بات من المسلّم به أن أزمة النفايات المفتوحة منذ عشرة أشهر، بدأت تهدد مصير الحكومة اللبنانية أكثر من أي وقت مضى، وتنذر بتفجير أزمة اجتماعية وصحيّة غير معروفة الأفق، ولعلّ المؤشر الأهم على ذلك هو تلويح رئيس الحكومة تمام سلام في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء بالاستقالة، وقوله «إذا كانت الحكومة عاجزة على حلّ أزمة النفايات فلا لزوم لبقائها».
وينتظر أن يتخذ رئيس الحكومة موقفًا حاسمًا خلال هذا الأسبوع، ويلقي كرة الاستقالة المشتعلة في أحضان القوى السياسية التي ترفض مساعدته في تقديم الحلول، أقلّه إيجاد المطامر الصحية المؤقتة لنقل النفايات التي تغرق بها الشوارع، إلى حين إنجاز بناء المعامل الحديثة التي تتولى المعالجة الجذرية والدائمة، بدليل أن التحركات الشعبية بدأت تتفاعل في المناطق التي ستعتمد فيها المطامر. فالرئيس تمام سلام ماضٍ في اتصالاته مع القوى المؤثرة، لإيجاد الحلول خلال ساعات أو أيام قليلة جدًا، لكن إذا وصل إلى طريق مسدود، تصبح الاستقالة الخيار الأفضل، بحسب ما أعلن مصدر مقرّب من رئيس الحكومة اللبنانية، الذي أوضح أنه «لا تقدم على صعيد معالجة أزمة النفايات، وكلما حلّت المشكلة في مكان تتعقّد في أماكن أخرى». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة تكمن في عدم توفر الإرادة لدى بعض القوى السياسية للحل». وعمّا إذا كان ثمة تلكؤ في توفير الغطاء السياسي للقوى الأمنية لإقامة المطامر، قال: «عندما يكون هناك غطاء سياسي لا نحتاج إلى أجهزة أمنية لمواكبة التنفيذ». وسأل «هل يعقل أن تسير مع كل شاحنة (تنقل النفايات) دورية لقوى الأمن الداخلي أو دبابة للجيش؟». وشدد المصدر المقرّب من سلام، على أن «رئيس الحكومة لم يعد يتحمّل ما آلت إليه الأمور، وأن يستمرّ بالصرف من رصيده السياسي والشعبي، مقابل عدم إنجاز أي شيء».
وكان لافتًا التصريح الذي أدلى به وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس (المحسوب على رئيس الحكومة) الذي قال: «إذا عجزنا عن إزالة النفايات بسرعة فإن هذه النفايات ستزيلنا». واستغرب عجز الدولة عن فرض إنشاء المطامر الصحية. ودعا إلى «تحويل مواقع المطامر إلى نقاط عسكرية يمنع على المواطنين الاقتراب منها». أضاف درباس: «أخطر شيء يحصل في هذا البلد هو أن جهاز حساسية الخطر عند الناس بدأ يتقلص، كما أن صمام الأمان ليس موجودا»، موضحًا أن «رئيس الحكومة تمام سلام أعلن أمام مجلس الوزراء أن عدم إنجاز حل لمسألة انتشال النفايات من الشارع لن يقف عند حدّ عدم الدعوة إلى المجلس إنما أبعد من ذلك»، مبديًا أسفه لأن النفايات «صارت حقلا للتجاذب السياسي والصراع السياسي، لذلك يجب أن نرى كل ما يحصل في الدول العربية نتيجة الصراعات السياسية ونتعظ منه». بدوره رأى وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج، أنه «لا شيء يطمئن حتى الآن باستثناء التقدم في قضية المطامر لا سيما في موضوع مطمر برج حمود»، وقال في تصريح له: «لا معلومات لدي حول مطمر الكوستا برافا (عند مدخل بيروت الجنوبي) والكجك، وعلى الجميع التعاون للوصول إلى حل لهذه الأزمة».
وقال دو فريج: «عيب أن تبقى حكومة وجدت أصلا لتسيير أمور الناس في الأساس وإذا لم نستطع رفع النفايات، لماذا بقاؤها؟». وإذ كشف أن «الرئيس تمام سلام يتجه إلى الاعتكاف»، حذّر من الوصول إلى «انفجار اجتماعي في حال لم تلتئم الحكومة وتحل موضوع النفايات»، مشيرًا إلى أن «القوى الأمنية ترفض فرض المطامر بالقوة على الناس، إلا في حال صدور قرار بالإجماع عن الحكومة». أما الخبير البيئي ويلسون رزق، فأشار إلى أن الحل لأزمة النفايات موجود وسهل وغير مكلف، لكن ينقصه القرار السياسي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحل يقوم على شقين، الأول مؤقت يبدأ بمعالجة معضلة النفايات المتراكمة عبر طمرها في أماكن لا تؤثر على المياه الجوفية، ولا على الأحراج والبيئة وغيرها. والثاني هو الدائم والاستراتيجي، ويبدأ بتعليم الناس ثقافة فرز النفايات من المصدر، أي في المنازل بنسبة 85 في المائة، ليصار بعدها إلى إعادة تدويرها وتصنيعها بمعامل حديثة ومتطورة، أما النفايات غير العضوية فيمكن معالجتها بالتنسبيغ». وكشف رزق أن «أهم المناطق التي يمكن اعتمادها كمطامر مؤقتة هي في السفوح الغربية لجبال لبنان الشرقية، حيث لا توجد مياه جوفية فيها ولا أحراج ولا أضرار تصيب البيئة». ورأى أن «السياسيين لا يريدون الحلول السريعة وغير المكلفة، لأنها غير مربحة بالنسبة إليهم، فهم يبحثون عن العمولات والسمسرات والاستفادة المالية».
مصدر مقرب من رئيس الحكومة اللبناني: سلام يتجه إلى الاعتكاف
أزمة النفايات تنذر بانفجار اجتماعي وتهدد مصير الحكومة
مصدر مقرب من رئيس الحكومة اللبناني: سلام يتجه إلى الاعتكاف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة