«الثلاثاء الكبير».. يخلط الأوراق على الطريق إلى البيت الأبيض

تقدم ترامب لا يضمن فوزه.. وأداء كلينتون لم ينه مقاومة ساندرز

«الثلاثاء الكبير».. يخلط الأوراق على الطريق إلى البيت الأبيض
TT

«الثلاثاء الكبير».. يخلط الأوراق على الطريق إلى البيت الأبيض

«الثلاثاء الكبير».. يخلط الأوراق على الطريق إلى البيت الأبيض

اربطوا الأحزمة، فالولايات المتحدة تستعد لأحد أكثر الانتخابات الرئاسية الأميركية اضطرابًا منذ عقود. باختصار هذه هي الرسالة التي أرسلها «يوم الثلاثاء الكبير»، عندما أجرت 12 ولاية أميركية انتخابات تمهيدية، تضاف إليها ولاية كولورادو التي نظمت تجمعاتها الترشيحية، بهدف اختيار مرشحها المفضل من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري ليوم معركة الحسم الموعود في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
عند الحزبين سجّل مرشحا الصدارة حتى الآن، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، أداء أفضل مما كان متوقعًا، عندما فاز كل منهما بسبع ولايات. وبالنسبة إلى سباق الديمقراطيين يمكن القول إن السيناتور بيرني ساندرز، الذي يشكل حالة تمرّد يسارية، تمكن من البقاء في الميدان على الأقل لجولات قليلة مقبلة بفضل انتزاعه الفوز بأربع ولايات. في حين كان المشهد أكثر إثارة، إذ استطاع السيناتور تيد كروز (من ولاية تكساس) الذي يعد حاليًا أقوى منافسي ترامب الفوز بثلاث ولايات بينها ولايته التي تعد ثاني كبرى الولايات الأميركية من حيث عدد السكان، بينما فاز السيناتور ماركو روبيو (من ولاية فلوريدا) بولاية واحدة.

أحد أكثر الجوانب أهمية في «الثلاثاء الكبير» أنه يشمل ولايات من كل أنحاء الولايات المتحدة، من ألاسكا في أقصى الشمال الغربي إلى ماساشوستس بالشمال الشرقي، مرورًا بتكساس في أقصى الجنوب. وخلال هذا اليوم يتاح للجمهوريين اختيار رُبع (1 من 4) مندوبيهم إلى المؤتمر الوطني الكبير الذي يصار فيها خلال الصيف المقبل إلى تسمية مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة. أما في المعسكر الديمقراطي، فحسم خلال هذا اليوم خُمس (1 من 5) عدد المندوبين الذاهبين إلى مؤتمر حزبهم الوطني.
غالبًا، في مثل هذا اليوم من الحملات الانتخابية السابقة، كانت مؤشرات الفوز المرتقب لهذا المرشح أو ذاك أوضح وملامح الحسم أجلى بكثير مما هي عليه الصورة الآن. أما السبب فهو أن كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري يعيش حقًا «حالتي تمرّد» شبيهتان بتلك التي هزّت المشهد السياسي في بعض الديمقراطيات الأوروبية، من إسبانيا إلى بولندا، عبر فرنسا وإيطاليا. في حين اقتصر «التمرد» في بريطانيا حتى الآن على حزب العمال الذي سلّم زمامه لمرشح - مفاجأة هو اليساري المتشدد جيريمي كوربن.

* «التمرّد»
«حالات التمرد» جاءت نتاج مشاعر سخط وغضب تولّدت عند أقليتين يسارية ويمينية، ووجدت ضالتها المنشودة في مرشح جذاب «كاريزمي» ظهر على المسرح فجأة من دون استئذان.
ولكن الحقيقة أنه هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها خلال المعارك الانتخابية الرئاسية الأميركية مرشحون «فلتات» غير مألوفين. فعام 1964 رسا ترشيح الحزب الجمهوري على السيناتور اليميني المتشدد باري غولدووتر الذي كان يومذاك أشبه ما يكون بشخصية «حربجية» كاريكاتيرية من صقور الحرب الباردة. وعام 1972 رشح الديمقراطيون السيناتور جورج ماكغفرن، الموغل في ليبراليته لدرجة تجعل فرصة انتخابه معدومة. وبالفعل مني كل من غولدووتر وماكغفرن بهزيمتين ساحقتين أمام الرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون.
بناءً عليه، لا يصح في الحملة الانتخابية الحالية استبعاد أي من المرشحين الأكثر راديكاليًا في السباق، أي الجمهوري اليميني دونالد ترامب والديمقراطي اليساري بيرني ساندرز.

* «راديكاليا» اليسار واليمين
الرجلان يوصفان اليوم بأنهما «شعبويّان»، وهذا مصطلح يفسر بجملة من الأسباب، أبرزها أن الرجلين، رغم التباعد الآيديولوجي الشاسع بينهما، يلعبان على وتر «الديمقراطية المباشرة» ضد «مؤسسة السلطة» في واشنطن، التي يزعمان أنها ما عادت تشعر بما يشعر به ويشكو منه معظم الأميركيين.
يسارًا يدّعي ساندرز أن 1 في المائة من أثرياء أميركا يحتكرون خيرة الأراضي والعقارات ويحرمون الغالبية من جني ثمار كدهم، ولعلاج هذا الوضع لا يقترح ساندرز - السبعيني اليساري - الثورة الجماهيرية العنيفة، بل يحث على إعادة توزيع الثروات وفق الطراز الأوروبي الديمقراطي - الاجتماعي أو الاشتراكي المعتدل الذي يستخدم السياسة الضريبية وسيلة لنقل المال من الأغنياء إلى الفقراء. ثم إنه يعد بنظام تعليمي مجاني في كل المراحل، وتوسيع إطار الغطاء الصحي المجاني للأسر الفقيرة والمتوسطة الحال، والاستيعاب التدريجي للمهاجرين الـ12 مليونا غير الشرعيين لكي يعيشوا كمواطنين في الولايات المتحدة. وحسب رأيه، فإن سياسات كهذه تحتاج إلى حكومة قوية المركز مهمتها استنباط ومن ثم فرض السياسات التي لا بد أن تعارضها بعض الولايات. وباختصار شديد، يجوز القول إن ساندرز يركز في فكرة «الأمل» حتى لو بدا مبالغًا فيها، بل في بعض الأحيان غير وارد مطلقًا.
وبعكس فكرة «الأمل» عند ساندرز، فإن رجل «اليمين» المتشدد ترامب يراهن على فكرة «الخوف»، وبالذات «الخوف من طغيان المهاجرين»، ولا سيما من دول أميركا اللاتينية، على الولايات المتحدة. وفي هذا السياق اقترح بناء جدار ضخم على طول حدود البلاد مع المكسيك لإبعاد المهاجرين المحتملين. وكذلك «الخوف من الإرهاب الإسلامي» الآتي من الخارج. ولكن يبدو خطاب ترامب أقل رتابة وربما تماسكًا من خطاب ساندرز أقله لسبب واحد. فالسيناتور ساندرز، الآتي من ولاية فيرمونت إحدى أصغر الولايات الأميركية، يعد على الدوام بتعزيز دور الدولة لكي تفعل وتؤثر في مختلف نواحي الحياة الأميركية. على العكس تمامًا، يسعى ترامب إلى تقليص كبير في دور الدولة التي يريد منها إجراء التغييرات الراديكالية التي يعد بها.
كلينتون و«تحالف الأقليات»
مع هذا فرص نجاح ساندرز بأن يكون مرشح حزبه في نوفمبر المقبل أقل بكثير من فرص ترامب. ذلك أن منافسته، هيلاري كلينتون «السيدة الأولى سابقًا»، ووزير الخارجية والسيناتورة عن ولاية نيويورك سابقًا، تتمتع بنقاط قوة وأفضلية كثيرة. منها أنها تتحكم بـ«ماكينة» الحزب الديمقراطي، ونجحت حقًا في توحيد صفوف التحالف العريض للأقليات الذي كان وأسسه الرئيس الحالي باراك أوباما، ونظمته خلفها.
ويشكل كل من الناخبين الأفرو - أميركيين (السود) والهسبانيكيين (المتحدرون من أصول أميركية لاتينية) نسبة 12 في المائة من مجموع الناخبين الأميركيين أهم أعمدة هذا التحالف، ثم هناك اليهود والمسلمون، وهاتان كتلتان بشريتان تشكل كل منهما نسبة 2 في المائة، وهو ما يعطي التحالف الديمقراطي الفرص الأكبر للفوز في الولايات المحوَرية غير المحسومة. أضف إلى ذلك الأقليات العرقية والدينية المذكورة جماعات أخرى يشملها كالمثليين والمثليات و«الجنس الحائر» الذين تقدّر نسبتهم من 2 في المائة والأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) الذين تقارب نسبتهم 1.2 في المائة، وهؤلاء عمومًا أكثر ميلاً للحزب الديمقراطي. وهذا يعني أنه بصرف النظر عمّن سيرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة خلال الصيف، فإن لدى هذا المرشح (أو المرشحة) قاعدة تأييد صلبة حجمها نحو 30 في المائة من أصوات الأميركيين.
وهنا، يتوقع أن يشارك الرئيس أوباما دورًا نشطًا وحيويًا في الفترة المقبلة من الحملة الانتخابية. وثمة من يقول إنه سيحاول أن يختار المرشح لمنصب نائب الرئيس من شلة المقربين إذا ما رُشحت هيلاري كلينتون - كما هو مرجح - للرئاسة خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي المقرر بين 25 و28 يوليو (تموز) في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا.
في المقابل، يعتمد الجمهوريون اعتمادًا كليًا على اليمين الأصولي المسيحي الذي يشكل أتباعه نحو 10 في المائة من الناخبين الأميركيين، والآسيويين الأميركيين من غير المسلمين ونسبتهم نحو 3 في المائة، وجماعات مصلحية أحادية الهدف كـ«لوبي» السلاح الفردي و«لوبيات» مناوئة الإجهاض تبلغ رقعة تصويتها نحو 4 في المائة. كل هؤلاء يضاف إليهم «السكان البيض في الضواحي»، ما يمنح المرشح الجمهوري قاعدة تأييد صلبة أعلاها 25 في المائة من أصوات الأميركيين.
هذه الأرقام تعني أن على الجمهوريين بذل جهد أكبر بكثير من الديمقراطيين من كسب أصوات المستقلين وغير الملتزمين. وتعني أيضًا أن دونالد ترامب ليس المرشح الأمثل، لأنه يستفز المستقلين ويستعديهم أكثر من أي من منافسيه. ولكن في المقابل، ما هو لصالح ترامب أن طروحاته المثيرة للجدل قد يجتذب إلى مراكز الاقتراع ناخبين جددًا كانوا وما زالوا على هامش الحياة السياسية. والواقع أنه بفضل أمثال هؤلاء الناخبين الهامشيين، وليس الجمهوريين «المؤسساتيين»، استطاع ترامب كسب نسبة 30.4 في المائة من المندوبين الـ1200 الذين عليه كسب تأييدهم للظفر بترشيح حزبه له في المؤتمر الوطني الجمهوري المقرر بين 18 و21 يوليو في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو.

* فرص ترامب وكلينتون
السؤال الأهم هنا هو هل سيتمكن ترامب من كسب ترشيح الجمهوريين؟ لقد عزّزت نتائج «الثلاثاء الكبير» فرص نجاحه، إلا أنه لم يحسم معركته بالكامل. وبداية، عجز عن كسب أي ولاية بغالبية مطلقة، بل إذا احتسبنا معدلات التصويت في الانتخابات التمهيدية والتجمعات الانتخابية نجد أن قرابة 65 في المائة من الأصوات كانت ضده. وبالتالي، فهو وإن كان يتصدّر لم يستطع حتى الآن ترجمة ذلك إلى غالبية.
في أميركا مثل سائر هو «بمقدور أي أميركي بلوغ الرئاسة». ولكن من الناحية العملية، قلة من الطامحين للمنصب ممن تقدموا إلى هذه النقطة من سباق البيت الأبيض أفلتوا من فتح خصومهم ملفات ماضيهم الشخصي والسياسي. فالرئيس هاري ترومان ظل يلقب بـ«بائع القمصان من ميزوري» رغم دخوله الكونغرس وتوليه منصب نائب الرئيس. وفي فترة أقرب زمنيًا غلب على الرئيس جيمي كارتر لقب «مزارع الفول السوداني»، وعلى الرئيس رونالد ريغان لقب «كاوبوي هوليوود».. مع أن كل منهما تولى منصب حاكم ولايته لسنوات. وهكذا، يندر أن يرد اسم ترامب بمعزل عن نعته بـ«مالك العقارات الثري» و«رجل الأعمال الملياردير»، كما يصرف الوقت والجهد لإثبات أن مسيرته في عالم أقل نجاحًا مما يزعم، كما أن حياته الشخصية ليست مثالية أبدًا. ولكن لا غرابة في هذا، فالرجل من «المشاهير» في عصر حل فيه هؤلاء مكان الأبطال التاريخيين. ثم إنه ما عاد شخصًا عاديًا أو رجل سياسة بل غدا «ماركة» روّج لها منذ سنوات عبر التلفزيون بما في ذلك برامج خاصة به. ومع أن الكثير من مشاريع ترامب التجارية والمالية فشلت ما زال الانطباع العام عنه أن يجسّد النجاح في فترة زمنية الانطباع فيها بات أحيانًا من الواقع.
ولكن لندع ترامب، ونتساءل.. أي رئيسة يمكن لهيلاري كلينتون أن تكون؟ الثابت أن كلينتون سياسية (ماكينة سياسية) أكثر توقًا للفوز بالسلطة من الرغبة بممارستها من منطلق آيديولوجي. وكان زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون قد صور هذا الجانب من شخصيتها ضمن مذكراته في اليوم التالي لفوزه بالرئاسة، عندما كتب أنه وزوجته استيقظا ذلك الصباح بعد ليلة النصر الكبير غير مصدقين أن النصر تحقق. ولاحقًا، أقر أنه كان أكثر حرصًا الفوز بالسلطة من حرصه على التصرف بنهج محدد بعد ذلك. ولعل ترك بيل كلينتون آليات العمل الحكومي تعمل بصورة تلقائية بينما انصرف إلى أمور أخرى ما جعل منه رئيسًا ناجحًا – على الأقل على الصعيد الداخلي –، وكان الرئيس الأميركي الوحيد خلال أكثر ستة عقود الذي حقق خلال حكمه نموًا اقتصاديًا مرتفعًا وميزانية متوازنة.
هيلاري كلينتون، بالتالي، ستشكل إذا فازت في نوفمبر المقبل استمرارية رتيبة بينما يتفجّر النظام الدولي أو يكاد. مناصرو هيلاري يشددون على «خبرتها»، إلا أن «الخبرة» السيئة قد تكون أسوأ من انعدام الخبرة. وبما يخص قادة الحزب الجمهوري فإنهم يكرهونها بمقدار كرهه زوجها. وبالتالي، إذا انتخبت رئيسة فإن أميركا ستعود إلى أجواء الصراع السياسي - الحزبي داخل العاصمة واشنطن خلال عقد التسعينات التي زرعت بذور الانقسام داخل النخبة الأميركية الحاكمة.
في الضفة المقابلة، لا يتمتع ترامب بأي تجربة سياسية أو خبرة حكومية. إنه صفحة بيضاء يمكن لأي كان أن يرسم عليها تصوراته أو تكهناته، ولعل هذا الجانب يلعب لصالحه. ولكن إذا كانت حياة ترامب العملية لتوفر أي مؤشر، فإنه إذا ما انتخب رئيسًا قد لا يستطيع التركيز على أي سياسة متوسطة أو طويلة الأمد. فهو أشبه بعصفور يقفز من غصن شجرة إلى غصن آخر، إذ اشتغل عبر مسيرته في مجالات عدة منها التنمية العقارية، وإدارة حقول غولف، ونشر المجلات، والمصارف، والنقل الجوي، والكازينوهات، وطبعًا الإنتاج التلفزيوني. وهناك من يذهب إلى حد القول إنه لم يدخل معركة الرئاسة بهدف الفوز، بل كانت المسألة بالنسبة له «ضربة» دعائية كبرى تعزز حضوره على شاشات التلفزيون بعد تراجع أرقام المشاهدة. ولعل في هذا ما يفسر إخفاقه في تقديم أي تصور استراتيجي متجانس حيال أي قضية.
القصة وما فيها أنه لا يعرف ما هي القضايا.
هذا، حقًا، سيف ذو حدّين. ترامب رغم زهوه وانهماكه بشخصه لا يكترث بنفور الآخرين منه أو كراهيتهم له. إنه «رجل صفقات» يتجاوز الاعتبارات الشخصية والحزبية لتمرير ما يود تمريره في واشنطن المعرّضة دائمًا للاستعصاء الناجم عن المناكفات والحزازات الحزبية. هذا الأمر إيجابي وسلبي في آن معًا. إيجابي ربما لأنه يعني أنه ليس لديه أي قناعات عنيدة غير قابلة للتغيير. وسلبي لأنه قد يغدو مجرد أداة بأيدي البيروقراطيين والتكنوقراطيين و«اللوبيات» التي ستستغل وجود رجل «غير سياسي» في البيت الأبيض.

* الجولات التالية
في أي حال ليس هناك ما يضمن أن يستمر مسلسل نجاحات ترامب. ذلك أن عددًا لا يستهان به من الكتل القوية داخل الحزب الجمهوري تعمل ضده بقوة الآن، وغايتها منع حصوله على ترشيح الحزب. لكن العقبة الكأداء راهنًا هي أن «المؤسسة الحزبية» لا تؤيد السيناتور كروز، ثاني أقوى المرشحين حتى الآن، وأن المرشح المفضل لـ«المؤسسة» السيناتور روبيو ما زال عاجزًا عن تحقيق الاختراق المأمول. مع هذا، لم يعلن صراحة دعم ترامب من قادة الجمهوريين سوى كريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرسي، وعضو واحد في مجلس الشيوخ هو السيناتور جيف سيشونز من ولاية آلاباما.
وبناءً عليه، بعد الجولة التالية من المعارك التمهيدية المقررة يوم 18 مارس (آذار) الحالي، على «المؤسسة» الجمهورية إما إقناع كروز بالانسحاب لصالح روبيو، أو التنازل له والقبول مرغمة بدعمه. أي من هذين الحلين سيمكّن «المؤسسة» من مواجهة ترامب بمرشح واحد قوي يجمع من خلفه معظم قيادات الحزب في واشنطن والولايات، ويكسب أصوات مندوبي المرشحين المنسحبين ولعل أبرزهم جيب بوش.
ثم يرجح أن يكسب مرشح «المؤسسة» إذا اصطفت خلف مرشح واحد ضد ترامب أصوات «المندوبين المميزين الكبار» أي الشخصيات التي تحظى بأصوات في المؤتمر الوطني كونها من كبار الزعامات الحزبية على المستوى الوطني.
مقابل هذا «السيناريو»، حتى إذا ربح ترامب ترشيح الحزب فإنه سيواجه مصاعب جمة في حسم معركة الرئاسة أمام مرشح - أو على الأرجح مرشحة - الحزب الديمقراطي. لقد نجح بلا شك في خلق «حركة» على هامش الحزب الجمهوري، غير أن هذه «الحركة» تفتقر إلى الهيكل البنيوي، والكوادر القيادية، والخبرة في خوض الانتخابات والفوز بها. ثم إن «ماكينة» الحزب الجمهوري لن تحتضنه أو تتقبله بصدر رحب ما يضعف موقفه في الولايات المحورية المهمة.
إن شعار ترامب «لنعد أميركا إلى عظمتها السابقة» شعار تسويقي جذاب، إلا أن الانتخابات تحتاج «ماكينة» انتخابية تعرف كيف تنقل السيدات المتقدمات في السن إلى مراكز الاقتراع.
ولكن، في هذه المعركة، كما في غيرها من معارك الانتخابات الأميركية.. لا يحسم شيء إلا بعد إعلان النتائج في مراكز الاقتراع بعد يوم الانتخابات الطويل!

* من فاز بولايات «الثلاثاء الكبير»؟
- آلاباما: ترامب (جمهوري) - كلينتون (ديمقراطية)
- ألاسكا: كروز (جمهوري) -الديمقراطيون يصوّتون يوم 28 مارس (آذار)
- آركنسو: ترامب (جمهوري) – كلينتون (ديمقراطية)
- كولورادو: الاختيار عند الجمهوريين بيد 37 مندوبًا - ساندرز (ديمقراطي)
- جورجيا: ترامب (جمهوري) - كلينتون (ديمقراطية)
- ماساشوستس: ترامب (جمهوري) - كلينتون (ديمقراطية)
- مينيسوتا: روبيو (جمهوري) - ساندرز (ديمقراطي)
- أوكلاهوما: كروز (جمهوري) - ساندرز (ديمقراطي)
- تينيسي: ترامب (جمهوري) – كلينتون (ديمقراطية)
- تكساس: كروز (جمهوري) - كلينتون (ديمقراطية)
- فيرمونت: ترامب (جمهوري) - ساندرز (ديمقراطي)
- فيرجينيا: ترامب (جمهوري) - كلينتون (ديمقراطية)



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.