القرار المفاجئ.. لماذا أعلن بوتين سحب أغلب قواته من سوريا؟

القرار المفاجئ.. لماذا أعلن بوتين سحب أغلب قواته من سوريا؟
TT

القرار المفاجئ.. لماذا أعلن بوتين سحب أغلب قواته من سوريا؟

القرار المفاجئ.. لماذا أعلن بوتين سحب أغلب قواته من سوريا؟

تزامن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاجئ أمس (الإثنين)، سحب أغلب قواته من الأراضي السورية، مع بدء جولة محادثات سلام جديدة في جنيف بغية التوصل إلى حل للأزمة السورية.
توقيت القرار وطبيعته المفاجئة أثار تساؤلات حول ما إذا كانت روسيا ما زالت تدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد بقوة وتصميم كما في السابق؟.
وتكشف الأرقام الاقتصادية الروسية في عام 2015، أن الاقتصاد الروسي قد تراجع بنسبة 3.7 %، وأفضل التقديرات لعام 2016، تتوقع الاستمرار السلبي في معدلات النمو، حتى لو كان بوتيرة أبطأ مما كانت عليه خلال 2015 ، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
كما شهد الاقتصاد الروسي تضخماً بنسبة 15.4% خلال عام 2015، وهو ما أدى إلى اقتطاع 5% من ميزانية وزارة الدفاع المتوقعة لعام 2016، لكن النسبة أكبر من ذلك بكثير، إذا أخذنا التضخم المتسارع بعين الاعتبار؛ وهي من جملة العوامل التي تضغط على استراتيجية بوتين للخروج من سوريا.
حدثان جريا خلال الأسبوع الحالي بعيداً عن الساحة السورية، لفتا الأنظار لسعي الرئيس الروسي الحثيث لتسوية الصراع السوري، وثبتت فعلاً تلك التوقعات عبر إعلان الرئيس الروسي المفاجئ سحب قواته البرية من سوريا، اعتباراً من صباح اليوم.
فمن جهة، أعلن القائد العام للناتو، الجنرال فيليب بريدلوف (يوساف) أمام جلسة استماع حول الميزانية في الكابيتول هول في واشنطن، أنه ينوي نشر لواء قتالي بشكل دائم في شرق أوروبا ودول البلطيق، على طول الحدود الروسية.
ووفقاً لنشرة "ميديل إيست بريفينغ" الصادرة عن مجموعة المشرق الاستشارية، فإن البنتاغون أطلق "ببطء"، عملية تحديث لأسلحة استراتيجية نووية حرارية، وأنظمة جوية وبرية وبحرية، وجعلها موجهة نحو روسيا، كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن استعدادها لإنفاق قرابة تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
من جهة أخرى، قالت وكالة أنباء "رويترز" ووكالات إخبارية غربية أخرى، بأن بوتين قرر تخفيض ميزانية الدفاع الروسي بنسبة 5% خلال العام الحالي؛ وذلك سيكون بمثابة أول مؤشر لافت، لأنه لم يحدث، منذ تسلم بوتين السلطة في عام 2000، بأن قلصت روسيا حجم إنفاقها العسكري؛ فقد تركت العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، بسبب تدخلها العسكري في إقليم القرم وشرق أوكرانيا، آثارها التراكمية البليغة، ويضاف إلى ذلك تدني أسعار النفط بأكثر من 70%، وتراجع الاستثمارات في الاقتصاد الروسي بدءاً من عام 2012.
استراتيجيون عسكريون أميركيون، اعتقدوا أن بوتين ارتكب بعض الأخطاء الكبرى، انطلاقاً من ضعف وليس من قوة، وذلك بعد أن وقع الرئيس الروسي في 31 ديسمبر( كانون الأول) استراتيجية أمنية قومية جديدة، أبرز سماتها التأكيد على استعداد روسيا لنشر أسلحة نووية قصيرة المدى، وضعيفة الأثر، في حال شن "الناتو" هجوماً بأسلحة تقليدية.
وتوصل خبراء عسكريون روس لنتائج بأن "الناتو" والولايات المتحدة متفوقان في الأسلحة التقليدية، وذلك بالرغم مما كشفت عنه دراسة حديثة صادرة عن مجموعة راند، وتبين أن قوات روسية قادرة على غزو واحتلال دول البلطيق في ظرف 72 ساعة.
وبوتين ليس في خطر فقدانه قبضته على السلطة، لكنه مضطر لمراقبة عامل الوقت، فهو لن يستطيع الحفاظ على تفوقه العسكري، وحماية جبهته الغربية، والإبقاء على وجوده الضخم في سوريا إلى ما لا نهاية، بل يحتاج لتحقيق نصر دبلوماسي سريع في سوريا، وللمحافظة على مصداقية وهالة عودة ظهور روسيا كقوة ضمن القوى العالمية الكبرى.
روسيا حققت تقدماً ملحوظاً في مجال التطوير العسكري خلال العقد ونصف العقد الماضي، منذ إعلان بوتين عن خطط رامية لإنفاق 700 مليار دولار في مجالات الدفاع والبحث والتطوير. وأنتجت جيلاً جديداً من الغواصات الشبح، وقامت بتطوير جيل جديد من المقاتلات النفاثة التي أثبتت قدراتها القتالية في سوريا، ونشرت صواريخ ذات ميزات فنية من نوع كروز، أطلقتها من سفنها في بحر قزوين على أهداف في سوريا.
وفي محاولة منها لتعويض التفوق الغربي التقليدي، قامت روسيا بنشر الأسلحة النووية ذات المردود المنخفض والدقة التكتيكية العالية، قابلته الولايات المتحدة بتحديث ترسانتها التي تفوق الـ500 سلاح نووي تكتيكي، تحديداً قنابل الـ (بي 61/12).
وقد تنبه خبراء التخطيط الحربي في حلف شمال الأطلسي، إلى التهديد المتمثل في استخدام روسيا للأسلحة النووية التقليدية، في حال حدوث مواجهة تقليدية، وهذا ما عزز الوجود الأميركي فيما سماه اللواء بريدلاف بـ(الجبهة الجديدة للحرب الباردة)، وهذا التصعيد لا يمكن لروسيا تحمله، وفيه يكمن جوهر الأزمة التي يواجهها بوتين، فلو انهارت مباحثات السلام في جنيف ودخلت سوريا مرحلة جديدة من الحرب، فإن روسيا لا يمكنها البقاء في سوريا إلى أجل غير مسمى، ولا هي قادرة على الانسحاب قبل الأوان، ولا يمكنها بأي حال مواجهة أي تدخل مباشر من قبل الحلف، وهو ما يمثل الخطة البديلة لواشنطن والناتو حيال سوريا.
فلو تبنّى القادة الغربيون بقيادة باراك أوباما (على أعتاب نهاية ولايته) خطة حيال مأزق بوتين، الأمر الذي سبقهم إليه مخططو الحروب في البنتاغون، فإن هذا من شأنه أن يغيّر في الموقف التفاوضي على طاولة جنيف وما بعدها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.