أهم انتصارات الفيلم العربي في الأشهر الأخيرة على الأقل هي لمخرجين جدد.
«السلام عليك يا مريم» للفلسطيني باسل خليل، و«ذيب» للأردني ناجي أبونوار هما فيلمان عربيان دخلا سباق الأوسكار (القصير وأفضل فيلم أجنبي).
«بركة يقابل بركة» هو فيلم سعودي بالكامل للمخرج أول مرة محمود الصبّاغ وعرض في تظاهرة «فورام» الرسمية في إطار مهرجان برلين السينمائي المنتهي مؤخرًا، في حين أن الفيلم المصري الذي اختير للعرض في تظاهرة «بانوراما» داخل المهرجان ذاته هو «آخر أيام المدينة» للمصري تامر السعيد الذي يقف وراء أول فيلم طويل له أيضًا. كلا الفيلمين حظي بتغطية إعلامية واسعة.
في المهرجان ذاته أنجز الفيلم التونسي «نحبك هادي» فوزًا مزدوجًا عندما أعلن عن تسلمه جائزة أفضل عمل أول (نالها المخرج محمد بن عطية) وجائزة أفضل ممثل (ماجد مستورة).
وكان الفيلم التونسي الآخر «على حلّة عيني» فاز بعرض أول في مهرجان فينيسيا في العام الماضي ثم بجائزة أفضل فيلم عربي روائي طويل في مهرجان دبي المنصرم.
وفي بادرة أولى، خطفت شركة «نتفلكس» الفيلم الإماراتي «زنزانة» للبث لعموم العالم العربي عبر الإنترنت، وهو بدوره فيلم أول لمخرجه ماجد الأنصاري.
مساحات جغرافية
ظاهرة تدفق المخرجين العرب الجدد على العمل السينمائي ليست جديدة. في الأساس، لكل جيل مخرجه الجدد: يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وكل المجموعة التي أسست للسينما المصرية في الخمسينات والستينات كانت يومًا حديثة. كذلك الحال بالنسبة لكل المخرجين الجدد الذين عملوا في السبعينات والثمانينات جنبًا إلى جنب الجيل السابق، ومنهم خيري بشارة ومحمد خان وعاطف الطيب وبشير الديك وعلي عبد الخالق وغالب شعث وسعيد مرزوق من بين آخرين كثيرين.
وهذا الوضع - الأساس بدوره ساد في باقي السينمات العربية، من لبنان (ميلاد جورج شمشوم وبرهان علوية ومارون بغدادي ورفيق حجار وسواهم) وتونس (رضا الباهي والناصر خمير من بين كثرة) والجزائر (عبد الكريم بهلول ومرزاق علواش بين آخرين) وفلسطين (ميشيل خليفي ورشيد مشهراوي وإيليا سليمان وعدد كبير آخر) إلى العراق (محمد الدراجي، رعد مشتت) والأردن (يحيى العبد الله، ميس دروزة) إلى آخر الدول المنتجة للأفلام على نحو متواصل وعددها 14 دولة عربية.
ما هو جديد دخول السينما مساحات جغرافية لم تكن متاحة من قبل. صحيح أن الكويت والإمارات والبحرين وقطر عرفت إنتاجات سينمائية في السبعينات وجوارها، إلا أنها لم تكن بهذه الوفرة كما هو الحال اليوم. كانت عبارة عن مبادرات فردية آملة وواعدة لكنها غير متواصلة أو مستمرة.
فجأة، تغيّر الوضع فظهر الفوج الحالي من السينمائيين الخليجيين: في السعودية (التي كان عبد الله المحيسن أول من قام بتحقيق أفلامه من بين مواطنيه) برز عبد الله آل عياف وهيفاء المنصور ومحمود الصبّاغ، وهناك آخرون يملأون ميدان الأفلام القصيرة من بينهم توفيق الزايدي ومحمد سلمان ومحمد سندي.
على أن الإمارات هي الميدان الأنشط والأثرى في هذه الموجة، بل بات من الممكن ملاحظة ملامح شخصية لعدد من المخرجين. خذ على سبيل المثال المخرجة نجوم الغانم فهي لم تتخصص، حتى الآن، في السينما التسجيلية، بل صرفت معظم أعمالها لتواكب المرأة في مهنها وأشكال حياتها المختلفة. شملت أعمالها الفنانات والطبيبات الشعبيات كما صاحبات المهن التي كانت تعتبر من خصائص الرجال فقط، كرعاية الجمال وإعدادها لسباق الخيل (كما في «سماء قريبة»).
كذلك يبرز فيها التيار العامد إلى أفلام تجارية الميول ولو أن بعضها حافظ على فنية التناول مثل «الدائرة» و«ظل البحر» لنوّاف الجناحي وبعضها الآخر هدف مباشرة إلى تسويق الفيلم تجاريًا عبر اختيار الموضوع والشكل المناسبين كما الحال مع «دار الحي» و«من ألف إلى باء» لمخرجهما علي مصطفى، وكما الحال اليوم مع «زنزانة» لماجد الأنصاري.
اتجاهات
الثابت في هذا المنوال أن المخرج الخليجي الجديد، كما العربي وعلى امتداد العالم، يواجه سؤال المليون دولار قبل أن يبدأ: هل يريد فيلمًا فنيًا يدخل عبره إلى مهرجانات ومناسبات على أمل الفوز بإحداها وإعلاء شأنه كمخرج - مؤلّف، أو هو يريد تحقيق فيلم تجاري فيه بعض الفن والذات من دون أن يشكل وجودهما عائقًا أمام الجمهور المتلقي الذي يريد التوجه إليه؟
الحل الوسط صعب للغاية. أن يستطيع مخرج جيّد تحقيق عمل يحفظ قيمه الفنية ويمارس عبره لغة المبدع وفي الوقت ذاته يسرد حكاية تسبح صوب ضفاف الجمهور الواسع، أمر صعب جدًّا لأن الناحيتين في الواقع مختلفتان. ليس من المستحيل طبعًا تحقيقهما معًا، لكن الصعوبة تكمن في اختيار ما يبقى وما يتم الاستغناء عنه في كلتا الحالتين. هذا الفعل قد يثمر عن تجانس ما، لكن السائد أن يثمر عن تركيبة لا تحقق الذات الفردية ولا النجاح الشعبي.
لا يعني ذلك استحالة تحقيق فيلم فني يوزّع ويربح تجاريًا (نموذج «وجدة» لهيفاء المنصور) أو تحقيق فيلم تجاري وعناصر فنية مرتفعة (كما أفلام مارون بغدادي حينها أو «ذيب» لناجي أبو نوار من بين سواه حاليًا)، لكن يعني صعوبة هذا الدمج على نحو متواز ومتوازن.
على ذلك، يبقى واضحًا أن غالبية ما تم إنتاجه في العالم العربي من أفلام خلال العامين الماضيين كان من نتاج مخرجين يقفون وراء مشروع الفيلم الروائي الطويل لأول مرّة. هذا يتضمن أيضًا مخرجين مصريين في عقر دار السينما الجماهيرية، ولو لأسباب تعود إلى رغبة المنتج في أن يتولّى طبع العمل بطابعه وخبرته لتأمين رواجه فيستعين بمخرجين جدد كونه من السهل السيطرة عليهم وأرخص من سواهم أيضًا.
ولو أخذنا السينمات الأخرى لنظرة بانورامية سريعة حول العنصر الشبابي وتوفره لوجدناها زاخرة. في لبنان مثلاً ومن بين 21 فيلما اختير للمعاينة من إنتاج العامين الماضيين نجد 16 فيلما من إخراج سينمائيين أول مرّة.
مع مزيد من المواهب التي تنتظر فرص العمل وتبحث عن التمويل من أي مصدر كان، ومع تطويع وسائل التصوير بكاميرات صغيرة قليلة التكلفة ووسائل التوزيع والعروض (مهرجانات وصالات وإنترنت) باتت الأمور، مبدئيًا، أسهل من ذي قبل. يبقى أن ينجح كل مخرج في الخط الذي سيلتزم به.
سينمائيو أول مرة يقودون السينما العربية اليوم
سينمائيو أول مرة يقودون السينما العربية اليوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة