ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض الرياض الدولي للكتاب، أقيمت مساء أول من أمس ندوة «تحصين الوحدة الوطنية» التي شارك فيها ثلاثة من الباحثين السعوديين، وتناولت ثلاثة محاور رئيسية في ترسيخ الوحدة الوطنية.
شارك في هذه الندوة الدكتور عبد الرحمن عسيري، أستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الوحدة الوطنية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، متحدثًا عن دور التعليم ترسيخ الوحدة الوطنية، وسعيد آل مرضمة، رئيس نادي نجران الأدبي، متحدثًا عن دور الإعلام في تحصين الوحدة الوطنية، أما الكاتب والباحث محمد المحفوظ فتحدث عن الطائفية على الجانب الوطني.
وأدار الندوة الدكتور خالد بن عبد العزيز الشريدة أستاذ علم الاجتماع بجامعة القصيم، وشهدت حضورًا لافتًا من جمهور يتقاسم مع المتحدثين القلق بشأن تحديات الوحدة الوطنية، وعناصر تعزيزها.
في البدء، وعن دور التعليم في ترسيخ الوحدة الوطنية، تحدث الدكتور عبد الرحمن عسيري الذي شدد على أن التعليم يُعّدُ «البوتقة الرئيسية التي يتم من خلالها غرس قيم الوطنية، وتمثلها سلوكا وإحساسا في كل جوانب الحياة اليومية»، واعتبر أن «تحقيق هذا المطلب يؤدي بالتالي إلى شعور الفرد بأهمية الكيان الذي ينتمي إليه».
وشدد على أهمية التفريق بين أن يكون الشخص وطنيا أو مواطنا، وقال: «الفرق بين الاثنين أن الفرد بمجرد انتمائه إلى دولة يُعّدُ مواطنًا فيها، أما مفهوم الوطنية فهو السعي إلى تغليب مصلحة الوطن بكل شرائحه وطوائفه ومكوناته على مصالحه الشخصية أو مصلحة الطائفة أو القبيلة التي ينتمي إليها».
وتحدث الدكتور عسيري عن التعدد الثقافي، وأكد على أن «التنوع الثقافي هو إثراء للوطن، وتمازج وتعايش هذه المكونات الثقافية هو صمام الأمان للوحدة الوطنية»، مضيفًا أن «التنوع الثقافي والاجتماعي والقبلي والمذهبي لمكونات الوطن هو أساس تقدمه ورفعته، وأن هذا التنوع يجب أن لا يكون موضعا للتنافر، بل يجب أن يكون وسيلة للتكامل»، داعيًا إلى تعميق هذا المفهوم من خلال التعليم، وقال: «يأتي دور المدرسة في دعم هذا التوجه وتنميته وغرسه وتضمين المناهج القيم الهادفة إلى التسامح والتعايش وقبول الآخر واحترامه».
ودعا عسيري إلى «جعل قضايا الوحدة الوطنية، وقيم المواطنة سلوكا يمارس في كل المؤسسات التعليمية من قبل كل العاملين في التعليم وليس خاصًا بالطلاب». كما شدد على مكافحة «العصبية والعنصرية القبلية بكل أشكالها وأنماطها وأنواعها والعمل على وأد كل القنوات المغذية لها».
وقال: «أظهرت الدراسات التطبيقية التي أجراها كرسي الأمير نايف لدراسات الوحدة الوطنية عن مظاهر ومشكلات العصبية القبلية في مدارس المملكة في كل المناطق أن هناك مشكلة ليست في الانتماء القبلي وإنما في التعصب القبلي والعنصرية القبلية»، موضحًا مجموعة من الأفكار التي تحد من ترسيخ هذه العنصرية، داعيًا لاعتمادها عبر وسائل التعليم، كما استعرض لعدد من التجارب الناجحة في دول العالم التي ساهمت في دمج المواطنين وتعميق الشعور بانتمائهم والحد من إبراز الفروقات أو إثارة النعرات بينهم.
أما عن دور الإعلام في تحصين الوحدة الوطنية، فقد تحدث سعيد آل مرضمة، رئيس نادي نجران الأدبي، وقال إنه يقع على عاتق وسائل الإعلام دور كبير في العمل على تعزيز الوحدة الوطنية، وقال: «وسائل الإعلام في كل الأوقات تحتل مكانة متميزة، بناءً على طبيعة وظائفها وتأثيرها، حيث يقوم الإعلام بدور مهم في تنمية الوعي السياسي لدى المواطنين».
ودعا وسائل الإعلام المحلية للعمل على زيادة مساهمتها في ترسيخ الوحدة الوطنية، ومنع كل ما من شأنه إضعاف النسيج الوطني وجعل قضية «الوحدة الوطنية خطًا أحمر يمنع تجاوزه أو الاقتراب منه».
وعدد آل مرضمة اثنين من التحديات التي تواجه الوحدة الوطنية، وهما: الطائفية، والقبلية. فعن الطائفية قال: «تعد الطائفية والمذهبية من التهديدات التي تواجه المجتمعات الخليجية، وهي إسفين يمكن أن يهددها».
أما القبلية فقد لاحظ أنها عصب تشكيل المجتمعات الخليجية والهيكل الرئيسي لبنائها، لكنه حذر من مظاهر التعصب التي تجعل الانتماء القبلي بديلاً عن الانتماء الوطني، أو يعمل على تقسيم المجتمعات المحلية. وقال: «هنا يأتي دور الإعلام ليشكل حائط صد في وجه دعاة الانقسام والتعصب، بتحصين الوطن، وتعزيز المبادرات التي تحمي وحدته».
واقترح رئيس نادي نجران الأدبي على وسائل الإعلام العمل على تبني مشروع إعلامي توعوي يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية، مع التشديد على دور الشباب في رسم علاقات عابرة للانقسامات الفئوية، إذ إن فئة الشباب تمثل ما نسبته 65 إلى 70 في المائة من سكان المملكة.
وقال آل مرضمة إن «وسائل الإعلام مطالبة بتبني مشاريع وبرامج تعمل على تعزيز روح المواطنة، وفي ذات الوقت تركز على محاربة الطائفية وتعمد أيضًا على تحصين الشباب ضد الفكر التكفيري».
كما دعا لإشراك الإعلام الإلكتروني الذي يشهد نموًا متزايدًا في أداء دور بناء، يساهم في تعزيز التسامح وروح المواطنة، وقال إن ذلك يبدأ بتعريف الإعلام الإلكتروني وتسجيله رسميًا حتى يتحمل المسؤولية عما ينشره.
وقال إن وزارة الثقافة والإعلام ومن خلال القنوات التي تديرها هي الأخرى مدعوة لقيادة المبادرات التي من شأنها تعزيز روح المواطنة، والتعريف بالهويات المتعددة، ونشر قيم التسامح بين الجمهور.
الباحث والكاتب محمد محفوظ تحدث في كلمته عن «الوحدة الوطنية والمعضلة الطائفية»، فقال: «ثمة علاقة عميقة وجوهرية تربط مفهوم الوحدة ومفهوم التنوع، فالوحدة ليست نفيا للتنوع، وإنما هي البناء الذي يبنى على حقائق التعدد والتنوع».
وأكد أن «الوحدة الوطنية في ظل المجتمعات المتنوعة تبدأ بالاعتراف بالآخر وجودا وفكرا وحقوقا، وأن الصراعات والنزاعات الدائمة لا تنشأ بسبب وجود الاختلاف والتنوع وإنما تنشأ من العجز عن إقامة نسق مشترك يجمع الناس المختلفين ضمن دوائر ارتضوها، وإننا لن نستطيع كبح جماع العنف والتعصب إلا بمزيد من الألفة والوحدة الوطنية».
ولاحظ أن «المعضلة الطائفية تبدأ بالبروز حينما يفشل المجتمع في إدارة حقائق التنوع المتوفرة فيه على نحو إيجابي وحضاري». وقال إن «الممارسات الطائفية بكل مستوياتها ليست من الدين أو التدين السوي، وإنما هي من إخضاع الدين لمصالح السياسة بعيدا عن قيم الإسلام الكبرى»، و«دائما في المجتمعات المتنوعة هناك حقيقة ومعادلة ثابتة على هذا الصعيد (هويات فائضة يساوي مواطنة منقوصة) على حد تعبير الدكتور وجيه كوثراني».
يعيد المحفوظ جذور المعضلة الطائفية «إلى مخاصمة حالة التنوع والتعدد الموجودة في الفضاء الاجتماعي، هذه المخاصمة هي التي تقود إلى تبني خيارات غير إيجابية في التعامل مع حقائق التنوع الموجودة في المجتمع».
وقال: «الطائفية كمشكلة ليست وليدة التنوع، وإنما هي وليدة التعامل الخاطئ مع هذه الحقائق والأطلس الإنتربولوجي يؤكد أن أغلب المجتمعات الإنسانية اليوم، تعيش حقائق التعدد والتنوع، وأن المشكلات التي تفجرت في بعض هذه المجتمعات هي في جوهرها نتاج بعض أبناء هذه المجتمعات التي تتعامل مع التنوع بوصفه عيبا ينبغي إخفاؤه بالوسائل الناعمة والخشنة». وقال إن الطائفية تمارَس في المجتمع على نحوين: الطائفية الغالبة وهي تمارَس التهميش، والطائفية المعكوسة التي تفضي إلى الانكفاء والتمترس حول الذات.
وفي جوابه عن كيفية معالجة المعضلة الطائفية، دعا المحفوظ لإقرار التعددية الفقهية والمذهبية التي هي نتاج طبيعي لمبدأ الاجتهاد. كما حذر من وجود «أطراف كثيرة لها مصلحة راهنة ومستقبلية في إثارة الفتن الطائفية كمدخل لتفتيت المجتمعات العربية من الداخل، وكل أبناء وطن في العالم العربي يتحملون مسؤولية العمل على تأمين الاستعدادات والتجهيزات القيمية والمادية لإخماد كل بؤر التوتر الطائفي وإبعاد الحرائق الطائفية في مجتمعنا ووطننا». كما دعا «لبناء علاقة بين المكونات الدينية والمذهبية والقبلية على قاعدة المواطنة المتساوية وبعيدا عن إحن التاريخ ومعاركه».
وقال المحفوظ: «الوطن من أقصاه إلى أقصاه أمانة في أعناقنا جميعا، ولكي نصون الوطن ونحميه من الأفكار والآيديولوجيا التي تؤسس الحروب وصراعات طائفية ثمة ضرورات لبث قيم الحوار والتسامح الديني والمذهبي واحترام حقوق الإنسان، وكل مواطن لا يلتزم بمقتضيات الألفة والوحدة الوطنية هو يرتكب جريمة بحق حاضر الوطن ومستقبله».
كما دعا للاهتمام «بإبراز الحل المدني للمشكلات الدينية والذهبية، وجوهر الخيار المدني هو عبارة عن رفض إنتاج الخلافات الدينية أو المذهبية وإخراج الوجود الاجتماعي من كل الحساسيات والصراعات التي تتغدى من خلافات التاريخ والعقيدة»، داعيًا المثقفين للعمل «بحكمة وتصميم لإزالة كل الاحتقانات والهواجس والالتباسات التي تحول دون تطور علاقة المواطنين بعضهم مع بعض، والقيام بمبادرات وخطوات عملية تزيد من التفاهم والتعارف والتلاقي وصولا إلى تصليب الوحدة الوطنية وتعزيزها».
التعليم والإعلام والطائفية أمام مسؤولية «تحصين الوحدة الوطنية»
ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض الرياض الدولي للكتاب
التعليم والإعلام والطائفية أمام مسؤولية «تحصين الوحدة الوطنية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة