بث مباشر لتطورات هجمات بروكسل في الصحف البلجيكية

مواقع الصحف تحولت إلى وسيلة نقل مباشر لكل ما يحدث دقيقة بدقيقة

حاولت الصحف ومحطات التلفزة والإذاعة الاستفادة من آراء الخبراء والمحللين المعنيين لتسليط الضوء على هذه الهجمات
حاولت الصحف ومحطات التلفزة والإذاعة الاستفادة من آراء الخبراء والمحللين المعنيين لتسليط الضوء على هذه الهجمات
TT

بث مباشر لتطورات هجمات بروكسل في الصحف البلجيكية

حاولت الصحف ومحطات التلفزة والإذاعة الاستفادة من آراء الخبراء والمحللين المعنيين لتسليط الضوء على هذه الهجمات
حاولت الصحف ومحطات التلفزة والإذاعة الاستفادة من آراء الخبراء والمحللين المعنيين لتسليط الضوء على هذه الهجمات

منذ وقوع هجمات بروكسل صباح الثلاثاء الماضي، بدأت وسائل الإعلام البلجيكية تتحرك في كل صوب، سواء بالقرب من موقع الحدث أو في أماكن ربما يكون لها صلة بشكل مباشر أو غير مباشر بالأطراف ذات الصلة بهذه الهجمات من تخطيط أو تنفيذ أو حتى للتعليق على التطورات.
وتحولت مواقع الصحف إلى وسيلة نقل مباشر لكل ما يحدث دقيقة بدقيقة، من عمليات نقل للمصابين أو تزايد في عدد القتلى أو الانتشار الأمني أو حركة النقل أو الاجتماعات الأمنية والحكومية، وركزت أيضا على ردود الفعل من المواطنين والمسؤولين.
ونقلت أيضا ما أوردته وسائل التواصل الاجتماعي من ردود فعل لشخصيات حكومية أو أكاديمية، كما نجحت الإذاعة ومحطات التلفزة في مواكبة الحدث لحظة بلحظة، مع التركيز على توعية المواطنين يوم التفجيرات بضرورة التزام الحذر والتعامل بهدوء مع الموقف دون ارتباك، وتنفيذ تعليمات الأمن والبقاء في المنازل في حالة الاستنفار القصوى التي فرضته الحكومة.
كما نجحت الوسائل المرئية والسمعية في توصيل الرسائل مباشرة من المسؤولين الكبار إلى المواطنين، من خلال الحصول على تصريحات مباشرة من وزير الداخلية أو العدل حتى لو كان ذلك في ساعات مبكرة من الصباح لطمأنة المواطنين أو الرد على تساؤلات قد تثير قلق البعض.
وحاولت الصحف ومحطات التلفزة والإذاعة، الاستفادة من آراء الخبراء والمحللين المعنيين بقضايا الإرهاب والفكر الراديكالي، لتسليط الضوء على أبرز الدروس المستفادة وكيفية تفادي وقوع مثل هذه الهجمات. اختلفت الصحف البلجيكية الصادرة، صباح اليوم التالي للتفجيرات الأربعاء، في اختيار عبارات الإدانة لهجمات بروكسل، واتفقت على المطالبة بعدم الاستسلام في وجه «الإرهاب»، وقالت: إن قيم التسامح والحرية أقوى من «البربرية والتعصب». وتنوعت الأوصاف التي أطلقتها الصحف الصادرة اليوم على هجمات بروكسل التي أوقعت أمس 34 قتيلاً على الأقل، وتصدرت واجهات الصحف كلمات على غرار «حقيرة» و«مزدراة» و«بربرية» و«عمياء». وحضت الصحف على عدم الاستسلام في وجه «الإرهاب»، ودعت لنبذ خطاب الكراهية والحقد، وقالت: إن قيم التسامح والحرية أقوى من «البربرية والتعصب».
الكاتب فرانسيس فان دو ستين كتب بصحيفة «لاليبر بلجيك» أن البلاد كانت تشعر باقتراب التهديدات والخطر منذ هجمات باريس، وقال: إن هجمات أمس جاءت بعدما تعود المواطنون على الإجراءات الأمنية على أمل أن يتخلى «الإرهابيون» عن مخططاتهم أو أن يعتقلوا، وبعدما تعززت ثقة المواطنين في أجهزة الأمن عقب اعتقال صلاح عبد السلام المتهم الرئيسي بتنفيذ هجمات باريس. وأكد الكاتب أن الحرب على «الإرهاب» لن تنتهي، ودعا لتقييم الإجراءات الأمنية المعتمدة التي لم تمنع تفجيرات أمس، وقال: إن بلجيكا لن تستطيع مواجهة هذا الخطر لوحدها لأن الأمر يتطلب موقفا أوروبيا وعالميا موحدا.
بدوره، قال جون مارك جيراي عبر افتتاحية «درنيار أور» إن بلجيكا يجب أن تبقى متحدة في مواجهة الإرهاب، لأن الوحدة تصنع القوة. واعتبرت إيزابيل ألبير في صحيفة «داتيجد» أن الإجراءات الأمنية الحالية غير كافية، وقالت: إن استعراض القوة غير كاف ما لم يتم استخدامها، وقالت: إن الشباب المتعاطفين مع صلاح عبد السلام ومن وراءه «أبطال سوريا» يعتبرون مشكلة للبلاد. ودعت لتوحد الجميع - بمن فيهم المسلمون - في مواجهة المخاطر. ورأى بارت ستورتفاجن في يومية «ستندارد» أن بلجيكا في حالة حرب أمام عدو لا يعترف بأي قوانين، بينما قال كريستوف بيرتي بصحيفة «لوجور» إن هجمات بروكسل ليست النهاية ولكنها «بداية عهد جديد للبلاد بحياة تشهد حذرا أكبر وصرامة أكبر وربما كراهية أكبر».
وتحت عنوان «بروكسل مروعة»، طالب رئيس تحرير صحيفة «ليكو» جوان كونديجت بتعزيز الأمن في الأماكن العامة والاستثمار بشكل أكبر في الاستخبارات وتمكين العدالة من الآليات الملائمة لملاحقة المجرمين وتفكيك خلايا تمويل «الإرهابيين». وقال: إن الهجمات «تعبير عن آيديولوجية تستغل الثغرات في الديمقراطية الغربية، آيديولوجية لها حلفاء بنفس الأهداف من اليمين المتطرف واليسار الإسلامي الذي لا يرى التطرف الديني سوى نتيجة للتهميش الاجتماعي». وأكد أن التفوق على المخاطر المحدقة لن يتم إلا عبر أفكار «أكثر قوة، حاملة للأمل، إنسانية، ومتجذرة في بعدها الأوروبي».



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.