مخاوف من انهيار اقتصادي في سوريا بعد الانسحاب الروسي

تراجع قيمة الليرة.. والمعارضة تعزوه إلى «ضغط دولي لإجبار النظام على الانتقال السياسي»

سوريون يمرون بجانب أنابيب لمياه الشرب في مدينة دوما القريبة من العاصمة دمشق (رويترز)
سوريون يمرون بجانب أنابيب لمياه الشرب في مدينة دوما القريبة من العاصمة دمشق (رويترز)
TT

مخاوف من انهيار اقتصادي في سوريا بعد الانسحاب الروسي

سوريون يمرون بجانب أنابيب لمياه الشرب في مدينة دوما القريبة من العاصمة دمشق (رويترز)
سوريون يمرون بجانب أنابيب لمياه الشرب في مدينة دوما القريبة من العاصمة دمشق (رويترز)

لم يساهم تدخل المصرف المركزي السوري الخميس الماضي، بالحد من تدهور قيمة العملة إلى حد كبير، حيث لم ترتفع قيمة العملة مقابل الدولار أكثر من 10 ليرات سورية من سعر الصرف مقابل الدولار، وذلك بعدما أعلن عن تمويله شركات الصرافة «بمبالغ كبيرة» من القطع الأجنبي لتلبية الاحتياجات التجارية وأنه «مستمر بهذا النهج حتى يتحسن سعر الصرف مشددا على أن أولويته اليوم تتمثل بالدفاع عن سعر الصرف».
وانخفض سعر صرف العملة بشكل دراماتيكي الأسبوع، حتى قارب الأحد 520 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد، بحسب ما أفاد موقع «الحل السوري» الاقتصادي الإلكتروني، رغم أن سعر الصرف الرسمي في المصارف السورية، هو 434 ليرة مقابل الدولار الواحد، في وقت يتحدث ناشطون عن طلب كبير على العملة الأجنبية بعد الانسحاب الروسي، ويعود ذلك إلى «المخاوف من التدهور الإضافي للاقتصاد، المرتبط بالتطورات الميدانية».
وفقدت العملة السورية أكثر من 10 في المائة من قيمتها منذ الانسحاب الروسي، حيث قاربت قيمة الدولار الأميركي، الـ500 ليرة سورية في السوق السوداء الأسبوع الماضي، أي تدنت عشرة أضعاف عما كانت عليه في العام 2011. قبل اندلاع الأزمة السورية، وهو أدنى مستوى تصل قيمة العملة السورية إليه في تاريخها.
ويرى معارضون سوريون أن هذا التراجع بقيمة العملة، يعود إلى «ضغوط دولية على النظام السوري، للقبول بالمرحلة الانتقالية التي تطالب المعارضة السورية بتطبيقها خلال محادثات السلام في جنيف».
وقال عضو الائتلاف الوطني السوري هشام مروة لـ«الشرق الأوسط» بأن تدني قيمة العملة السورية إلى هذا الحد «يبدو واضحًا أنه شكل من أشكال الرسائل الدولية للنظام السوري، ليستعد للانتقال السياسي، بعد تصريحات لمسؤولين بالنظام بأنه لا يرغب في عملية الانتقال السياسي»، مؤكدًا أن «هناك إرادة دولية جادة لتحقيق هذا الانتقال في البلاد» بعد خمس سنوات على اندلاع الأزمة.
وأوضح مروة أن رئيس النظام بشار الأسد «بدا غير متعاون مع الرغبة الدولية بتحقيق الانتقال السياسي، فكان من الطبيعي أن نرصد الرسائل الاقتصادية بعد الرسائل السياسية، وكان آخرها اجتماع (وزير الخارجية الأميركي) جون كيري، و(وزير الخارجية الروسي) سيرغي لافروف».
ويأتي تدهور قيمة العملة بشكل سريع، بعد مرحلة من التدهور البطيء الذي شهدته العملة السورية منذ خريف العام 2011. ويقول متابعون بأن حلفاء النظام «وضعوا مظلة سياسية واقتصادية لحماية النظام اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، ومن بينها إجراءات ضخ العملة الصعبة في السوق السورية عبر الدعم الإيراني للمصرف المركزي خلال السنوات الماضية».
وقال مروة بأن «التراجع البطيء لسعر العملة كان بسبب مظلة أمان روسية»، لكن هذه المظلة التي فرضت الاستقرار المالي والسياسي «لم تعد موجودة كما السابق». ورأى أن أشكال الضغوط الروسية اليوم على النظام للقبول بالحل السياسي القائم على انتقال السلطة «يتخذ الوجه العسكري عبر الانسحاب الجزئي، والوجه السياسي عبر الضغوط للقبول ببدء إجراءات الانتقال السياسي، فضلاً عن الوجه الاقتصادي الذي بدا رسائل من المجتمع الدولي، وروسيا ليست بعيدة عنها».
غير أن هذا العامل، يعدّ الأخير في مسلسل تدهور قيمة العملة السورية من 2011 وحتى اليوم، وقد يكون الأقسى كونه سرّع في مستوى تراجع قيمتها بشكل دراماتيكي، خلافًا للتراجع التدريجي الذي أوصل قيمة العملة في الخريف الماضي على أعتاب الـ380 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد.
وقال الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي لـ«الشرق الأوسط» بأن تدهور العملة السورية، ناتج عن خمسة عوامل، أهمها العقوبات الاقتصادية الأوروبية على النفط السوري، والحرب الأهلية التي منعت ضخ العملة الصعبة في السوق السوري عبر التحويلات المالية للمغتربين والتصدير والاستثمارات الخارجية المباشرة، وتلاشي إمكانية منح الحكومة قروضًا من البنك الدولي.
وأوضح يشوعي أن «العقوبات الأوروبية على سوريا، طالت النفط السوري الذي كان يعود بنحو نص مليار دولار سنويًا من العملة الصعبة على النظام، ما اضطره في البداية إلى بيع النفط في أسواق غير مضمونة، قبل أن تخرج معظم آبار النفط عن سيطرته».
وطوال تلك الفترة، كانت إيران ترفد المصرف المركزي السوري بالعملات الصعبة، وهو ما بدا أنه تراجع أو توقف، بحسب تقديرات الخبراء. ويعرب يشوعي عن اعتقاده أنها تراجعت «لأن إيران بدا أنها أوقفت مساعداتها المجانية، وباتت تطالب بالثمن المقابل الذي يكون عبر فتح باب التملك في سوريا»، مشيرًا إلى أن حكومة النظام السوري «لا تستطيع أن تفتح قضية التملك على مصراعيها، وهو ما يدفع إيران للتخفيف من تقديماتها النقدية التي تدعم الاقتصاد، بسبب فقدان الثمن المقابل».
ورأى يشوعي أن التدخل الروسي «كان صنع مظلة أمان نفسي بالنسبة للسكان في الداخل، لكن انسحاب الروس، أفقد الناس الشعور بعامل الاستقرار الذي أوحى به التدخل الروسي، فتزايد الطلب على العملة الصعبة في الداخل، وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة السورية».
وتدخل المصرف المركزي السوري أمس للحد من تدهور قيمة العملة، حيث أعلن عن تمويله شركات الصرافة أمس «بمبالغ كبيرة» من القطع الأجنبي لتلبية الاحتياجات التجارية وهو مستمر بهذا النهج حتى يتحسن سعر الصرف مشددا على أن أولويته اليوم تتمثل «بالدفاع عن سعر الصرف».
وسجل سعر الصرف لدى محلات الصرافة 450 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي الواحد، بعد تدخل المصرف المركزي السوري، رغم أن سعر الصرف قارب الـ495 ليرة في السوق السوداء قبل تدخله.
وجاء في بيان للمركزي إنه «قام بالتمويل بسعر 460 ليرة للدولار الأسبوع الفائت وهو مستمر بالتدخل بسعر 450 ليرة للدولار اليوم وبسعر صرف أقل الأسبوع المقبل وبكميات كبيرة بغرض عودة سعر الصرف لمستويات مقبولة»، مبينا أنه يواصل تمويل «كل الاحتياجات غير التجارية المتعلقة بالطبابة والتعليم». وأوضح المصرف أنه «مستمر بتمويل طلبات الاستيراد المستوفية للشروط بنسبة تمويل تصل إلى 90 في المائة وبالتدخل في سوق القطع الأجنبي عبر شركات الصرافة المرخصة لتمويل المستوردات بأسعار صرف تمييزية تبلغ 445 ليرة للدولار وتلبية الأغراض التجارية بسعر صرف يبلغ 450 ليرة للدولار».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».