اجتماع باريس يدعم المعارضة.. ويدعو موسكو لإرغام الأسد على احترام المفاوضات

كيري قال إن الأسد «يغرد خارج السرب» ويخرب ما وافق عليه بوتين والإيرانيون

اجتماع باريس أمس الذي جمع وزراء خارجية فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي لدعم موقف المعارضة في المفاوضات والضغط على وفد النظام لعدم نسف مفاوضات جنيف (إ.ب.أ)
اجتماع باريس أمس الذي جمع وزراء خارجية فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي لدعم موقف المعارضة في المفاوضات والضغط على وفد النظام لعدم نسف مفاوضات جنيف (إ.ب.أ)
TT

اجتماع باريس يدعم المعارضة.. ويدعو موسكو لإرغام الأسد على احترام المفاوضات

اجتماع باريس أمس الذي جمع وزراء خارجية فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي لدعم موقف المعارضة في المفاوضات والضغط على وفد النظام لعدم نسف مفاوضات جنيف (إ.ب.أ)
اجتماع باريس أمس الذي جمع وزراء خارجية فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي لدعم موقف المعارضة في المفاوضات والضغط على وفد النظام لعدم نسف مفاوضات جنيف (إ.ب.أ)

مثلما كان متوقعا من اجتماع باريس السداسي، أمس، فقد أعرب وزراء الخارجية الخمسة «الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا» ونظيرتهم فدريكا موغيريني «وزيرة» خارجية الاتحاد الأوروبي عن «تضامنهم» مع المعارضة السورية المعتدلة التي سعوا إلى شد أزرها قبل انطلاق الجولة الجديدة من محادثات السلام غير المباشرة اليوم في جنيف، كما نددوا بالمواقف الأخيرة للنظام السوري ودعوا راعييه الروسي والإيراني إلى حمله على احترام التعهدات التي التزموا بها، إن في بيان فيينا أو في القرار الدولي رقم 2254.
اجتماع باريس تم بمبادرة من وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت. وبحسب مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، فإن الوزراء الأوروبيين «كانوا راغبين بالاستماع إلى الوزير كيري ليشرح لهم تصوره للمرحلة التي ستنطلق اليوم باعتباره أحد عرابي وقف الأعمال العدائية ولنقل ملاحظاتهم إزاء الأداء الروسي وتصرف النظام، والمطالبة بأن يتم ضم الأوروبيين إلى مجمل المسار وإشراكه في آلية متابعة وقف الأعمال العدائية كطرف له مصالحه وتأثيره».
بيد أن أهم ما خرج به الاجتماع هو تبني مقاربة المعارضة السورية التي تعود إلى جنيف، وهي بحاجة لمن يقف بجانبها بينما ممثلو النظام يعبرون عن مواقف راديكالية من شأنها نسف الجولة الجديدة من المحادثات وتدمير جهود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. وفي هذا الخصوص، نال وزير الخارجية السوري وليد المعلم حصته من الانتقادات العنيفة بعد تصريحاته أول من أمس عن «الخطوط الحمراء» ورفضه المطلق مقاربة موضوع الانتخابات الرئاسية ودور الأسد أو حتى الحديث عن «المرحلة الانتقالية» التي برزت أمس في المؤتمر الصحافي للستة في باريس على أنه «واسطة العقد» في المسار السياسي.
وفيما توقع أيرولت أن تكون محادثات جنيف «صعبة»، رأى أن عملية الانتقال السياسي وفق بيان جنيف «2013» والقرار الدولي رقم 2254، ستكون في قلب المحادثات»، مضيفا أن الستة الذين اجتمعوا أمس في باريس «حريصون على ذلك»، وهو ما كرره الوزير كيري حرفيا. لكن الأخير ذهب أبعد من ذلك عندما أطلق تحذيرا واضحا موجها «للنظام وحلفائه»، ومفاده أنه «يتعين على كل الأطراف أن تحترم وقف الأعمال العدائية وأن تبدي التعاون في إيصال المساعدات الإنسانية وأن تحترم مسار المفاوضات الهادفة إلى التوصل إلى عملية انتقال سياسية». وأضاف كيري أنه «إذا كان النظام وحلفاؤه يعتقدون أن بمقدورهم اختبار حدود (صبرنا)، فإنهم يخطئون». بيد أن كيري الذي كان الوحيد مع الوزير أيرولت اللذين تحدثا عن الموضوع السوري، امتنع عن تعريف تصوره لعملية الانتقال السياسية وما ينتظر منها تحديدا. لكن الوزيرين انتقدا بشدة تصريحات المعلم التي اعتبرها أيرولت «استفزازية» وتمثل «مؤشرا سيئا لا يتوافق مع روحية الهدنة» المعمول بها منذ 27 فبراير (شباط) الماضي. أما نظيره كيري، فقد رأى فيها محاولة «لإرباك المسار» التفاوضي.
الواقع أن رهان الغربيين ليس على التزام النظام السوري بما تم التوافق عليه في فيينا أو ميونيخ أو الأمم المتحدة، بل على الراعيين الأساسيين له، وهما روسيا وإيران. ولذا، فإن الوزير كيري أشار إلى تبني موسكو وطهران بياني فيينا وميونيخ والقرار الدولي رقم 2254، وكلها تشير إلى عملية الانتقال السياسي. والمعنى المضمر في كلام الوزير الأميركي أنه يتعين على هاتين العاصمتين حمل الأسد على احترام ما وقعا عليه. كذلك ناشد كيري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «ينظر كيف يتصرف الأسد» فيما خص وقف الأعمال القتالية واحترام الهدنة. وقال كيري: «الرئيس الأسد يغرد خارج السرب ويرسل وزير خارجيته أمس كي يتصرف كمخرب ويسحب من على طاولة (المفاوضات) ما وافق عليه الرئيس بوتين والإيرانيون».
وترى المصادر الأوروبية أن تصريحات المعلم «موجهة للطرف الروسي بقدر ما هي موجهة للمعارضة وللغربيين على السواء»، وأنه يمكن فهمها على أنها رسالة مفادها أن النظام «ما زالت له القدرة على المناورة والتعطيل» وأنه «لا يتعين على أحد أن ينظر إليه على أنه يطيع بصورة عمياء ما يقرره الآخرون عنه». وتضيف هذه المصادر أن وفد النظام يصل إلى جنيف وهو يشعر أن «أمامه هامش من المناورة لكننا سنرى سريعا جدا ما إذا كان يناور ليحصل على تنازلات من الطرف المقابل، أم أن مواقفه هذه نهائية وعندها علينا أن نراقب ما سيصدر عن موسكو بالدرجة الأولى».
ورغم المساندة السياسية التي صدرت عن الوزراء الستة أمس للمعارضة المعتدلة ولمطالبتها بعملية الانتقال السياسي، فإن أحدا من المؤتمرين لم يتبن علنا مطالبتها بتنحي الأسد عن السلطة مع بدء المرحلة الانتقالية. وجل ما جاء في هذا الخصوص، هو إشارة كيري السريعة إلى الحاجة إلى انتخابات رئاسية «في لحظة معينة» لا أحد يعرف متى ستحل.
واضح أن اجتماع باريس لم يخرج بمقررات ثورية من شأنها قلب الوضع في سوريا أو على طاولة المفاوضات رأسا على عقب. لكن المهم فيها، كما تقول مصادر رافقت أمس ما حصل في باريس، أنه «أعاد إبراز جبهة غربية واحدة داعمة للمعارضة السورية وضاغطة سياسيا على النظام وعلى الراعي الروسي، فضلا عن أنه شدد على ضرورة الاحترام الكامل للهدنة ولإيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق المحاصرة أو المعزولة بلا عوائق». وأشار الوزير أيرولت إلى أن الغربيين «سيضغطون مجددا كلما دعت الحاجة». لكن السؤال الذي لا بد أن يطرح هو التالي: هل يمكن أن يفضي هذا الضغط إلى شيء؟
يبدو أن الوزير المعلم عندما استبق اجتماع باريس ومحادثات جنيف أراد أن يضع النقاط على الحروف بشكل لا يقبل التأويل أو التفسير، عندما أعلن أن المعارضة «ستكون واهمة إذا ما اعتبرت أنها ستحصل في جنيف ما لم تستطع انتزاعه في ميدان المعارك». والترجمة المباشرة لكلام المعلم هي أن مجرى المفاوضات يعكس ما يحصل ميدانيا لا أكثر ولا أقل. ولذا، من الواضح أن الرد السياسي الذي أفرزه اجتماع الوزراء الستة الذين اجتمعوا في باريس أمس، لن يكون كافيا، بل يتعين التفكير في ردود أنجع يمكن أن يفهمها النظام. ولا يكفي من هذا المنظور أن يشير كيري إلى «الإنجازات» التي حققها التحالف الدولي ضد «داعش»، حيث أشار إلى خسارته 40 في المائة من الأراضي التي احتلها في العراق و20 في المائة في سوريا ومقتل 600 من مقاتليه.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».