بدأت حكومة الوفاق الوطني الليبية تخطو بثبات نحو ترسيخ سلطتها في طرابلس بعد أسبوع من دخولها العاصمة، لكن إعلان رئيس حكومة طرابلس غير المعترف بها رفض التنازل عن الحكم جاء ليلقي ظلالا على الآمال المعلقة لإعادة الاستقرار إلى البلاد.
وطالبت حكومة السراج أمس أمس كل الوزارات والمؤسسات باستخدام شعارها. كما طالبت المصرف المركزي وديوان المحاسبة «بتجميد حسابات الوزارات والهيئات والمصالح العامة»، ما عدا رواتب الموظفين الحكوميين.
وفي تحرك آخر داعم لسلطة حكومة الوفاق، اختار المجلس الأعلى للدولة المشكّل حديثا، عبد الرحمن السويحلي رئيسا له.
ونفت حكومة الإنقاذ الوطني التي يترأسها خليفة الغويل في طرابلس، تخليها عن السلطة، وطالبته في المقابل في بيان لها بعدم المساس بالمقرات الحكومية، والكف عن كل التصرفات إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي شامل بين جميع الأطراف.
وقالت الحكومة إنها أصدرت تعليماتها لكل الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية جميع المؤسسات والمقار الحكومية بالالتزام بمهامها في اتخاذ كل الإجراءات اللازمة؛ لمنع أي اختراقات أمنية والتصدي لكل تصرف يمس بهذه المقرات. وأضافت: «نطالب ما يعرف بالمجلس الرئاسي تفهم ذلك واحترام المؤسسات والتقيد بالقانون ونحمله مسؤولية أي خلل أمني قد يحدث لا قدر الله».
وزعمت حكومة الغويل أنها تتشاور مع حكومات الدول الفاعلة في المجتمع الدولي والمهتمة بالشأن الليبي لإقناعها بالتدخل للحد من تصرفات رئيس بعثة الأمم المتحدة مارتن كوبلر، وضمان حيادية المنظمة الأممية حيال المسألة الليبية، وعدم الانجرار في مساعيها إلى فرض حكومة وصاية على الشعب الليبي.
وأشارت الحكومة الغويل عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى تداول ما وصفته ببيان مزور يزعم إعلانها التنحي وتخليها سلميا عن السلطة لصالح حكومة السراج.
وطلب الغويل في قرار يحمل توقيعه، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، من وزراء حكومته ورؤساء الهيئات والمؤسسات التابعة للحكومة بالاستمرار في عملهم، مهددا بأن «كل من سيتعامل مع القرارات الصادرة عن المجلس الرئاسي لحكومة السراج سيعرض نفسه للمساءلة القانونية».
وتولت حكومة الغويل السلطة بعدما سيطر تحالف فصائل مسلحة مؤيد لها على طرابلس في 2014، وأعادت البرلمان، بالتزامن مع انتقال برلمان وحكومة منافسين ومدعومين من فصائل مسلحة أخرى إلى شرق ليبيا.
من جهته، اتخذ المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته في طرابلس موقفا متشددا تجاه المجلس الأعلى للدولة الذي عقد أول من أمس، وأعلن رفضه الاعتراف بشرعية عقده أول اجتماع رسمي له بطرابلس واختيار عبد الرحمن السويحلي رئيسا له. ووصف البرلمان في بيان له هذا الاجتماع بأنه غير شرعي وباطل، لافتا إلى أن من شاركوا فيه هم أعضاء فقدوا عضويتهم، واعتبر أن انعقاد مجلس الدولة مخالف للإعلان الدستوري، مشيرا إلى أنه في المقابل عقد أمس اجتماعا بكامل أعضائه وبمقره الرسمي في طرابلس بالتزامن مع هذا الاجتماع.
وكشف النقاب عن أنه سيحيل الخلاف إلى المحكمة الدستورية العليا، وإلى القضاء الليبي للفصل في شرعية اتفاق الصخيرات بالمغرب الذي وقعه ممثلون عن البرلمانيين الحالي والسابق في ليبيا نهاية العام الماضي، وشرعية الأجسام المنبثقة عنه وشرعية عملها، وهي المجلس الرئاسي لحكومة السراج، بالإضافة إلى المجلس الأعلى للدولة.
ودعا إلى تمكين القضاء من النظر في هذه الدعوى، مطالبا الجميع بنبذ العنف والاحتكام إلى القانون والقضاء حفاظا على المسار السلمي للدولة الليبية وحفاظا على دماء الليبيين ومنع التشظي والفرقة.
وعقد نحو 70 عضوا من البرلمان الموازي غير المعترف به دوليا طرابلس جلسة في طرابلس وصوتوا على التأييد الرسمي للاتفاق المدعوم من الأمم المتحدة، كما قالوا إنهم بصدد تشكيل هيئة تسمى مجلس الدولة، التي يرى اتفاق الصخيرات أنها ستكون غرفة عليا مؤلفة من الأعضاء السابقين للبرلمان.
وتم انتخب السويحلي رئيسا للمجلس الأعلى للدولة في تصويت علني تم نقله على الهواء مباشرة بعد حصوله على 53 صوتا، بينما تم انتخاب صالح المخزوم نائبا أولا لرئيس للمجلس بعدما حصل على 43 صوتا.
لكن رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب رمضان شمبش، اعتبر في المقابل أن ما قام به مجلس الدولة من تعديل للإعلان الدستوري مجرد حبر على ورق، حسب وصفه، ولا يجوز الاعتداد بها وفقا للاتفاق السياسي. وقال في تصريحات نشرها الموقع الرسمي للمجلس من الضروري أن يكون هناك توافق بين مجلس النواب ومجلس الدولة حول صيغة التعديل في الإعلان الدستوري على أن يتم إقراره نهائيا دون تعديل من مجلس النواب. ورأى أن جميع القرارات الصادرة عن المجلس الرئاسي لحكومة السراج غير صحيحة، ويجوز الطعن عليها أمام القضاء المختص ما لم يمنح الثقة من مجلس النواب.
وطبقا لما أعلنه مقرر المجلس صالح قلمة، فإنه من المنتظر عقد جلسة مكتملة النصاب للمجلس خلال الأسبوع المقبل مناقشة اتفاق الصخيرات قبل التصويت لمنح الثقة للحكومة من عدمه.
وبادر الفريق خليفة حفتر، القائد العام للجيش الليبي، إلى اتخاذ موقف وسط من الصراع بين مجلس النواب وحكومة السراج، بعدما نفى اعتزامه تشكيل مجلس عسكري لتولي السلطة، وقال إن الجيش بمنأى عن الشأن السياسي وسيدعم أي حكومة وفاق يمنحها البرلمان الثقة.
لكن حفتر قال أيضا في تهديد واضح: «لن نقف متفرجين إذا قادت العملية السياسية البلاد إلى الهاوية»، مضيفا في تصريحات له أمس لن نقبل بتقسيم ليبيا، وأن من يقبل بالتقسيم هو بائع لشرفه وعرضه، وأن ليبيا ستبقى وحدة واحدة، على حد قوله.
ورغم هذه التطورات، استأنفت سفاراتا المغرب وتركيا بالإضافة إلى بعثة الاتحاد الأوروبي عملها رسميا في العاصمة طرابلس، فيما قال مسؤول في إدارة الأمن الدبلوماسي المسؤولة عن تأمين البعثات الأجنبية والعربية في ليبيا لـ«الشرق الأوسط»، إن مارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة، سيعود يوم السبت المقبل إلى العاصمة لممارسة مهام عمله على الأرض بعد غياب عامين. وأضاف المصدر الذي طلب عدم تعريفه: «خلال الأيام المقبلة سيتم إعادة فتح السفارات المصرية والإيطالية والفرنسية وعدة دول أوروبية أخرى».
وتعول القوى الغربية على الزعماء المدعومين من الأمم المتحدة للتصدي لخطر «داعش» الذي يستغل الفوضى في ليبيا ولوقف تدفق المهاجرين عبر البحر وإنقاذ ماليات الدولة بإعادة حجم إنتاج النفط إلى مستواه. وكان قادة حكومة السراج قد وصلوا من تونس بحرا، يوم الأربعاء الماضي، بعدما أغلقت حكومة الغويل المجال الجوي لطرابلس لمنعها من الذهاب جوا إلى العاصمة، وتعمل حكومة السراج من قاعدة بحرية شديدة التحصين في العاصمة.
وخلال أيامها الأولى في طرابلس حاولت حكومة السراج بسط سلطتها بسرعة، فأمرت بتجميد ميزانيات الوزارات وتأمين مكتب رئيس الوزراء بمساعدة فصيل مسلح قوي. لكن لا تزال تنتظر الحكومة مهمة شاقة، وهي تبذل جهدها لتحقيق الوحدة، وإعادة بناء المؤسسات المنهارة، وتعزيز إنتاج النفط، وحل أو استيعاب الفصائل المسلحة، وتوفير رواتب الموظفين.
وهذه الخطوات ضرورية ليس فقط لبقاء الحكومة، ولكن من أجل جهود التصدي لتنظيم داعش الذي سيطر على بعض الجيوب في ليبيا، ولإنقاذ اقتصاد يتراجع بسرعة؛ بسبب انخفاض إنتاج النفط وانهيار أسعاره العالمية.
وثمة مخاوف من احتمال أن تتفجر أحداث عنف أمام أي محاولة لدمج هذه الفصائل في قوة أمنية قومية تخضع لحكومة السراج، أو لدى التوقف عن دفع رواتبها إن هي تحدت مثل هذه الخطوة.
ليبيا: السراج يعزز وجوده.. والمجلس الأعلى يختار السويحلي رئيسا له
حكومة طرابلس تؤكد بقاءها في السلطة.. وحفتر يهدد * البرلمان يحتكم لـ«الدستورية» العليا في مواجهة مجلس الدولة والحكومة المعترف بها دوليا
ليبيا: السراج يعزز وجوده.. والمجلس الأعلى يختار السويحلي رئيسا له
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة