«الإفتاء» في مصر: «داعش» يستغل الأطفال الأيتام ليصنع منهم آلات لا تعرف الرحمة

خبراء لـ {الشرق الأوسط}: التنظيم تحدى سنن الكون لتنفيذ مخططه الإرهابي

أطفال من «داعش» في مرحلة التدريب («الشرق الأوسط»)
أطفال من «داعش» في مرحلة التدريب («الشرق الأوسط»)
TT

«الإفتاء» في مصر: «داعش» يستغل الأطفال الأيتام ليصنع منهم آلات لا تعرف الرحمة

أطفال من «داعش» في مرحلة التدريب («الشرق الأوسط»)
أطفال من «داعش» في مرحلة التدريب («الشرق الأوسط»)

كشفت دار الإفتاء المصرية أمس عن جريمة جديدة يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي بحق الأطفال، حيث يستغل الأيتام ليصنع منهم آلات للقتل لا تعرف الرحمة ولا تجيد إلا الذبح. بينما حذر خبراء من متابعي تحركات «داعش» من تزايد اعتماد التنظيم على الأطفال للقيام بعمليات انتحارية، ويشير هؤلاء إلى أن التنظيم يستغل الأطفال للنفاذ إلى أهدافه بسهولة، الأمر الذي قد يجبر السلطات الأمنية على تعميم إجراءات تمس بالأطفال لتفادي هذه الثغرات.
ويلفت الخبراء إلى أن «التنظيم غرر بالأطفال، في تحد واضح لسنن الكون، لأنهم أسهل الطرق لتنفيذ مُخططه الإرهابي»، مؤكدين أن «داعش» غير من استراتيجيته بتوظف الأطفال كبدلاء للعناصر القتالية، لإيمان التنظيم بأن أرواح الصغار ثمن هين مقابل خسارة أي عنصر من عناصره، فضلا عن كونه يحتاج للكثير من عناصره لحماية توسعاته الجديدة والأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا.
وأكدت دار الإفتاء في تقرير أعده مرصد فتاوى التكفير والآراء المتشددة التابع للدار أمس، أن التنظيم يسعى لإعداد وتجهيز أجيال من القتلة تضمن بقاءه واستمراره لعقود طالما بقيت تلك الأجيال التي تحمل منهج التنظيم الدموي الذي يبتهج لرؤية الدماء ومشاهدة القتل والذبح.
وأصدر «داعش» فيديو جديدا ظهر فيه مجموعة من الأطفال بإحدى دور الأيتام وهم يلعبون بدمى على شكل مسدسات وأسلحة نارية.. كما أظهر الفيديو مشاهد لإجبار الأطفال على القيام بتدريبات بدنية وعسكرية.
وأضاف تقرير الإفتاء أن التنظيم يعمد إلى سياسة تجنيد الأيتام، لأنه يعتبرها وسيلة فعالة حيث يخضع التنظيم الأطفال لحصص مكثفة للتشبع بمبادئ التنظيم وحفرها في أذهانهم، فالتنظيم لا يقوم فقط بتدريبهم على التكتيكات العسكرية والمهارات القتالية؛ بل يقوم بعملية غسل أدمغتهم وصب مبادئه القميئة فيهم، ليخرج بعد ذلك جيلا يكره العالم، لافتا إلى أن التنظيم يضع الأطفال في سلم أولوياته، لأنه يرى فيهم وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يتم تدريبهم منذ نعومة أظافرهم على الفكر التكفيري الدموي من أجل المحافظة على الولاء لخلافته المزعومة.
وأكد مرصد الإفتاء أمس في تقريره أن «هذا الفكر الدموي الذي يستغل الأبرياء الأيتام في تنفيذ مخطط شيطاني مخالف لتعاليم الإسلام ومخالف للفطرة الإنسانية السوية التي جبل عليها هؤلاء الأطفال الأبرياء»، مضيفا أن من إضاعة اليتيم وإلحاق الأذى به - كما يفعل هذا التنظيم الإرهابي - حيث يورد أيتام المسلمين - وغير المسلمين - موارد التهلكة بأن يلقيهم لقمة سائغة في أتون الحرب المستعرة التي لا تجلب؛ إلا التدمير والخراب في المنطقة العربية والدول المسلمة.
وحذر المرصد من تبعات هذا النهج الدموي الذي يستغل براءة الأطفال في تحقيق أهدافه التوسعية الإجرامية وتحقيق مكاسب مادية لا علاقة لها بدين أو أخلاق، داعيا إلى التصدي بقوة لمثل هذه الممارسات الإجرامية بحق الأطفال، والحث على التدخل الفوري لتحرير الأطفال من تلك البيئات الدموية التي يتم فيها استغلالهم وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية ليعيشوا طفولتهم وينعموا بالأمان والسلام.
وفي مشهد أفزع العالم كله مؤخرا، طل علينا طفل صغير لا يتعدى الأحد عشر عاما من عمره يحتضن أباه في ريف حلب بالشمال السوري، ثم يتسلق سيارة محملة بأطنان من المتفجرات بعد أن علمه والده كيف يقودها؟، ثم يقبل الطفل يد أبيه قبل الرحيل، ليمضي الطفل بعيدا في مهمة انتحارية، ويفجر نفسه فيها.
وحسب الخبراء، لم تكن هذه العملية التي تمت وأعلن عنها «داعش» في ريف حلب هي الأولى، فقد بث التنظيم مقطعا مصورا مؤخرا لطفل معصوب الرأس يضغط زرا للتحكم عن بعد ليفجر سيارة بها ثلاثة من المتهمين بالتجسس على التنظيم.
في غضون ذلك، قال الأزهر إن «حب التقليد لدى الصغار قد يكون من بين الأسباب التي تساعد الداعشيين على إقحامهم للقيام بالعمليات الانتحارية، عقب القيام بتجنيد هؤلاء القُصر، الذين يرون في حمل السلاح واستعماله بطولة وفدائية يطمحون إلى تحقيقهما»، لافتا إلى أن ما عرضه التنظيم من مشاهد مصورة لطفل يذبح «دُمية» وآخر يحمل السلاح ويرتدي زى الجهاديين، يعكس حرص «داعش» على تأهيل القصر ليصبحوا أكثر قدرة على إراقة الدماء، ويستخدمهم في تنفيذ مخططه في العمليات الانتحارية التي قد يعتمد التنظيم عليها بشكل كبير مُستقبلا.
من جهته، قال مصدر مطلع في الأزهر لـ«الشرق الأوسط» إن «داعش» يعتمد على إقناع الصغار بأن القتال جهاد في سبيل الله، كما يُعرضون الأطفال لمشاهدة رجال تقطع أيديهم وأرجلهم ويعلمونهم أن هذا بسبب حربهم ضد - دولة «داعش» المزعومة -، لافتا إلى أن «داعش» غير من استراتيجيته، فبدلا من الاعتماد على عناصره للقيام بعمليات انتحارية، بات يلجأ للأطفال للقيام بهذه العمليات، لأنه في حاجة إلى جنود لحماية توسعاته الخارجية.. أما الأطفال فلن يؤثر مقتلهم على التنظيم في شيء.. الأمر الذي قد يجبر السلطات الأمنية على تعميم إجراءات تمس بالأطفال لتفادي هذه الثغرات.
مضيفا: أن «التنظيم يوظف الأطفال في صفوف «داعش» كبدلاء للعناصر القتالية؛ لإيمانه بأن أرواح هؤلاء الأطفال الصغار تعد ثمنا هينا مقابل خسارة أي عنصر من عناصره القتالية، فضلا لكونه يحتاج للكثير من عناصره لحماية توسعاته الجديدة والأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا.
من جانبه، قال الدكتور أحمد سمير، أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، إن «داعش» يعيد استخدام الأطفال في المعارك مثلما كان يحدث قديما، لافتا إلى أن الأطفال هم الحلقة الأضعف بين ضحايا التنظيم الإرهابي وأسهل الطرق لتنفيذ عمليات انتحارية.
وحول اختيار «داعش» للأطفال، أكد سمير أن «الطفل وجه بريء وكيان رقيق يمكنه النفاذ للأهداف بسهولة، لا يحتاج إلى التدريب على خداع الطرف الذي يريد قتله.. وبالتالي لا مجال للفشل، هو بالنسبة لداعش عنصر مطيع يكفل نجاح للعمليات بنسبة عالية لا يمكن تحقيقها في الغالب بالطرق التقليدية.
مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يقوم به داعش الآن استلهمه من فكرة المماليك سبايا الحروب من الأطفال، الذين تمت تربيتهم في ظروف قاسية ليعملوا منذ نعومة أظفارهم كمقاتلين محترفين»، لافتا إلى أن «التشوه الذي يصيب الطفل في هذا الإطار لا يتوقف عند تشوهات سلوكية؛ بل يتعداها لتشوهات فكرية وعقدية ونفسية.. وعبر هذا الإجراء تتحول حواضن داعش إلى مفرخة مماليك جُدد، تُنتج مجموعة من الكائنات المشوهة التي تم غسل أدمغتها ودفعها نحو أذى النفس والغير بدعاوى باطلة».
مضيفا أن الانتحاري هو شخص عاقل مُكلف، درس وفكر وقرر ودبر، وعليه فهو يتحمل مسؤولية قتل نفسه أمام الله.. أما الطفل الذي يعد فاقدا للأهلية، لا يعي؛ بل لا يستطيع أن يفهم أو يُقرر أو يحيط بالصراع الدائر مع «داعش».. هو ضحية لتنظيم قرر أن يقتله ضمن من يستهدفهم لمجرد أنه طفل وتكلفته أقل ويوفر دماء المُقاتلين الكبار.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».