بات توجه بعض دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، نحو رفع كفاءة الإنفاق، مؤشرًا اقتصاديًا مهمًا لتقارير بيوت الخبرة المالية، والتي تستهدف رصد أبرز التغيرات على صعيد اقتصادات هذه الدول، إذ توقع تقرير اقتصادي حديث صدر أمس أن يشهد حجم إنفاق دول الخليج الفعلي خلال هذا العام تقاربًا كبيرًا مع الميزانيات المرصودة.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تعتبر فيه دول الخليج من أكثر دول العالم التي تستطيع تجاوز التقلبات الاقتصادية، والتغيرات المتسارعة على صعيد الأسواق العالمية، حيث تتوافر لدى معظم هذه الدول احتياطات ضخمة، وقدرة على التكيّف مع أسعار النفط المنخفضة، من خلال رفع كفاءة الإنفاق، وتفعيل برامج الخصخصة.
وفي شأن ذي صلة، أصدرت شركة «الخبير المالية»، يوم أمس نسخة عام 2016 من تقريرها، الذي يتضمن مراجعةً لميزانيات الحكومات الخليجية. وقدمت «الخبير المالية» في تقريرها تحليلاً معمّقًا عن أحدث التطورات التي طرأت على ميزانيات الحكومات بالمنطقة، والتدابير الإصلاحية المعلن عنها مؤخرًا، والآثار الواسعة طويلة المدى الناتجة عن تحسين كفاءة الإنفاق، والحد من الهدر، وتحقيق الانضباط المالي.
وأشار التقرير إلى أن الميزانيات الأخيرة التي اعتمدتها كلٍ من السعودية، وقطر، وعُمان، والإمارات، تشهد للمرة الأولى منذ عقود ارتفاعًا في كفاءة الإنفاق، وإصلاحات في برامج الإعانات والدعم، وخططًا لتنويع قاعدة الإيرادات، ما يشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تستجمع قدراتها للتكيّف مع التراجع الذي ساد الأسواق النفطية في الآونة الأخيرة. وتوقع التقرير أن تصدر كل من الكويت والبحرين ميزانيتيهما في منتصف عام 2016، والتي من المتوقع أن تشمل تدابير مشابهة.
وتتوقع «الخبير المالية» أن يؤدي اتجاه حكومات المنطقة إلى إعادة النظر في أولويات ميزانياتها إلى انخفاض مستويات الإنفاق في منطقة الخليج، وهو ما يعكس تدابير الإنفاق الحازمة، في ظل اتخاذ حكومات المنطقة إجراءات غير مسبوقة لمواجهة مسلسل تراجع أسعار النفط الذي بدأ منذ يونيو (حزيران) عام 2014.
ويرى التقرير أن حرص دول الخليج على رفع كفاءة الإنفاق في ميزانياتها سينعكس عليها بشكل إيجابي ويعزّز من كفاءة اقتصاداتها في ظل استمرار تراجع أسعار النفط، وقال: «أظهرت الميزانيات الأخيرة التي أعلنت عنها حكومات دول الخليج انخفاضا في مستويات الإنفاق العام».. ويذكر التقرير أنه على الرغم من الخفض في الإنفاق الكلي فقد واصلت معظم دول الخليج تركيزها على دعم القطاعات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، ما يبرز مدى الجهود التي تبذلها حكومات هذه الدول لتوجيه أولويات الإنفاق تجاه المجالات الضرورية، والتي يُنظر إليها على أنها رافد أساسي في تطوير الاقتصاد وتنويعه على المدى الطويل.
وقالت «الخبير» المالية إن «السعودية خصّصت 35 في المائة هذا العام للإنفاق على قطاعي التعليم والرعاية الصحية، وإلى جانب ذلك، اعتمدت دولة الإمارات أيضًا ميزانية اتحادية أصغر بقليل لسنة 2016، إلا أنها خصّصت أكثر من نصف الإنفاق المتوقّع لقطاعات منها التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاجتماعية والخدمات العامة. وبينما أعلنت حكومتا قطر وسلطنة عُمان عن ميزانيات معتدلة لسنة 2016، ركزت كلتا الدولتين على خفض مستويات الإنفاق، إلا أنهما أعطتا الأولوية للإنفاق الاجتماعي».
وتتوقع الخبير المالية في تقريرها أن تواصل دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الحالي منهجها المتمثّل في تقليص برامج الإعانات والدعم التي تقدمها، وذلك في ظل مساعي حكوماتها الرامية إلى التخفيف من الضغط غير المبرر على ميزانياتها. وقالت: «كانت دول الخليج تتردد في تغيير سياسات الدعم في السابق، ولكن استمرار تراجع أسعار النفط دفعها إلى اتخاذ تدابير إصلاحية من المتوقع أن تعّزز من وضع ميزانياتها وتسهم في تنويع مصادر الدخل العام».
وفي ما يخص توسيع قاعدة الإيرادات، استعرض التقرير خطط دول مجلس التعاون الخليجي لرفع الإيرادات غير النفطية عن طريق خصخصة الشركات الحكومية، مضيفًا: «تضمنت ميزانية السعودية خطتها بشأن تقليص حصتها في بضع شركات حكومية خلال السنوات الخمس القادمة، كما أكدت سلطنة عُمان أيضًا أنها سوف تطرح أسهم ثلاث شركات للاكتتاب العام في البورصة العُمانية هذا العام، كذلك أعلنت دولة قطر عن خطط لخصخصة بضع شركات تملكها الدولة». وتتوقع «الخبير» المالية أن تحذو دول أخرى في المنطقة حذوها، إذ إن الخصخصة تساعد على زيادة الإيرادات وتدعم نمو القطاع الخاص.
وبحسب التقرير، ستشكل ضريبة القيمة المضافة، التي جرت مناقشتها في جميع دول الخليج، إصلاحا اقتصاديًا مهمًا في المنطقة بما يؤدي إلى زيادة الإيرادات والتخفيف من أعباء الحكومات المعنية.
وفي ما يخص التوجه الحكومي القوي إلى العمل على الحد من الهدر في الإنفاق وتدعيم الانضباط المالي وتعزيز الشفافية، سلّط التقرير الضوء على عدد من الخطوات التي من المتوقع اتخاذها، منها إنشاء وحدة مالية عامة في السعودية، للمراقبة والتأكد من تفادي أي تجاوز لمخصصات الميزانية هذا العام، وقال أيضا: «كما أعلنت كل من قطر والكويت أيضًا التزامهما بالمحافظة على الإنفاق لسنة 2016 ضمن المستويات المقررة، وبناءً عليه، وفي ضوء تصريح الحكومات الخليجية بأنها سوف تلتزم بتشديد الرقابة على نفقاتها في العام الحالي، وعليه فمن المتوقع بأن تكون الاحتمالات محدودة جدًا لحدوث تجاوزات كبيرة لمخصصات الميزانيات هذه السنة، وذلك على عكس الاتجاه الذي كان سائدًا في الماضي».
وتأتي هذه التطورات، في الوقت الذي تتجه فيه دول الخليج العربي لأن تصبح سادس قوة اقتصادية عالميًا بحلول عام 2030 إذا حافظت على معدلات النمو الاقتصادي التي تتميز بها، حسب أحدث تقرير لمؤسسة «إرنست آند يونغ».
وجاء في التقرير المعنون «قوة التكامل»، أنه إذا حافظ الاقتصاد الخليجي الناشئ على معدل نمو سنوي قدره 3.2 في المائة خلال السنوات الـ15 المقبلة، فمن الممكن أن يصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030، وبذلك يكون قد اقترب من حجم الاقتصاد الياباني.
دول الخليج مرشحة لتحقيق إنفاق فعلي قريب من ميزانياتها المرصودة
رفع كفاءة الإنفاق أهم المؤشرات الاقتصادية التي تستند عليها التقارير المتخصصة
دول الخليج مرشحة لتحقيق إنفاق فعلي قريب من ميزانياتها المرصودة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة