تصريحات أوباما تزعج حلفاءه.. والبيت الأبيض يسعى للتخفيف من حدّتها

الإدارة الأميركية تثمن العلاقة مع بريطانيا بعد وصف الرئيس لكاميرون بـ«شارد الذهن»

الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض (واشنطن بوست)
الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض (واشنطن بوست)
TT

تصريحات أوباما تزعج حلفاءه.. والبيت الأبيض يسعى للتخفيف من حدّتها

الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض (واشنطن بوست)
الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض (واشنطن بوست)

أثارت تعليقات الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ستنتهي ولايته بعد 8 أشهر في حواره مع مجلّة «ذي أتلانتيك»، يوم الخميس الماضي ردود فعل غاضبة في العواصم الغربية، وخصوصا لندن، في ما اعتبره مراقبون عبر العالم تصريحات تجاوزت قواعد الدبلوماسية الحذرة التي نهجها أوباما منذ تولّيه رئاسة الولايات المتّحدة.
واعتبر أوباما في سلسلة حوارات مطوّلة مع مجلّة «ذي أتلانتيك» أن بريطانيا وفرنسا سمحتا لليبيا أن تتحول إلى فوضى عقب التدخل العسكري عام 2011، واصفا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بـ«شارد الذهن». كما أشار أوباما إلى أن على بريطانيا أن تشارك بـ«حصة عادلة» وتنفق اثنين في المائة من إجمالي إنتاجها المحلي على الدفاع. ولم تعلّق رئاسة الوزراء البريطانية على تصريحات أوباما حيال الإنفاق العسكري، والتي جاءت قبل إدلاء وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن بأن حكومة بلاده ستفي بالتعهد الذي قطعته لحلف شمال الأطلسي (ناتو) العام الماضي، المتعلّق بإنفاق اثنين في المائة من دخلها القومي على الدفاع.
وسارع البيت الأبيض إلى التخفيف من وقع تعليقات أوباما المسيئة لحلفائه، وقال المتحدّث باسمه لعدد من وسائل الإعلام البريطانية، في مقدمتها «بي بي سي» و«آي تي في»، إن الولايات المتّحدة «تحترم إلى حد كبير العلاقة الخاصة مع بريطانيا»، فيما أكد الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أن كاميرون يعد «أقرب شريك يمكن لرئيس حكومة أن يكون (لرئيس الولايات المتّحدة)»، مشيرا إلى «أننا نثمّن إسهامات بريطانيا في أهدافنا للأمن القومي والسياسة الخارجية».
وثار غضب في إسطنبول بعد وصف أوباما للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بأنه «استبدادي فاشل». وطالبت السلطات التركية أوباما بالاعتذار. وقال أوباما في حواره عن إردوغان «في البداية كنت أعتبره قائدا مسلما معتدلا، يمكن أن يكون جسرًا بين الشرق والغرب»، إنما خيّب إردوغان آمال أوباما فأضحى اليوم يصفه بـ«الفاشل والاستبدادي». واتّهم الرئيس الأميركي نظيره التركي بعدم رغبته في إعادة الاستقرار إلى سوريا، «وقد ظهر ذلك جليا من خلال رفضه لاستخدام جيشه الضخم للمساهمة في وقف النزيف السوري». وبادر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، مارك سترو، بعد يوم من نشر الحوار إلى التذكير بأهمية الشراكة الأميركية - التركية، وقال إن «الرئيس إردوغان شريك رئيسي في تحالفنا ضد تنظيم داعش. وهذه الإدارة الأميركية ملتزمة التزما قويا بأمن تركيا». وأضاف: «عبّر الرئيس (أوباما) عن امتنانه للرئيس إردوغان، وللكرم الذي تستضيف به تركيا أكثر من مليونين ونصف لاجئ. وسنواصل شراكتنا في مواجهة التحديات المشتركة».
أما عن ليبيا، وصف الرئيس الأميركي الحملة العسكرية التي أسهمت في الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 بـ«الإخفاق»، وهو اعتراف ضمني بتأزم الحالة الليبية وسقوط الدولة بيد «داعش»، خاصة بعد تعرض الولايات المتّحدة لضربة موجعة ومباشرة لها باغتيال السفير الأميركي جراء هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي شرقي البلاد. وتابع أوباما أن «ليبيا غرقت في الفوضى»، مضيفا: «عندما أتساءل لماذا ساءت الأمور، وحين أرجع بالزمن وأسأل نفسي ما الخلل الذي حدث، تكون هناك مساحة للنقد، لأنني كانت لدي ثقة أكبر في ما كان سيفعله الأوروبيون في ما بعد، نظرًا لقربهم من ليبيا.. اعتقدت أنهم سيحرصون على متابعة الوضع بعد التدخل العسكري».
وبهذا الصدد، انتقد أوباما الموقف البريطاني تجاه ليبيا، قائلا إن كاميرون كان «شارد الذهن» في أمور أخرى، في حين اعتبر أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي كان يبحث عن التباهي بإنجازاته «في الحملة الجوية، في حين كنا المسؤولين عن تدمير الدفاعات الجوية» لجيش القذافي. وفي عرض حديثه عن سياسات الشرق الأوسط، تطرّق أوباما وبحد كبير من التفصيل إلى الأزمة السورية، وإلى تغير سياسة واشنطن وتراجعها عن «الخطّ الأحمر» الذي وضعته في حال استخدم النظام السوري أسلحة كيماوية. وكشف أوباما أنه فور إصدار التقارير التي أفادت استعمال غاز السارين في الغوطة، مورست ضغوطات داخلية وخارجية عليه من طرف فريق الأمن ومسؤولين عن السياسة الخارجية الأميركية، ما حثّه على التهديد بالتدخل العسكري ومعاقبة المرتكبين. بيد أن الرئيس الأميركي كان له توجّه سائد أنه لا يجب أن يعرّض الجنود الأميركيين لخطر كبير من أجل تجنّب كوارث إنسانية، إلا في حال كانت هذه الكوارث تشكل خطرًا مباشرا على الولايات المتحدة.
كما تطرق إلى قراره بالتراجع عن الضربات العسكرية المخطط لها والتي كان من شأنها أن تغيّر مسار الأزمة السورية، معتبرًا أنه فخور جدًا «بتلك اللحظة»، ولافتا إلى أنه كان القرار الأصعب الذي اتخذه «إلا أنه كان القرار الصائب». وقارن أوباما سوريا بالعراق، وقال إنها «تشكل منحدرا مثلها مثل العراق». وكان مرشحو الحزب الجمهوري قد انتقدوا في مناظرة بثها تلفزيون «سي إن إن» قد وجهوا انتقادات لما وصفه مذيع القناة بـ«أوباما دوكتورين»، أي نظرية أوباما. وقال المرشح ماركو روبيو إنه لا يعتبرها نظرية، وإنما «هي دليل على فشل أوباما في السياسة الخارجية خلال سنواته في البيت الأبيض، ثم ها هو يريد أن يقدم الأعذار لفشلها».
وانتقد روبيو قول أوباما بأن قدرات الولايات المتحدة «تظل مقيدة في نهاية المطاف»، وأن هناك «حدودا للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه الولايات المتحدة لحماية حلفائها في الشرق الأوسط». وأردف روبيو: «رئيس الولايات المتحدة يقول إن الولايات المتحدة دولة ضعيفة».
ولم تفلت تصريحات أوباما من انتقادات كتاب في مجلّة «دي أتلانتيك» نفسها، حيث نشرت تامارا ويتس مقالا تنتقد فيه زميلها الصحافي جيفري غولدبيرغ الذي أجرى سلسلة الحوارات ودمجها في مقال عبّر من خلاله عن آرائه الشخصية، ولم يكتف بصيغة «سؤال - جواب» المعتمدة في هذا النوع من الكتابات الصحافية. وعن انتقادات أوباما لحلفائه، قالت ويتس إن أوباما يتحمل مسؤولية ما يشتكي منه. وأشارت إلى «سلسلة أخطاء» ارتكبها أوباما، أبرزها «سحب كل القوات الأميركية من العراق، وعدم مواجهة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد منذ انطلاق الأزمة». وكتبت أن أوباما «حاول تحاشي أخطاء الرئيس الذي سبقه (جورج بوش الابن)، لكنه لم يحل مشكلات عدم الاستقرار في المنطقة. وبالتالي، ساعد على ظهور تنظيم داعش، وعلى توسعه». وقالت إن تراجع أوباما عن تحذير «الخط الأحمر» ضد الرئيس السوري الأسد «هو الذي جعل شركاءنا الإقليميين يتخذون مبادرات لمواجهة ما تجاهله أوباما».



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.