صداه في التساؤلات التي تقترحها الروائية والناقدة المغربية زهور كرام، تحت عنوان «الرواية العربية من النقد إلى الجوائز الأدبية»، حول «وظيفية تعدد الجوائز الأدبية في المشهد العربي»، وهذا «التنافس بين المؤسسات العربية في تخصيص جوائز خاصة بجنس الرواية، وتحفيز الروائيين للمشاركة بكثافة من خلال رواياتهم»، مشيرة إلى أن الرواية تشهد، في المشهد العربي الراهن، «تجاذبًا من نوع خاص، ليس له علاقة بمناخ التفكير أي النقد، بقدر ما له علاقة بالجوائز الأدبية التي تخصص لهذا الجنس»، ملاحظة أن المؤسسات العربية صارت تتنافس في «ضخ الأموال من أجل جلب اهتمام الروائيين»، مشددة على أنه يبقى «من حقنا التساؤل عن دواعي التنافس، من دون أن يعني ذلك تقييد حرية الروائي في الانخراط في الجوائز، أو اتخاذ موقف من ظاهرة الجوائز»، من جهة أن التجربة تثبت «أهمية الجوائز في التعرف على التجارب الروائية العربية المختلفة»، والتي «تعبر عن اختلاف أسئلة السياقات العربية»، بعدما «ظلت فكرة المرجع الإبداعي عائقًا أمام النظر النقدي في كثير من التجارب، وخصوصية أشكال كتاباتها، كما جعلت كتابًا مغمورين في بلدانهم يتم اكتشافهم بفضل الجوائز». لذلك ترى أن «الوضع مؤهل للتطور إذا تم استثمار ظاهرة الجائزة الأدبية لصالح الرواية والنقد العربيين، من خلال خلق مناخ صحي لانتعاش أسئلة الرواية وتلقيها»، قبل أن تستدرك، قائلة إن طبيعة التساؤل، في هذا المقام، لها علاقة بـ«تعددية الجوائز حول جنس أدبي واحد»، طارحة، في هذا السياق، جملة أسئلة تخص «طبيعة هذا التجاذب بين المؤسسات العربية لخلق جوائز سنوية للرواية»، وإن كان هذا «التجاذب من أجل الإعلاء من صوت الرواية» هو «إعلان رسمي عربي بأهمية الاهتمام بالرواية في تدبير الوعي المجتمعي العربي»، وتعبير عن «وضع ثقافي إبداعي صحي، يشخص موقع الرواية أو التخييل بشكل عام في التفكير العربي»؛ قبل أن تواصل تساؤلاتها، قائلة: «ألا يؤدي تعدد الجوائز في نفس السنة لنفس الجنس الأدبي إلى خلق نوع من الفوضى في الكتابة الروائية، لأن الإغراءات قد تؤدي إلى جعل الرواية كتابة تحت الطلب السنوي».
نقاد مغاربة: جوائز الرواية العربية «ظاهرة صحية» ينبغي تعميمها
لا تمثل مقياسًا للحكم على وضعية الكتابة ورسوخها في حقل ثقافي معين
نقاد مغاربة: جوائز الرواية العربية «ظاهرة صحية» ينبغي تعميمها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة