احتدمت المعارك أمس في مدينة دير الزور شرق سوريا بين قوات النظام وحلفائه من جهة، وتنظيم «داعش» من جهة أخرى، وسط قصف جوي لمناطق الاشتباكات أدى إلى مقتل مدنيين، وهو ما طرح أسئلة عمّا إذا كان تسخين جبهة دير الزور يعني أنها ستكون الهدف الثاني للروس ونظام الأسد بعد تدمر.
في الوقائع الميدانية، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن «اشتباكات عنيفة دارت (أمس) بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وبين تنظيم «داعش» في محيط منطقة حقل التيم النفطي جنوب دير الزور، وسط تنفيذ الطيران الحربي عدة غارات على مناطق في محيط الحقل». وتحدث المرصد أيضًا عن «اشتباكات متقطعة دارت بين الطرفين في حيي الجبيلة والصناعة داخل المدينة وفي محيط مطار دير الزور العسكري، ترافق مع غارات نفذها الطيران الحربي على محيط المطار وقرية الجفرة في الريف الغربي لدير الزور».
أما «مكتب أخبار سوريا» المعارض، فأعلن أن طيران النظام «استهدف بأربع غارات وسط حي الكنامات، أصابت منازل سكنية فيه، ما أدى إلى مقتل سبعة مدنيين، بينهم خمسة من عائلة واحدة، وإصابة 13 آخرين بجروح، بينهم حالات خطرة، نقلوا إلى النقاط الطبية في المدينة لتلقي العلاج، إضافة إلى أضرار مادية كبيرة»، مشيرًا إلى أن طائرات النظام «نفذت غارتين على محيط كلية الزراعة في حي الرصافة الخاضع لسيطرة التنظيم جنوب شرقي دير الزور، اقتصرت أضرارها على المادية، في حين قصف التنظيم بعدد من القذائف المحلية الصنع، محيط مبنى أمن الدولة في حي الجورة الخاضع لسيطرة النظام».
مصدر ميداني في دير الزور أكد أن «المواجهات القائمة في المدينة وريفها بين النظام و«داعش» هي من ضمن عمليات الكرّ والفرّ التي تتراجع حينًا وتنشط حينًا آخر»، لافتًا إلى أن «معركة تحرير دير الزور تحتاج لحشد كبير غير متوفر حاليًا للنظام بسبب تشتت قواته على جبهات متعددة».
وكشف المصدر الميداني لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام فتح الآن جبهة مع تنظيم داعش في منطقة القريتين ريف حمص التي تبعد 80 كيلومترًا عن مدينة تدمر بعد طرد التنظيم من المدينة الأثرية، على أن يليها معركة السخنة التي تبعد أيضًا نحو 50 كيلومترًا جنوب تدمر»، مشيرًا إلى أن «استراتيجية النظام تقوم على القضم والسيطرة على المناطق والمواقع التي تعدّ خاصرة رخوة لدى داعش، ليحقق بذلك مكاسب معنوية، ويراهن من خلالها على إنهاك التنظيم وقطع خطوط إمداده عن معقله الأول، لتكون بعدها معركة الرقة أقل كلفة».
مصدر عسكري في المعارضة السورية قال إن «النظام وحلفاءه يستفيدون الآن من الهدنة للتفرّغ إلى مقاتلة تنظيم داعش». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن النظام «سحب أعدادًا كبيرة من مقاتليه ومدرعاته من الجبهات المواجهة لمناطق المعارضة المعتدلة، وحشدها لمعركة تدمر، وهو الآن يستفيد منها في معاركه الحالية مع التنظيم سواء في دير الزور أو ريف حمص أو التحضير لمعركة الرقّة». ولفت المصدر إلى أن المعارضة «تتجنّب مهاجمة مواقع النظام التي تضعف بفعل هذه الانسحابات، كي لا يقال إنها تخرق الهدنة، أو تشكل عائقًا أمام مهاجمة تنظيم داعش».
أما المحلل الاستراتيجي خطار بو دياب، فرأى أن «هناك فرقًا كبيرًا بين سيطرة النظام على تدمر، وبين ما يحكى عن خطط لاستعادة دير الزور والرقة». وأوضح أن «الروسي كان يريد لعب ورقة إخلاء تدمر من «داعش»، لتلميع صورته وتقديم إنجاز عسكري في سوريا قبل إتمام انسحابه».
وأكد بو دياب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «على الرغم من أحلام النظام السوري في تحقيق مكاسب عسكرية على أكثر من جبهة، لكن الأكيد أن هذا النظام ليس لديه الاحتياطي العسكري الكبير للتفرّغ لمعركة دير الزور والرقة». وقال: «إذا كانت داريا التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن القصر الجمهوري عصية على استعادتها رغم أنه دمّرها، فكيف يستطيع استعادة مناطق مثل دير الزور والرقة؟»، مشيرًا إلى أن النظام «لم يكن مهتمًا بتدمر من الناحية الاستراتيجية بقدر اهتمامه بالناحية الدعائية». وسأل: «إذا كانت تدمر تهمّ النظام فلماذا انسحب منها وسلّمها إلى داعش وترك فيها أسلحة ومعدات عسكرية؟».
بو دياب استبعد أي نية لدى الروس لإرسال قوات إلى دير الزور أو الرقة، مبديًا اعتقاده أن «الولايات المتحدة الأميركية هي المعنية بموضوع الرقة، لأنها متصلة بالخطط الأميركية في محافظة الموصل العراقية». أضاف: «تدمر مهمة بالنسبة للروس لأنها نقطة تقاطع بين المحافظات السورية، ولقربها من منطقة السخنة التي تحوي حقولاً للنفط والغاز، ولذلك ليس مستبعدًا أن تسعى روسيا لضمها إلى ما يسمّى سوريا المفيدة»، مؤكدًا أنه «في الرقصة الجهنمية في سوريا، فإن حدود الدمّ هي حدود مؤقتة». وقال: «في تدمر كان صعبًا على داعش الدفاع عن منطقة صحراوية ومكشوفة، في مواجهة قوات النخبة الروسية ولواء الفاطميين ومقاتلي حزب الله اللبناني، لكن في الرقة ستكون معركة وجودية بالنسبة لهذا التنظيم، ولذلك هي صعبة جدًا على النظام، ولا أعتقد أنه في وارد هكذا مغامرة».
النظام السوري يكثّف عملياته في دير الزور بعد استعادة تدمر
محللون يشككون في قدرته على خوضها باعتبارها مواجهة وجودية لـ«داعش»
النظام السوري يكثّف عملياته في دير الزور بعد استعادة تدمر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة