باتت ساحة الفردوس، رمز إسقاط نظام صدام حسين قبل 13 عامًا بعد أن أزالت القوات الأميركية تمثاله من المكان، معلمًا لحجم الخراب الذي أصاب العراق على يد قادته المتناحرين.
الساحة التي تبلغ مساحتها نحو ألفي متر مربع، وكانت تعتبر متنفسًا رئيسيًا وسط العاصمة لتميزها بالحدائق والنوافير الجميلة، أصبحت اليوم مكبًا للنفايات وتعاني إهمالاً واضحًا. وقال الإعلامي زياد العجيلي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن هذه الساحة ظلت منذ السقوط الشاهد الرئيسي على خراب العراق. وأضاف: «لا تختلف الساحة البسيطة في مساحتها عن كل المتغيرات السياسية منذ تأسيس جمهورية العراق حتى اليوم».
المثير للدهشة هو حجم الخراب المحيط بالساحة رغم وقوعها قرب فندقي ميريديان وشيراتون من الجهة الغربية ومسجد «14 رمضان» شرقًا. وتتوسط الساحة شارع السعدون، أهم شوارع العاصمة كونه قلب المركز الرئيسي. وتحولت نوافيرها إلى مستنقعات للمياه الآسنة وتحولت حدائقها إلى أعشاب صفراء، كما تكسر عدد كبير من الأشجار المحيطة بالساحة، في حين تملأ النفايات المكان.
وتحول أحد جدران هذه الساحة إلى معرض للإعلانات والملصقات المهترئة.
وقالت سماح يوسف التي كانت تمر قرب الساحة محدقة حولها ردًا على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية: «عن أي فردوس تتكلم؟ لم يبق من الفردوس شيئًا، لا بد من تغيير اسمها الآن إلى ساحة النفايات والقاذورات».
وإزاحة تمثال صدام ليست أول تغيير يطرأ على هذه الساحة، فقد شهدت في الماضي عملية إزاحة تمثال «نصب الشهيد» للفنان الراحل رفعت الجادرجي إبان ستينات القرن الماضي. ومنذ التغيير الذي بدأ من ساحة الفردوس، لم يستقر أي تمثال في المكان بعد إزالة تمثال صدام حسين، بحيث يبدو أن شبحه لا يزال يطارد هذه الساحة. كما لم يستقر الوضع السياسي في البلاد منذ أن سلمت الولايات المتحدة الحكم إلى مجموعة من السياسيين الذين تقاسموا السلطة وفقًا للمحاصصة الطائفية.
وقد أطلق على الساحة اسم ساحة الجندي المجهول إبان عهد «الزعيم» عبد الكريم قاسم، وبقي الأمر كذلك إلى حين تسلم صدام السلطة، فقرر نقل التمثال إلى ساحة الاحتفالات في المنطقة الخضراء ووضع لنفسه تمثالاً برونزيًا مكانه.
وأجريت عمليات ترميم لهذه الساحة لكن لم تصمد بسبب سوء تنفيذ المشاريع التي منحت إلى شركات غير متخصصة على ما يبدو. وهذا جزء من الفساد المستشري الذي ينخر في البلاد.
وقال سامر عبد الستار (32 عامًا) وهو موظف في مصرف حكومي في منطقة الكرادة، إن الدمار والإهمال لا يطال الفردوس فقط، إنما يشمل العراق بأكمله. وأضاف: «كل المشاريع الخدمية منحت لشركات فاشلة يهيمن عليها الساسة الجدد الذين وضعوا بصمة خراب في كل بقعة في البلاد».
ويعاني العراق من بنى تحتية متهالكة بسبب تحكم السياسيين بعقود الإعمار التي تمنح بواسطتهم إلى شركات غير مؤهلة أو تصرف الأموال على مشاريع وهمية. وكانت السلطات العراقية قررت إعادة بناء وتأهيل نصب وساحة الجندي المجهول كرمز تراثي في ساحة الفردوس، لكن ذلك لم يتحقق. وقد وضعت مجموعة من الشباب المتطوعين تمثالاً من الجبس لم يصمد أمام عوامل الطقس والأمطار إلى أن رفعته السلطات من الساحة.
ويتذكر محمد علي الأمسيات التي كان يقضيها برفقة عائلته في الساحة التي وصفها بأنها «كانت تتميز بنظافتها وأضوائها». وأضاف الرجل البالغ من العمر 45 عامًا بتهكم: «لم يبق من الساحة سوى أطلالها. يجب على مؤسسات دائرة الآثار أن تعمل من أجل إدخالها في المواقع الأثرية لأنه على ما يبدو اعتبروها معلمًا أثريًا لا يتدخلون في صيانته».
«ساحة الفردوس».. شاهد على خراب العراق منذ 2003
بعد أن كانت من أنظف مناطق بغداد أصبحت مكبًا للنفايات
«ساحة الفردوس».. شاهد على خراب العراق منذ 2003
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة