يكاد يشعر محمد عساف في لحظة ما أن لغنائه وحضوره على المسرح خصوصية لأولئك المغتربين العرب الذين صار «عندليب فلسطين الأسمر» بالنسبة إليهم أيقونة المطرب التفاعلي العفوي الذي يتجاوز استحياءه ببساطته طامعًا في كسب جمهوره أكثر فأكثر.
هذا الشاب الفلسطيني صاحب الابتسامة العريضة يقدم أغاني وألحان لمطربين كبار يشجع من خلالها الجمهور على التموضع حول الانسجام طوال الحفلة، ليبث حنينا أو «نوستالجيا» للوطن كما يراه المغتربون البعيدون عنه؛ جميلا أخضر برائحة الزعتر والبرتقال.
ووسط تفاعل عدد كبير من جمهوره، أشعل المطرب الفلسطيني الشاب، مساء أول من أمس حفلا غنائيا ضخما على أكثر مسارح العاصمة اللندنية عراقة بمركز الباربيكان المعاصر الموسيقي. وقام بتنظيم الحفل شركة «مرسم» للفعاليات الثقافية العربية في المملكة المتحدة.
وتزينت القاعة بالكوفيات والمسابح ولم تغب الدبكة الفلسطينية والهتافات. وخلال الحفل، سافر المغتربون إلى أيامهم في بلادهم العربية بينما تراقصت أجسادهم على «علي الكوفية» و«وين على رام الله»، إلى جانب أجمل أغاني الزمن الجميل.
وعلى هامش الحفل، التقت «الشرق الأوسط» الفنان الصاعد الذي أكد أن إيمانه بحلمه وعدم استسلامه هما السبب في وجوده اليوم على أهم مسارح لندن. وقال عساف: «أنا من أكثر الناس الذين تعرضوا لضغوطات وإحباطات ولكنني لم استسلم وثابرت لأصل إلى هنا اليوم». وعن سؤال الفرق ما بين «عساف غزة» و«عساف العالمي» قال المغني الشاب: «ليس هنالك فرق كبير. بدأت مسيرتي كابن غزة، وأصبحت معروفا بها». ويضيف: «أصبحت حاملا لقصة غزة وفلسطين حتى من دون أن أتكلم وبات اسمي مرتبطا بفلسطين، وهو أمر يشرفني».
وكشف «محبوب العرب» أنه سيطلق ألبومه الجديد بعد شهر رمضان المبارك، كما سيتوجه إلى دبي يوم الجمعة القادم لتصوير فيديو كليب لأحد أغانيه. وعن محتوى الألبوم قال عساف: «الأغاني ستكون بلهجات متنوعة كالمصرية والشامية وللمرة الأولى سأغني باللهجة الخليجية بعدما لاقى تتر مسلسل صديقاتي العزيزات الذي غنيته إعجابا». وأضاف: «التركيز الأكبر سيكون على الأغاني الشعبية، لأن الناس أحبوا هذا اللون عندما قدمته». وعلل عساف سبب تأخر إطلاق الألبوم بقوله: «إن صعوبة انتقاء الأغاني المميزة وحفلاتي في العالم العربي وجولتي في الولايات المتحدة عوامل أخرت إطلاق ألبومي الثاني»، واستطرد: «أبحث عن أغان تبث الفرح في قلوب من يستمع لها وأركز أيضا على أن يكون مضمونها الكلامي والموسيقي يحمل رسالة معينة، فالفن قوة ناعمة لتوجيه الناس».
وعبر محمد عساف عن اشتياقه الكبير لغزة التي لم يزرها لأكثر من ثلاثة أشهر لتعذر إصدار تصريح دخول، إذ قال: «آخر مرة كنت في غزة كان في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي، ولا أعرف الأسباب وراء العراقيل للحصول على تصريح دخول ولا زلت أحاول». ومن أكثر الأمور التي يشتاق إليها عساف في غزة هي «الدشداشة» وقال إنه «عندما يترعرع الإنسان في بيئة معينة ويعتاد عليها، لن يستطيع الخروج من جوها مهما سافر وتغرب». وأضاف: «الشهرة لا تهمني بقدر ما يهمني وجودي بين أهلي وناسي، ومع أن مسيرتي الفنية تتطلب مني السفر إلا أن مستقبل الإنسان هو وطنه، حتى لو حكمت الظروف الحالية غير ذلك».
وإجابة عن سؤال احتمالية اعتزال المغني الفلسطيني الغناء يوما ما رد: «إذا شعرت في يوم من الأيام أنني من خلال الفن أضر نفسي أو الناس، أو إن أجبرتني مهنتي على تناسي (محمد غزة)، سأعتزل على الفور». واستطرد موضحا: «الفن رسالة، والناس أحبوني لأنهم قاموا برؤية بصيص أمل من خلالي، فأنا أصبحت أسرد قصتهم وأمثلهم.. وإذا خسرت نفسي يوما، سأخسر الناس».
وعن جمهوره العربي، قال عساف إن جمهوره في المغرب العربي هو الأكبر والأكثر تفاعلا معه. وأما على وسائل التواصل الاجتماعي فإن جمهوره المصري هو الأكثر متابعة له، إذ يتابعه أكثر من 3 ملايين مصري على صفحته على «فيسبوك». ويضيف المغني الشاب: «جمهوري من كافة الدول العربية أكن له الاحترام والتقدير، ومن أنجح وأجمل الحفلات التي قمت بإحيائها كانت في الأردن وبمهرجان جرش بالأخص».
وعند سؤاله عن مثله الأعلى قال ابن غزة: «مثلي الأعلى فنيا هو الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب الذي لطالما تأثرت به لإحداثه ثورة في الفن العربي»، واستطرد: «محمد عبد الوهاب استطاع دمج الموسيقى العربية والغربية وكان السباق على ذلك، ولا يزال اسمه وفنه خالدين». أما على الصعيد العام فأكد عساف أن والده هو مثله الأعلى لاتزان شخصيته وعقلانيته.
ويختتم الفنان الشاب حواره بالتأكيد مجددا على اعتزازه بموطئ قدمه، بغزاويته وبالقضية الفلسطينية مركزا على أصله رغم وصوله العالمية. ويقول: «أعول دائما على المكان الذي أتيت منه، لأنه أصلي وأساسي، بدايتي ونهايتي». ويضيف: «منذ انطلاق مسيرتي الفنية تعلمت الكثير من الثقافات الأخرى ومن المواقف التي أتعرض لها يوميا وأثرى ذلك خبرتي، لكن غزة هي التي جعلتني من أنا عليه اليوم، ومن دونها لن أكون».
ويستمر ابن غزة بمسيرته محاولا بأدائه الفني إعادة الروح وحلاوة الطقس الغنائي بين الجمهور، وأغانيه التي شهدت ذيوعًا وحقق من خلالها شعبية بتجربة فارقة لمغن شاب لا يزال في محطته الأولى على المسارح الأوروبية، يتسلل من خلالها إلى الذائقة الموسيقية العربية في الخارج وإعادة رغبتها إلى ما تحب في الموسيقى والغناء. وهي تحب كاريزما هذا الشاب ومواويله وتطريبه. وبهذا، يقرب عساف المسافة بين الغربة والوطن أغنية تلو الأخرى.
محمد عساف يقرب المسافات بين المغتربين والوطن على أعرق مسارح لندن
قال لـ «الشرق الأوسط»: أبحث عن الفرح عند انتقاء أغاني ألبومي.. وسأغني باللهجة الخليجية للمرة الأولى
محمد عساف يقرب المسافات بين المغتربين والوطن على أعرق مسارح لندن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة