شاشة الناقد‫

«سقوط لندن» وسقوط فيلم
«سقوط لندن» وسقوط فيلم
TT

شاشة الناقد‫

«سقوط لندن» وسقوط فيلم
«سقوط لندن» وسقوط فيلم

London Has Fallen *
* إخراج: ‪باباك نجفي‬
* أكشن | الولايات المتحدة (2016)

من الغريب أننا لم نشاهد أو نسمع أن لندن تعرضت لعملية إرهابية أودت بها إلى السقوط وخلفت مئات، وربما ألوف الضحايا. متى حدث ذلك؟ في أي غفلة من الزمن؟
بينما من الطبيعي للأفلام التي هي على شاكلة هذا الفيلم أن تطرح افتراضاتها الخيالية على محمل الجد، فإن القلة بينها هي تلك التي تستطيع أن تنجح في معالجة هذه الافتراضات على نحو صحيح. ما هو النحو الصحيح؟ لا أن تصدّق أن البيت الأبيض انهار (كما في الجزء الأول من هذا المسلسل وعنوانه «سقوط أولومبوس») بل إن تقبل شراء الافتراضية والانسجام مع ما تطرحه من تبعات.
الفارق بين فيلم أنطوان فوكوا «سقوط أولومبوس» وبين فيلم باباك نجفي «سقوط لندن»، أن الأول، الذي تم إنتاجه وتوزيعه قبل ثلاث سنوات، برهن عن جدّية تناوله لافتراضية بعيدة جدًا عن الاحتمال (هجوم كوري شمالي بمعاونة سياسيين أميركيين على البيت الأبيض واحتلال ما تبقى من أجزائه المُدمّرة) في حين أن الفيلم الجديد لا يعرف كيف يبيع افتراضية أن لندن تعرضت لهجوم إرهابي شاسع بينما كان الرئيس الأميركي في زيارة تعزية ما حمل حارسه الشخصي للدفاع عنه من بعد ربع ساعة من بدء الفيلم وحتى النهاية وفي ظروف تصلح لأن تتحول إلى ألعاب فيديو.
باباك نجفي مخرج إيراني الأصل يعيش في السويد ودرس الاتجاهات الجديدة في سينما الأكشن وحاول، عبر ثلاثة أفلام حتى الآن، مجاراتها. «سقوط لندن» ينطلق من موت مفاجئ لرئيس الوزراء البريطاني ما يستدعي جنازة يحضرها زعماء العالم الغربي (لم ألاحظ اشتراك زعماء عرب). الخطّة الإرهابية التي ينفذها واحد باسم عامر برقاوي (يقوم به الإسرائيلي ألون موني أبوتبول) وجماعته الإرهابية (لفيف من إرهابيين عرب ومسلمين) هي استغلال التأبين للهجوم على قادة الغرب وخصوصًا على الرئيس الأميركي بنجامين آشر (آرون إيكهارت). لولا حماية رئيس حرسه الشخصي مايك بانينغ (جيرارد بَتلر) لكان تم للإرهابيين ذلك ولنجا مئات الأبرياء اللندنيين من القتل والتدمير كون معركة حماية الرئيس التي يتولاها مايك منفردًا ضد ما يبدو نحو مائة إرهابي أو أكثر طوال الوقت، تكبّـد خسائر بشرية هائلة، ناهيك عن تدمير جسر تشيلسي ومبنى البرلمان البريطاني وخطوط المواصلات تحت الأرضية.
لا شيء مما يقع في ساعة ونصف أو نحوها ممارس بذكاء وعلى نحو خال من الرغبة في الأذى. إخراج نجفي ليس أعلى مستوى من الكتابة (قام بها كريتون روثنبرغر وكاترين بنديك واثنان آخران). كلاهما، الإخراج والكتابة، يتصرّف كما لو أن هناك حسابًا شخصيًا مع العالم عليهما إنجازه. طبعًا، يمكن جدًّا قبول أن جماعة إرهابية مسلمة أو عربية (أو منهما معًا) تقف وراء عملية إرهابية، لكن الشخصيات النمطية المستخدمة على جانبي القانون (الرئيس الأميركي وحارسه من ناحية وباقي العالم من ناحية، أخرى كون هناك فاسدون ومرتشون من المسؤولين البريطانيين أيضًا) تمنع من التجاوب مع أي طرف.
وكما الحال مع كل الأفلام التي من هذا النوع، لا يحمي الأشرار أنفسهم، بل يندفعون إلى الأمام عن تهور وليس عن شجاعة لكي تصيبهم رصاصات البطل الذي لا يخطئ. أما تنفيذ كل ذلك فمهارة بائع قطع غيار مستخدمة.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.