يهود اليمن غادروا صنعاء جوًا إلى الأردن بجوازات سفر يمنية

«الشرق الأوسط» تكشف عملية تهريبهم وطرف الخيط دفع «رشوة» للحوثيين

يهود يمنيون في مركز الهجرة في تل أبيب بعد وصولهم إلى إسرائيل في رحلة سرية استغرقت وقتاً وجهداً (أ.ف.ب)
يهود يمنيون في مركز الهجرة في تل أبيب بعد وصولهم إلى إسرائيل في رحلة سرية استغرقت وقتاً وجهداً (أ.ف.ب)
TT

يهود اليمن غادروا صنعاء جوًا إلى الأردن بجوازات سفر يمنية

يهود يمنيون في مركز الهجرة في تل أبيب بعد وصولهم إلى إسرائيل في رحلة سرية استغرقت وقتاً وجهداً (أ.ف.ب)
يهود يمنيون في مركز الهجرة في تل أبيب بعد وصولهم إلى إسرائيل في رحلة سرية استغرقت وقتاً وجهداً (أ.ف.ب)

كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن عملية ترحيل 17 يمنيًا يهوديًا من صنعاء إلى تل أبيب استغرقت وقتًا وجهدًا كبيرًا، إذ انطلقت رحلتهم من محافظة عمران وصنعاء حتى وصلوا إلى تل أبيب، أول من أمس، بعد ترتيبات بوساطة أطراف دولية، وتكشف المصادر، أيضًا، عن أن عملية خروج اليهود اليمنيين تمت عبر رحلة جوية من مطار صنعاء إلى مطار الملكة علياء في العاصمة الأردنية عمان، ومن هناك جرى نقلهم، في رحلة أخرى، إلى داخل إسرائيل. (ولم يتسن الحصول على تعقيب رسمي من السلطات الأردنية حتى وقت متأخر مساء أمس).
وبحسب المعلومات الخاصة، التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن اليهود اليمنيين الذين هاجروا إلى إسرائيل، اليومين الماضيين، هم أسرة المواطن اليهودي الحاخام سليمان يعقوب النهاري من منطقة خارف في محافظة عمران (من سكان حي الكرسعة بالسوق الجديدة في مركز المديرية)، بشمال صنعاء، وتتكون من 7 أشخاص، فيما بقية أعضاء الفوج هم ممن باتوا يعرفون بيهود المدينة السكنية (السياحية) في صنعاء، وهم في الأصل من يهود آل سالم، الذين هجرهم الحوثيون مطلع عام 2007، عن ديارهم وقراهم في محافظة صعدة.
وفي حين تحدثت بعض المصادر عن دفع أموال طائلة للميليشيات الحوثية رشوة لتسهيل عملية خروجهم، فقد أكد مصدر مقرب من يهود اليمن لـ«الشرق الأوسط» أن «المخاوف المتراكمة لدى اليهود وعدم استقرار البلاد والحرب المشتعلة، تعد سببًا رئيسيًا في رحيلهم»، مشيرًا إلى أن اليهود اليمنيين المهجرين من صعدة الموجودين في المدينة السكنية في صنعاء لا يتجاوز عددهم 53 شخصًا، من النساء والرجال.
وكشفت مسؤولة الوكالة اليهودية التي قادت عملية تهريب اليهود اليمنيين إلى إسرائيل، أرئيلا دي فورتو، أن «الخطة استهدفت ترحيل جميع اليهود الباقين في اليمن والعراق وسوريا ولبنان»، وأنه خلال الأشهر الأربعة الأخيرة نجحت في ترحيل 49 يهوديًا من أصول عربية. لكن نحو 100 يهودي آخرين رفضوا التجاوب مع الحملة وفضلوا البقاء في دولهم العربية».
وقالت أرئيلا إن العمل على خطة الترحيل بدأت قبل سنة كاملة، وشملت اتصالات دولية كثيرة، وواجهت صعوبات، لكنها استطاعت الوصول إلى جميع اليهود في الدول العربية، وقالت إن عدد اليمنيين اليهود كان قبل سنة نحو 100 وهناك 12 يهوديًا في بغداد و18 يهوديًا في سوريا ونحو 10 في لبنان.
ورفضت المتحدثة الحديث عن مسار ترحيل اليهود اليمنيين بالتفصيل، لكنها وافقت على القول إنه منذ عام 2008، بعدما قتل المواطن اليهودي اليمني موشيه نهاري، تمكنت إسرائيل من ترحيل 200 يهودي يمني إلى تل أبيب، فيما بقي نحو 100 رفضوا الرحيل.
وبينت أنه بعد سيطرة الحوثيين على معظم مناطق اليمن، اختلفت الأوضاع، وبدأ اليهود يتعرضون للاضطهاد، و«علمنا أن مسلحي الحوثي، الذين سيطروا على مدينتي صنعاء وريدة (الأخيرة في محافظة عمران وكانت تضم أكبر تجمع لليهود اليمنيين)، مارسوا الضغوط عليهم لكي يُسلموا وأن فتاتين يهوديتين اختُطفتا وأرغمتا على الزواج من مسلمين حوثيين، وأنهم أجبروا الحاخام سليمان يعقوب النهاري على بيعهم بيته بسعر بخس»، وأضافت بقولها: «قالوا لي إننا سنرحل حتما عن البلاد، وسنضطر إلى ترك البيت كما هو، لذلك من الأفضل لنا أن نحصل على الثمن الذي يعرضونه علينا، والذي لا يتعدى سدس ثمنه الحقيقي».
وروت دي فورتو، أن محاولة سابقة جرت لترحيل المجموعة الأخيرة من يهود اليمن قبل شهرين، لكنها فشلت. وكاد الحوثيون يكشفونها، وأن أحد زعماء الحوثيين توجه لليهود عارضا إعطاءه «فدية محرزة» لكي يساعدهم على الرحيل. ولم تقل إذا كانت هذه «الفدية» هي طرف الخيط لعملية الخروج، وإلى أي مدى شارك الحوثيون في ذلك، ورفضت إعطاء تفاصيل إضافية، حتى لا تكشف المسار الحقيقي لخروجهم من اليمن.
الجدير ذكره أن موضوع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل خاضع للرقابة العسكرية، مثله مثل أسرار الأمن والجيش وأسرار مصادر المياه. وقد فرضت الرقابة العسكرية التعتيم على مسار ترحيل اليهود من أصل عربي بشكل عام، وشددت رقابتها لمنع النشر عن ترحيل اليمنيين بشكل خاص.
إلى ذلك كشف القاضي فهيم محسن الحضرمي رئيس المحكمة الاستئنافية في عدن أن مخطوطة «التوراة» التي هربها يهود اليمن إلى إسرائيل تم أخذها من المعبد اليهودي بمدينة عدن بجنوب اليمن في ستينات القرن الماضي، عند تهريب اليهود من عدن بعد نكسة 1967، وأضاف فهيم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تهريب المخطوطة الأثرية لـ«التوراة» تعد جريمة تضاف إلى جرائم الحرب التي ارتكبتها ميليشيا الحوثيين وقوات المخلوع صالح بحق الشعب اليمني.
ومضى قائلاً: «تناولت وسائل الإعلام العالمية خبر نقل 17 أو 19 يهوديًا من اليمن إلى إسرائيل، وتجاهلت أمرًا مهمًا، وهو تهريب مخطوطة من التوراة يعود عهدها إلى أكثر من 800 سنة»، مشيرًا إلى أن القانون والاتفاقيات الدولية أعطت الحق للدولة المالكة أن تستعيد الوثيقة، لكنه أوضح أن اليهود لن يعيدوا تلك الوثيقة لأهميتها الدينية لديهم حد قوله.
وأردف: «المخطوطة أخذت من المعبد اليهودي في عدن في ستينات القرن الماضي عند تهريب اليهود من عدن بعد نكسة 1967»، مضيفًا: «الأدهى من ذلك أن المعبد صرف لشخصية نافذة، وتم هدمه، وبني مكانه مركز تجاري بعد قيام دولة الوحدة، التي تمت بين شمال اليمن وجنوبه في مايو (أيار) 1990، في عهد نظام المخلوع صالح»، مبينًا أن الهدف من هدم المعبد اليهودي هو تدمير التاريخ ومبدأ التعايش الاجتماعي وتعايش الأديان الذي عرفته مدينة عدن التاريخ والحضارة حينذاك.
الخبير العسكري العميد فيصل حلبوب عرج في حديث له مع «الشرق الأوسط» على أن اليهودي شالوم الشبزي، ربما هو أشهر يهودي يمني ذاع صيته حول العالم، له 15 مؤلفًا بالعبرية، مات في تعز اليمن، وعملت إسرائيل على نقل جثمانه إلى تل أبيب، وتوسطت لها الولايات المتحدة، إلا أن يهود اليمن ومسلميها رفضوا بشدة، فلم يكن من إسرائيل إلا أن أطلقت اسمه على أحد شوارع مدينة تل أبيب.
حلبوب قال إنه وفي عهد الرئيس المخلوع ونتيجة للتعاون بينه وبين إسرائيل تمت مغافلة الناس وحدثت عملية خاطفة لنقل رفات هذا اليهودي من تعز إلى إسرائيل، ومع الرفات تم نقل مخطوطات قيمة وتاريخية كان يحتفظ فيها شالوم الشبزي، وكانت هذه العملية بداية انفتاح إسرائيل على الرئيس اليمني المخلوع، وبداية تقديم الدعم المعنوي والسياسي له من قبل إسرائيل، وتمت اتصالات سرية بين الرئيس المخلوع والمخابرات الإسرائيلية، وتم تدريب بعض ضباط الأمن القومي المقربين لعفاش في مراكز جهاز الموساد في إسرائيل وفي أماكن أخرى، وكانت عملية نقل رفات شالوم الشبزي تقريبًا في ثمانينات القرن الماضي.



الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد للحرب الاقتصادية، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على حركة الاستيراد في اليمن، عبر منع دخول البضائع القادمة من المنافذ البحرية والبرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وإجبار التجار والمستوردين على تحويل شحناتهم إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها.

وتأتي هذه الخطوة، في وقت تعاني تلك المواني تراجعاً حاداً في قدرتها التشغيلية؛ نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية.

وتؤكد مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة تحتجز منذ أسابيع عشرات الشاحنات في المنافذ الجمركية التي استحدثتها على خطوط التماس؛ بذريعة مخالفة التعليمات الجديدة التي تُلزم المستوردين بإدخال بضائعهم عبر مواني الحديدة فقط.

عشرات الشاحنات محتجزة في المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون (إعلام محلي)

وتشير المعلومات، إلى أن هذه الإجراءات تستهدف بالدرجة الأولى تعظيم الموارد المالية للجماعة، بعد أن فقدت نحو 75 في المائة من العائدات الجمركية التي كانت تحصل عليها من البضائع الداخلة عبر المواني الخاضعة للحكومة.

وحسب المصادر، فإن من بين أبرز السلع التي طالتها القيود الحوثية، شحنات الأخشاب المستوردة، التي جرى منع دخولها رغم عدم شمولها بقرارات وزارتي المالية والتجارة التابعتين للجماعة بشأن المواد المحظورة.

ابتزاز منظم

وتوضح المصادر، أن الحوثيين يحاولون عقد صفقات مع التجار، تسمح بدخول الشحنات المحتجزة مقابل تعهدات خطية بعدم الاستيراد مستقبلاً عبر المنافذ الحكومية، في خطوة وُصفت بأنها «ابتزاز اقتصادي منظم».

وتشير إلى أن هذه السياسة تتزامن مع تراجع كبير في كفاءة ميناء الحديدة، الذي تضررت معظم أرصفته ورافعاته، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بـ«ميناء رأس عيسى» المخصص لاستقبال الوقود.

تراجع القدرة التشغيلية لميناء الحديدة بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية (إعلام محلي)

وعلى الرغم من فشل الجماعة في إعادة تشغيل الميناء بطاقته السابقة، فإنها لجأت إلى توجيه السفن نحو «ميناء الصليف» الأقل تضرراً، مع تقديم حوافز مالية وإدارية للمستوردين، مقابل تمرير بضائعهم عبر هذه المواني وتسويقها حتى في مناطق سيطرة الحكومة.

وفي هذا السياق، يؤكد الجانب الحكومي، أن الحوثيين لا يكتفون بتقديم الإغراءات، بل يمارسون ضغوطاً مباشرة على المستوردين لتحويل مسار شحناتهم.

وتشمل هذه الضغوط، تسهيلات تتجاوز خفض سعر الدولار الجمركي، لتصل إلى السماح بدخول سلع مخالفة للمواصفات الخليجية المعتمدة في اليمن؛ ما يشكل تهديداً مباشراً للسوق المحلية وصحة المستهلكين، مستغلين رفض الحكومة استحداث نقاط رقابة في مناطق التماس، على غرار ما قامت به الجماعة.

احتكار القمح

لم تقتصر سياسات الجماعة الحوثية على السلع المستوردة، بل امتدت إلى المواد الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح والطحين. إذ منعت استيراد الطحين بحجة قدرتها على توفيره محلياً عبر المطاحن الموجودة في الحديدة، بعد أن قامت باستئجار «مطاحن البحر الأحمر» من مالكيها. غير أن مصادر تجارية تؤكد، أن الطاقة الإنتاجية لهذه المطاحن لا تغطي حتى نصف احتياجات السكان، وهو ما ينطبق أيضاً على إنتاج القمح المحلي.

وتوضح البيانات، أن المساحات المزروعة بالقمح في محافظة الجوف لا تنتج سوى أقل من 5 في المائة من احتياجات السوق، ومع ذلك يُباع القمح المحلي بأسعار تفوق المستورَد بشكل كبير، حيث يبلغ سعر كيس القمح (50 كيلوغراماً) نحو 20 ألف ريال يمني، مقارنة بنحو 12 ألف ريال للقمح المستورَد؛ ما يجعله غير قادر على المنافسة في السوق الحرة. (الدولار نحو 535 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة الحوثيين).

تحوّل مَزارع القمح في الجوف مصدرَ ثراء لقيادات حوثية (إعلام محلي)

وتتهم المصادر مسؤولي وزارة الصناعة والتجارة، ومصلحة الجمارك التابعة للجماعة الحوثية، بتعمد خلق اختناقات تموينية؛ بهدف تصريف مخزون القمح المحلي المكدس نتيجة ضعف الإقبال عليه.

كما كشفت عن دور ما يُعرف بـ«الحارس القضائي» في مصادرة مساحات واسعة من أراضي زراعة القمح في الجوف؛ بحجة ملكيتها لشخصيات مؤيدة للحكومة، قبل منحها لقيادات حوثية تستثمرها مقابل توريد نسب محددة من العائدات إلى حسابات خاصة بالجماعة.

ولم يتوقف العبث عند هذا الحد؛ إذ جرى - حسب المصادر - تأجير معظم مزارع القمح من الباطن لتجار نافذين، يحصلون على أموال طائلة من المال العام والمساعدات، تحت غطاء دعم الإنتاج الزراعي. وأسهمت هذه الممارسات، إلى جانب غياب الإرشاد الزراعي، في فشل مشاريع القمح المحلية، وفاقمت الأزمات التموينية وارتفاع الأسعار بين الحين والآخر.

وتكشف معلومات، من القطاع التجاري عن صراع متصاعد بين مستوردي القمح والمستثمرين المرتبطين بالجماعة؛ نتيجة إجبار المستوردين على شراء القمح المحلي مرتفع السعر، محمّلين هذه السياسات، مسؤولية تكرار الأزمات التموينية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين وخارجها.


لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد يربط بين الجبهات الإقليمية المفتوحة، أدخل الحوثيون ملف «أرض الصومال» على خط المواجهة مع إسرائيل، محذرين من أن أي وجود إسرائيلي في الإقليم الانفصالي سيكون «هدفاً عسكرياً».

التحذير جاء بعد إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة في أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وأعادت خلط أوراق الصراع الممتد من غزة إلى البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في بيان نقله إعلام الجماعة، إن الاعتراف الإسرائيلي يمثل «عدواناً على الصومال واليمن وأمن المنطقة»، معتبراً أن تل أبيب «تسعى إلى إيجاد موطئ قدم عسكري واستخباراتي» عند أحد أهم الممرات البحرية في العالم. وذهب أبعد من ذلك، حين لوَّح باعتبار «أي وجود إسرائيلي في الإقليم هدفاً مشروعاً» لقوات جماعته.

وتتمتع «أرض الصومال» التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن جمهورية الصومال عام 1991، بموقع استراتيجي بالغ الحساسية عند مدخل خليج عدن، وبالقرب من مضيق باب المندب، أحد أكثر طرق التجارة الدولية ازدحاماً. وعلى الرغم من استقرارها النسبي مقارنة ببقية الصومال، فإنها ظلت لعقود بلا اعتراف دولي رسمي، ما أبقاها في عزلة سياسية واقتصادية.

ترجيحات بأن يستثمر الحوثيون الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» لحشد مزيد من المقاتلين (أ.ب)

ويرى محللون أن أي اعتراف إسرائيلي بالإقليم يمنح تل أبيب نافذة مباشرة على البحر الأحمر، ويعزز قدرتها على مراقبة خطوط الملاحة، وربما تنفيذ عمليات عسكرية أو استخباراتية ضد خصومها، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن.

ويأتي ذلك في سياق مواجهة مفتوحة منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حين شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة على أهداف إسرائيلية، وعلى سفن مرتبطة بها، قبل أن تتراجع وتيرة الهجمات مع الهدنة الهشة في غزة.

سبب هلع الحوثيين

مصادر سياسية ترى أن مخاوف الحوثيين لا تتعلق فقط بالبعد «الرمزي» للقضية الفلسطينية؛ بل بحسابات أمنية مباشرة. فوجود إسرائيلي محتمل في أرض الصومال يعني -من وجهة نظرهم- تطويقاً استراتيجياً لهم من الجنوب الغربي، بعد أن باتت إسرائيل حاضرة عسكرياً واستخباراتياً في مساحات متعددة من البحر الأحمر.

كما يخشى الحوثيون أن يتحول الإقليم إلى منصة دعم لعمليات إسرائيلية تستهدف مواقعهم في اليمن، بخاصة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة التي نُفذت خلال الأشهر الماضية، وأدت إلى قتل كثير من قادتهم العسكريين والسياسيين.

الحوثيون أقروا بمقتل قائد طيرانهم المسيَّر بعد تكتم دام 9 أشهر (إ.ب.أ)

ويعزز هذه المخاوف الحديث في تقارير إعلامية عن إمكانية استخدام «أرض الصومال» ضمن ترتيبات إقليمية أوسع، شملت سابقاً تسريبات عن تهجير محتمل لفلسطينيين من غزة، وهو ما تعتبره الجماعة جزءاً من «مشروع تفتيت» تقوده إسرائيل في المنطقة.

في المقابل، صعَّد مجلس الحكم الانقلابي الحوثي (المجلس السياسي الأعلى) من لهجته، محذراً من أن أي نشاط إسرائيلي في الأراضي الصومالية «لن يُنظر إليه كأمر واقع»، ومؤكداً أن أمن الصومال «جزء لا يتجزأ» من أمن الجماعة، ودعا الدول المطلة على البحر الأحمر إلى اتخاذ خطوات عملية لمنع ما وصفه بـ«الاختراق الإسرائيلي».


اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
TT

اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)

يواجه الاقتصاد اليمني مرحلة بالغة الهشاشة، في ظل استمرار الصراع، والانقسام المؤسسي، وتراجع مصادر الدخل العامة، حيث تشير التقارير الدولية إلى استمرار الانكماش والنمو الضعيف، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور العملة المحلية، ما يفاقم الضغوط المعيشية على السكان، إلا أنها تتجاهل، وفق خبراء، اقتصاد الظل والقدرة على التكيف.

وتؤكد المؤسسات الدولية، مثل «البنك الدولي»، و«صندوق النقد الدولي»، أنّ تعطل صادرات النفط، وتعدد السلطات النقدية، وضعف الإيرادات الحكومية، أسهمت في إطالة أمد الأزمة الاقتصادية، وتقويض قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، في ظل اعتماد متزايد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية.

وتُحذر التقارير من أن أي تحسن اقتصادي مستدام، بعد التحسن الذي شهدته العملة المحلية، سيظل مرهوناً بالاستقرار السياسي والأمني، ونجاح الإصلاحات المالية والاقتصادية الشاملة.

إلا أن تقارير ودراسات الجهات والمنظمات الدولية والأممية تعاني قصوراً في فهم واقع الاقتصاد والحياة الاقتصادية باليمن، وفق يوسف شمسان، الباحث اليمني في «الاقتصاد السياسي للحرب»؛ كونها «تبحث في القيمة المضافة للاقتصاد الكلي الرسمي، وتتجاهل القيمة المضافة للاقتصاد غير الرسمي، خصوصاً في زمن الحروب».

يمني يعدّ ما بحوزته من أوراق نقدية قبل التوجه إلى السوق (أ.ف.ب-أرشيفية)

ويوضح شمسان، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاقتصاد غير الرسمي في أوقات الحرب يتنوع بين الجبايات والتهريب وريع العقود الحكومية والمساعدات الإنسانية، والتي يمكن الحصول على الناتج الفعلي بإضافتها إلى الاقتصاد الرسمي.

ويستغرب «عدم إدخال الحياة الاقتصادية العامة في حسابات مُعِدّي التقارير حول الاقتصاد اليمني لدى تلك الجهات، وهذه الحياة تتمثل بإعادة الإنتاج والتكيف مع الأوضاع التي فرضتها الحرب، والحصول على وسائل إنتاج جديدة».

ويلفت إلى أن نسبة «اقتصاد الظل» في اليمن وصلت إلى أكثر من 35 في المائة حالياً، وتتمثل الأنشطة الجديدة لهذا الاقتصاد في اللوجستيات الحربية والنقل والإمداد العسكري والقطاعات العسكرية غير الرسمية، والعمل لدى المنظمات الإغاثية، وغير ذلك مما لا يظهر في الناتج القومي للاقتصاد الرسمي.

شروط التعافي

ويكشف «صندوق النقد الدولي»، الذي استأنف زياراته للبلاد بعد أكثر من 11 عاماً من الانقطاع وأصدر بياناً ختامياً لمشاوراته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن انخفاض حاد في الإيرادات الحكومية من 22.5 في المائة من الناتج في 2014، إلى أقل من 12 في المائة العام الماضي.

رغم إشارات التطمين بعد تعافي العملة اليمنية لم تتحسن القدرة الشرائية للسكان بشكل كافٍ (رويترز)

ووفقاً للصندوق، ارتفع الدَّين العام إلى أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي، مع استمرار الانكماش الاقتصادي والتضخم، ومع توقعات بنمو متواضع يبدأ العام المقبل، ثم يتسارع تدريجياً حتى 2030 إذا استمرت الإصلاحات التي اتبعتها الحكومة خلال هذا العام.

ويؤكد «البنك الدولي» أن الاستقرار السياسي والأمني هو مفتاح تعافي اليمن اقتصادياً، ومِن دونه ستظل الضغوط الاقتصادية الوطنية، مثل التضخم، وفقدان الوظائف، وانكماش الناتج، تتفاقم أكثر. ويشير إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.

وكان «مجلس القيادة الرئاسي» قد أصدر، نهاية أكتوبر الماضي، قرارات بشأن الإصلاحات الاقتصادية، مِن بينها توحيد تحصيل الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي؛ بغرض تمكين الدولة من السيطرة على مواردها السيادية، وضبط الاختلالات الناتجة عن تعدد مراكز التحصيل.

البنك الدولي يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي باليمن وارتفاع أسعار الغذاء (أ.ف.ب)

وفي الأشهر السابقة، اتخذ «البنك المركزي اليمني»، في العاصمة المؤقتة عدن، إجراءات وقرارات مكّنته من السيطرة على سوق العملات النقدية، وأدت إلى ارتفاع سعر العملة المحلية وتعافيها بما يقارب 45 في المائة.

استمرار المخاوف

استعاد الريال اليمني بعض قيمته، هذا العام، بعد مسيرة تدهور شهدتها الأعوام الماضية، وتسارع بشدة خلال منتصف العام الحالي، ليصل إلى قرابة 3 آلاف ريال مقابل الدولار، قبل أن يتمكن «البنك المركزي» بإجراءاته الرقابية والمالية، من العودة به إلى 1630 ريالاً لكل دولار.

ويشدد محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في «جامعة تعز»، على ضرورة حصول «البنك المركزي اليمني» على كامل الاستقلالية في إدارة القطاع المصرفي ومواجهة الانقسام وفي سعر صرف العملة المحلية، بمواصلة السياسات النقدية والسياسات المعززة لها.

«البنك المركزي اليمني» تمكّن من تحسين وضع العملة المحلية بعد إجراءات مشددة (رويترز)

ويتمثل ذلك، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، في تفعيل التشريعات الخاصة بالإنفاق العام بما يتناسب مع ظروف مواجهة الحرب وآثارها الجانبية، وترشيد نفقات مسؤولي السلطات المحلية، وإلغاء المخصصات المالية الممنوحة مركزياً، وتحويل نفقاتها إلى مصادر الإيرادات المحلية والمشتركة.

وإلى جانب ذلك، يرى أهمية كبرى لتفعيل الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، لتؤدي دورها في مواجهة الغلاء وتشجيع الاستيراد المباشر عوضاً عن الاستيراد عبر دول وسيطة، ومنع استيراد السلع المستهلكة ومنتهية الصلاحية، والتي تتسبب بأضرار كبيرة على الاقتصاد المحلي والمستهلكين.

وينوه «البنك الدولي» بتلقّي اليمن دعماً خارجياً من السعودية وصل إلى بضعة مليارات خلال العامين الماضيين، ما أسهم في منع الانهيار، إلا أنه لم يعالج جذور الأزمة الاقتصادية التي تعود أسبابها إلى «الصراع واستمرار انقسام البلاد تحت نظامين نقديين».

تحذيرات من زيادة الفقر والبطالة وارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية باليمن (البنك الدولي)

وتُواجه الحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً كثيراً من الصعوبات، وتفتقر إلى الموارد، وتعجز عن الحصول على إيرادات تصديرية، خصوصاً في قطاع النفط والغاز بسبب العمليات العدائية للجماعة الحوثية.

ويتوقّع «البنك الدولي»، في آخر إصدارته حول اليمن، انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 في المائة، مع ارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية، وتراجع الثقة في الاقتصاد الوطني بفعل انخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.