في ذكرى الحرب الأهلية الـ41.. لبنان لا يزال يدفع فاتورتها غالياً

مقاتلون سابقون: لا مجال لطي الصفحة من دون إتمام مصالحة حقيقية

في ذكرى الحرب الأهلية الـ41.. لبنان لا يزال يدفع فاتورتها غالياً
TT

في ذكرى الحرب الأهلية الـ41.. لبنان لا يزال يدفع فاتورتها غالياً

في ذكرى الحرب الأهلية الـ41.. لبنان لا يزال يدفع فاتورتها غالياً

تحل الذكرى الـ41 للحرب الأهلية اللبنانية هذا العام ثقيلة على معظم اللبنانيين، الذين باتوا مقتنعين بأنّهم سيصارعون طويلا ارتدادات هذه الحرب بغياب أي أفق لانفراجات قريبة تنهي مآسيهم اليومية، السياسية منها، أو الاجتماعية، أو حتى الأمنية.
وإذا كانت مصالحة وتحالف رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، اللذين قادا قسما أساسيا من المعارك خلال الحرب، خرق رتابة المشهد هذا العام وترك انطباعا إيجابيا في الأوساط المسيحية، إلا أنه لم يترك أصداء مماثلة في الساحة الوطنية باعتبار أن الكثيرين ينظرون إلى هذا التقارب على كونه موجها ضد الطوائف الأخرى. ولعل الخلاف المستمر داخل مجلس الوزراء حول جهاز أمن الدولة، والذي يتخذ طابعا طائفيا، دليل إضافي على تنامي الاحتقان بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني، التي خرجت من الحرب من دون إتمام أي عملية مصارحة أو مصالحة، لضمان عدم تكرار تجربة الاقتتال المرة.
ولا ترى منى فياض، الأستاذة في قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية في بيروت أن هناك ما يؤشر لخروج لبنان أصلا من نفق الحرب، معتبرة أن «وقف القتال في الشوارع لا يعني انتهاء الحرب التي لا تزال مستمرة بأكثر من شكل، نفسيا وبيئيا واجتماعيا». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «كل أمراء الحرب الذين قادوا المعارك في مختلف المناطق، يقودون اليوم المعارك السياسية، والمجتمع الذي كان منقسما ما بين شرقية وغربية زادت انقساماته.. فهل يصح الاحتفال بانتهاء الحرب ونحن نشهد حروبا بديلة ومتعددة وحتى على مستوى البيت الواحد؟».
وتعتبر فياض أن أزمة النفايات التي تخبطت بها البلاد طوال 8 أشهر، إضافة إلى أزمة الرئاسة التي نتخبط بها منذ عامين، «كلها عناصر تؤكد أن الحرب مستمرة بأشكال مختلفة»، لافتة إلى أنّه «لا يمكن اعتبار تلاقي عون – جعجع بمثابة بارقة أمل في النفق المظلم الطويل، باعتبار أنّه تم لمصلحة معينة وهو اتفاق بوجه باقي الفرقاء». وأضافت: «هما أميرا حرب يحاولان توحيد المسيحيين بوجه باقي أمراء الحرب، وهو ما نتعاطى معه على أنّه خطوة إلى الوراء».
وقُتل خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في 13 نيسان (أبريل (نيسان)) 1975، واستمرت 15 عاما، نحو 200 ألف شخص، فيما أصيب زهاء مليون بجراح، وشرد قرابة 350 ألفا، وفُقد 400 ألف آخرين. وتورطت في الحرب اللبنانية كل الفصائل السياسية اللبنانية، بالإضافة إلى الفصائل الفلسطينية وجهات خارجية وخصوصا سوريا وإسرائيل.
وينشط عشرات المقاتلين السابقين الذين شاركوا في الحرب اللبنانية حاليا بإطار جمعية «مقاتلون من أجل السلام»، لضمان عدم تكرار التجربة المرة بعد اقتناعهم بأن ما كانوا يقومون به خطأ وأن العنف ليس الحل. وهو ما أشار إليه رئيس الجمعية زياد صعب لافتا إلى أنّهم يسعون لتعميم تجربتهم على اللبنانيين وخصوصا طلابا وشبابا، كما على عدد من الناشطين السوريين، «من خلال إعطائهم شهادات حية لواقع الحرب اللبنانية، وللقول لهم بأن من تتعاطون معه على أنّه عدوكم اليوم سيكون شريككم في سوريا بالمستقبل». وقال صعب لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف إننا في لبنان لا نزال ندفع فاتورة الحرب، فإن كان إطلاق النار توقف، إلا أن مفاعيله لا تزال قائمة وستبقى طالما أننا لم نقم بإتمام مصالحة حقيقية على مستوى القاعدة الشعبية واكتفينا بمصالحة شكلية وفوقية»، مشددا على وجوب «اقتران المصالحة بإعلان الحقيقة وتحقيق العدالة، كي نتمكن عندها من قلب الصفحة».
ولم تنجح كل الحوارات القائمة بين مختلف الفرقاء السياسيين وأبرزهم «حزب الله» وتيار «المستقبل» بوضع حد لهواجس اللبنانيين المستمرة من اندلاع حرب جديدة، عند أي مفترق طرق طالما أحداث 7 مايو (أيار) 2008 لا تزال شاخصة أمامهم. لذلك تصر القيادات الداخلية باستمرار على طمأنة النفوس، والتأكيد على سعيها الدؤوب لتحصين السلم الأهلي. وفي هذا السياق، أكد رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري أنّه «في الذكرى الـ 41 لاندلاع الحرب الأهلية، لن نتوقف عن العمل لتحصين السلم الأهلي ومنع الفتنة لضمان أنها ولت إلى غير رجعة»، مشددا على «التمسك باتفاق الطائف الذي وضع حدا نهائيا للحرب وأعاد لبنان نموذجا للعيش الواحد والتنوع في عالم يزداد انعزالا وإقصاء».
وتحدث الحريري عن ثقته «بأن كل المخلصين من كل الطوائف والانتماءات السياسية لن يسمحوا بعودة الاقتتال الأهلي تحت أي ظرف من الظروف»، معتبرا أن «تجربة الحرب المدمرة علمت جميع اللبنانيين أن التمسك بالدولة ومؤسساتها هو السبيل الوحيد للاستقرار والأمن والحياة الكريمة لكل اللبنانيين، وأن إنهاء الفراغ الرئاسي بأسرع وقت يحصن سلمنا الأهلي من مخاطر امتداد نيران الحروب المحيطة إليه».
بدوره، توجه وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى اللبنانيين داعيا إياهم إلى «قلب صفحة الحرب والعنف والفتنة والفساد والمظلومية، وفتح صفحة الدولة والعدالة والشراكة والحقّ والحقيقة، لنقرأ معًا في كتاب وطن السيادة والاستقلال والحرية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.