في أقوى تقرير تصدره الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في العالم، حذرت الولايات المتحدة الحكومات حول العالم، من الاستمرار في قمع الحريات الأساسية، مؤكدة تسارع موجة «في كل بقعة من العالم»، تقودها جهات حكومية وغير حكومية تسعى لإغلاق الفضاء أمام المجتمع المدني، وخنق وسائل الإعلام وحرية الإنترنت، وتهميش الأصوات المعارضة، «وفي الحالات القصوى، قتل الناس أو حملهم على مغادرة منازلهم».
وجاء التقرير الذي اعتادت الخارجية الأميركية إصداره سنويا، قاسيا على عدد من الدول من بينها دول حليفة مثل فرنسا، وتركيا، ومصر. ورغم التحسن الأخير في العلاقات بين واشنطن وطهران، بعد توقيع الاتفاق النووي، شن التقرير هجوما لاذعا على إيران في مجال حقوق الإنسان، وربط ذلك بنشاطات إيران الإرهابية الخارجية. وأشار التقرير إلى استمرار الاضطهاد العرقي والتمييز الذي تتعرض له الشعوب غير الفارسية في إيران مثل الأكراد والأحوازيين العرب والآذريين والبلوش. ونوه إلى تلك القوميات تتعرض للاعتقال التعسفي والاحتجاز لفترات طويلة والتعذيب، كما أن الحرس الثوري يفرض السيطرة الأمنية على مناطقهم. كما توقف التقرير عند حالات الإعدام المتزايدة والتمييز في السجون بغض النظر عن التهم الموجهة إلى أبناء تلك القوميات، استنادا إلى تقارير منظمات حقوقية إيرانية.
وقال وزير الخارجية جون كيري في مقدمة التقرير السنوي حول حقوق الإنسان أن التعديات على القيم الديمقراطية تشير إلى «أزمة حكم عالمية». ولا يترتب على التقرير الذي أعده دبلوماسيون أميركيون على أساس كل بلد على حدة، آثار قانونية على سياسة الولايات المتحدة، كما أنه لا يرغم واشنطن على قطع العلاقات أو وقف المساعدات العسكرية لمنتهكي حقوق الإنسان أو فرض عقوبات عليهم. لكن كيري شدد على أن التقرير المفصل، وهو الأربعين لوزارته، من شأنه أن يزيد من تصميم الولايات المتحدة على تعزيز ما وصفه بـ«الحريات الأساسية» ودعم الجماعات التي تعتبرها واشنطن من المدافعين عن حقوق الإنسان.
وتابع وزير الخارجية الأميركي أن البعض «ينظر إلى هذه الأحداث ويخشى أن تكون الديمقراطية في تراجع. في الواقع، إن هذا رد فعل على إحراز المثل الديمقراطية تقدما، والطلب المتزايد من الناس من كل الثقافات والمناطق كي تستجيب لهم الحكومات». وبحكم المتوقع كالعادة، فإن التقرير يوجه انتقادات إلى خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين، إذ يقول إن جماعات الحقوق المدنية تواجه قمعا متزايدا، وإلى أعداء مثل إيران وكوريا الشمالية، حيث يواجه المواطنون القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب. وبشأن إيران لفت التقرير إلى التمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي للشعوب غير الفارسية، خاصة فيما يتعلق بالحصول على مساعدات اقتصادية، وفرص العمل، والقبول في الجامعات، وتراخيص أعمال، ومنعهم من نشر الكتب، وحق امتلاك السكن والأراضي، على الرغم من أن الدستور يعترف بمساواة جميع المجموعات القومية في إيران. كما أشار إلى معاناة الطوائف الدينية الأخرى غير الشيعة، في ظل نظام يؤمن بولاية الفقيه وإجبارهم على تبعيته. كما أن تلك الطوائف، (البلوش، العرب، الكرد) يواجهون مشكلات كثيرة في الاندماج بالحياة المدنية في إيران بسبب السياسات التي تتبعها السلطة.
وشرح التقرير معاناة الأكراد في إيران من خلال تطبيق القوات الأمنية قانون الطوارئ في مناطقهم، ومنعهم من ممارسة النشاط المدني وقمع الأنشطة المشروعة للمنظمات غير الحكومية الكردية، وحظر الصحف باللغة الكردية، وحرمانهم من تسجيل الأبناء بالأسماء الكردية في السجلات الرسمية. وبشأن الأحواز استند التقرير إلى تقارير المقرر الأممي الخاص بحقوق الإنسان في إيران، أحمد شهيد، وأكد فيه معاناة العرب من الاضطهاد والقمع والتمييز. وذكر التقرير أن السلطات اعتقلت نحو 1000 أحوازي خلال أغسطس (آب) 2015 عقب احتجاجات مدنية اندلعت بعد وفاة يونس عساكرة البائع الذي انتحر بعد تعرضه لمضايقات من القوات الأمنية. كما ذكر التقرير أن السلطات اعتقلت 100 أحوازي في الذكرى العاشرة لانتفاضة 2005 السلمية في الأحواز.
وحول معاناة الآذريين ذكر التقرير أنهم يشكلون نسبة 16 في المائة من السكان في إيران، وعلى الرغم من اندماجهم الجيد في المؤسسات فإن السلطات تمنعهم من تعليم لغة الأم وتقمع النشطاء الآذريين، كما قامت بتغيير الأسماء الآذرية بأخرى فارسية، وذكر التقرير أن الحرس الثوري اعتقل 170 ناشطا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتهمة التحريض على تعلم اللغة الآذرية. كذلك أشار التقرير إلى معاناة البلوش وفقا لتقارير منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الإيرانية، وتوقف التقرير عند الفقر والحرمان والتهميش المتعمد الذي يعاني منه البلوش في مناطق سكناهم، كما أنهم يواجهون محدودية في الحصول على فرص للمشاركة السياسية والتعليم والعمل والرعاية الصحية والسكن، خاصة أهل السنة الذين يشكلون غالبية البلوش. وأشار التقرير إلى الاعتقالات التعسفية والتعذيب وإصدار الأحكام الجائرة من المحاكم الإيرانية.
ووجه التقرير اتهامات متعددة عن خرق المسؤولين الإيرانيين لحقوق الإنسان، وبدأ بوصف إيران بأنها «جمهورية دينية، في ظل نظام سياسي شيعي، أساسه ولاية الفقيه. وأن رجال الدين الشيعة، وأبرزهم المرشد الأعلى، والقادة السياسيين المدعومين من قبل رجال الدين، يهيمنون على السلطة الأساسية». وبينما قال التقرير إن «آليات الانتخاب الشعبي موجودة داخل بنية الدولة»، أشار إلى «تأثير المرشد الأعلى تأثيرا كبيرا على السلطتين التشريعية والتنفيذية في الحكومة، من خلال مجالس غير منتخبة تقع تحت سلطته». وان المرشد الاعلي «يسيطر على السلطة الدستورية، والسلطة القضائية، ووسائل الإعلام التي تديرها الحكومة، وعلى القوات المسلحة». وأيضا، «يسيطر المرشد الأعلى بشكل غير مباشر على قوى الأمن الداخلي، وغيرها من المؤسسات الرئيسية».
وعن انتخابات عام 2013 التي انتخب فيها الناخبون الرئيس حسن روحاني، قال التقرير إنه «رغم مشاركة شعبية عالية بعد مناقشات مفتوحة» لم تكن الانتخابات «حرة تماما، وذلك لأن كل مرشح كان لا بد أن يخضع لاختبارات وضعتها مؤسسات غير منتخبة». وقال إن «القيود المفروضة على وسائل الإعلام، وسيطرة الدولة على قوات الأمن، وقمع المظاهرات.. أثر على حرية الاختيار». وأشار التقرير إلى أن أهم مشكلات حقوق الإنسان هي «القيود المتشددة على الحريات المدنية. بما في ذلك حرية التجمع، وتأسيس الجمعيات، وحرية التعبير (بما في ذلك عن طريق الإنترنت)، وحريات الأديان، والصحافة». وأشار التقرير إلى وضع «قيود على قدرة المواطنين على اختيار الحكومة اختيارا سلميا من خلال انتخابات حرة ونزيهة». وأشار أيضا إلى «سوء استخدام الإجراءات القانونية النزيهة»، وإلى «تصاعد استخدام عقوبة الإعدام على الجرائم التي لا تعتبر من أخطر الجرائم، أو التي يرتكبها مذنبون صغار في السن».
وأشار التقرير إلى «عدم احترام السلامة الجسدية للأشخاص الذين تعتقلهم الشرطة، وانتشار الاعتقال التعسفي، وغير القانوني، والتعذيب، والقتل، والاختفاء، والمعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، بما في ذلك بتر أعضاء جسدية، والجلد». وتحدث التقرير عن «العنف ذي الدوافع السياسية، والقمع السياسي، وسوء الأوضاع في مراكز الاحتجاز، وفي السجون». وأشار إلى «استمرار الإفلات من العقاب لقوات الأمن»، و«عدم وجود سلطة قضائية مستقلة»، وإلى «القيود الشديدة المفروضة على الحرية الأكاديمية، والمفروضة على حرية التنقل، والفساد الرسمي، وانعدام الشفافية الحكومية». وقال التقرير: «اتخذت حكومة إيران خطوات قليلة للتحقيق ومقاضاة، ومعاقبة، أو محاسبة المسؤولين، سواء في الأجهزة الأمنية، أو في أي موقع آخر في الحكومة، الذين ارتكبوا انتهاكات». لهذا «يظل الإفلات من العقاب هو السائد في جميع مستويات قوة الحكومة والأمن».
وأدانت الولايات المتحدة في تقريرها السنوي حول وضع حقوق الإنسان في العالم، أمس الخميس، تصاعد كراهية الإسلام ومعاداة اليهود في فرنسا وأعمال العنف التي تقوم بها الشرطة الفرنسية ضد المهاجرين والانتهاكات الجنسية للجنود الفرنسيين في أفريقيا.
ورسم التقرير صورة قاتمة لأوضاع حقوق الإنسان في بعض الدول الحليفة، وقال التقرير الذي قدمه وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن وزارة الخارجية الأميركية لاحظت العام الماضي «وقوع عدد متزايد من حوادث معاداة السامية وكراهية المسلمين في فرنسا». وأضاف التقرير نقلا عن مرصد كراهية الإسلام في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن عدد الشتائم والاعتداءات التي استهدفت مسلمين أو مساجد ارتفع بنسبة 281 في المائة في الأشهر الستة الأولى من 2015، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2014. وتابع نقلا عن الحكومة الفرنسية أيضا أن الأعمال المعادية للمسلمين في فرنسا ارتفعت بمقدار ثلاثة أضعاف على مدى عام.
وأدانت الخارجية الأميركية أيضا عمليات «طرد المخيمات غير الشرعية لغجر الروما» والحوادث التي «أفرطت فيها» الشرطة الفرنسية في استخدام القوة، سواء لتوقيف «المهاجرين أو طالبي اللجوء أو ضدهم». وأضافت أن الشرطة الفرنسية «ضربت مهاجرين وطالبي لجوء في مرفا كاليه واستخدمت غازا مسيلا للدموع ضدهم». كما نددت «بالادعاءات التي تتمتع بالصدق حول انتهاكات جنسية ضد أطفال ارتكبتها القوات الفرنسية لحفظ السلام في أفريقيا». وأخيرا انتقد التقرير الأميركي اكتظاظ السجون الفرنسية، وسوء الظروف الصحية فيها، وأعمال العنف ضد النساء وتهريب البشر والتمييز بسبب الجنس أو الإعاقة أو الجنسية.
{الخارجية الأميركية}: إيران تمارس الاضطهاد العرقي.. والمرشد «متسلط»
تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان أشار إلى أن الشرطة الإيرانية تمارس الاعتقال التعسفي والقتل > كيري: التعديات على القيم الديمقراطية تشير إلى «أزمة حكم عالمية»
{الخارجية الأميركية}: إيران تمارس الاضطهاد العرقي.. والمرشد «متسلط»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة