* رغم كل الصخب الذي سبق حفل الأوسكار قبل أقل من أسبوع، ورغم النقاشات الحامية حول الحقوق غير المحفوظة للممثلين الأفرو - أميركيين وكيف أنه من بين عشرين ممثلا تم ترشيحهم وخمسة مخرجين وعشرات الفنيين والكتاب ليس من بينهم من هو أسمر أو أصفر أو بني أو حتى بنفسجي، لم يحظ الحفل بأكثر من 34 مليون مشاهد في الولايات المتحدة. هذا كثير عندنا يحلم به أي برنامج تلفزيوني، لكنه قليل عندهم خصوصًا إذا ما عكس انحدارًا هو الأكبر منذ ثماني سنوات.
* كريس روك فعل كل ما في وسعه لإلهاب الحفل. قبل سنوات فعل بعض المقدمين العكس من دون قصد وتسببوا في بداية خسران الأوسكار لجمهور كثيف. روك كانت لديه عدّة أدوات ناجحة: هو أسود في عام شكا فيه السود من قلة الترشيحات أو عدمها، وهو كوميدي يعرف كيف يوجه سهامه ولديه ملكية إلقاء ذكية وتوقيت حسن بحيث تصيب سهامه أهدافها من دون أن تقتله وهو وازن بينها: بعث ببعضها صوب البيض وبعضها الآخر صوب السود أنفسهم.
* واحدة من الفقرات الجيّدة التي قدمها تصوّره محل مات دايمون في «المريخي». نعم كان يستطيع ممثل أسود لعب الدور الذي قام به دايمون في ذلك الفيلم. لم لا؟ هذا الاحتمال دفعني إلى مراجعة الفيلم ذاته.
* كما يعلم الجميع تقوم الحكاية على افتراض أن مركبة فضائية حطت على سطح المريخ وبعد قليل أقلعت عنه بسبب عاصفة هوجاء. اعتقدت كابتن المركبة (جسيكا شستين، بيضاء) أن أحد أفراد الطاقم (مات دايمون، أبيض) لا بد أنه مات. المركبة تنطلق عائدة إلى الأرض بباقي طاقمها (بينهم مايكل بينا، لاتيني). الملاح الأبيض الذي تُرك على سطح المريخ لم يمت بل بنى لنفسه ملجأ وابتكر الماء والزرع وباقي الحكاية معروف.
* هناك ممثلون أفرو - أميركيون في الفيلم: شيويتيل إيجيفور (الذي قاد بطولة «12 سنة عبدًا» المعادي للعنصرية) يلعب دور عالم باسم هندي! (كابور). وهو رجل مثقف يصلح نموذجًا لكن دوره محدود. في مقابله ممثل أفرو - أميركي آخر (دونالد غلوفر) تلجأ إليه ناسا بسبب خبراته في الكومبيوتر التي يجب أن لا توازيها خبرة موظفي ناسا! هذه الشخصية حذقة وفوضوية. ذات شعر كث وحضور متوتر (أو يثير التوتر) ويعيش في مظهر بيئي نموذجي. هذا تنميط!
* لكن ماذا لو كانت شخصية مات دامون ذاتها سوداء؟ الناتج سيكون رائعًا: هذا شخص صاحبه الشعور بأنه مُستثنى منذ ولادته بسبب لونه والآن ها هو مُستثنى من طاقمه ولو على نحو غير مقصود. عزلته ستعيد له ثقته بالناس جميعًا لكنها ستحمل قبل ذلك رموزها الاجتماعية المناسبة.
* ذات مرّة طلب مني مخرج عربي نقدًا شفهيًا لفيلمه. أخبرته ما وجدته خطأ فقاطعني وقال: «أنت تتكلم عن فيلم آخر».. قلت له «لكنه فيلم أفضل لو تم»، وهذا هو حال المريخي لو كان أفرو - أميركي.