بات معتادًا أنه كلما وجد المخرج نفسه محشورًا بين فشل فيلمه في تسجيل الإيرادات العالية وخسارته لحلم النجاح على مستويات متعددة، أن يهاجم نقاد السينما بضراوة ويعلّق عليهم أسباب فشل الفيلم. هذا كان حال المخرج أليكس بروياس الذي عزا فشل فيلمه الجديد «آلهة مصر» إلى هجوم النقاد على الفيلم.
كتب المخرج المولود في الإسكندرية ذاتها من أبوين يونانيين، على صفحته في «فيسبوك» قائلاً: «اجلب ناقدًا واحدًا وضعه في غرفة مقفول عليها واتركه مع (أي) فيلم وستجد أنه لا يعرف ماذا سيكتب عنه». وبعد أن أوحى بأن بعضهم ينقل عن بعض وكلهم جبناء يخشون الاختلاف، أضاف: «إنهم أقل من عديمي الأهمية. أي واحد يمكن له أن يطلق رأيًا من الفيلم إلى الأحذية إلى الهمبرغر، أي قيمة لذلك - لا شيء».
بروياس لم يقل هذا الكلام عندما وقع النقاد في غرام فيلمه الجيد «دارك سيتي» سنة 1998 ولا نصفه عندما استقبل فيلمه الآخر «أنا.. روبوت» باستحسان. لكن «آلهة مصر» مختلف: لقد بنى عليه شخصيًا الكثير من الآمال. حققه لغاية تجارية بحتة. استبعد عنه ومنه كل قيمة فنية ووجد عند شركة ليونزغايت البيت الإنتاجي الهوليوودي المنشود والتمويل اللازم: 140 مليون دولار والنتيجة: 14 مليون دولار في ويك - إند افتتاحه!
كليوباترا من جيل لآخر
حال «آلهة مصر» مع التاريخ الفرعوني لمصر تفاوت اهتمامًا ومستوى ودقة من فيلم لآخر. هناك أفلام احترمت ذلك التاريخ وأخرى احترمت رغبتها في إثارة الخيال والترفيه وحدهما. أفلام تناولت شخصيات التاريخ المصري باهتمام جاد وأخرى تعاملت معها كبادرة لأغراض مختلفة. لكن الغالب من الأفلام، الجادّة حول الموضوع وتلك السهلة، قصد ما قصدته هوليوود من كل فيلم تاريخي يوفر فرصة مشاهدة جنود بتنانير حمراء وسيوف ممشوقة وتصاميم إنتاجية عاكسة للفترة: النجاح التجاري. هذا شأن دائم سواء أكان التاريخ إغريقيًا، رومانيًا، ساكسونيًا، سكندنافيًا أو، كما الحال هنا، فرعونيًا.
لكن الأفلام التي تتعاطى والتاريخ المصري القديم فيها إضافة لافتة وجذّابة: إنها أرض الشرق ومفتاح أفريقيا والجزء الغامض من التاريخ الذي بنى كل تلك الحضارة التي لا تزال من علامات الزمن إلى اليوم وفي متناول كل سائح أن يراها. روما القديمة اندثرت. الحرب البيزنطية لم تترك أثرًا. التاريخ الإسكندنافي لأهل الشمال الأوروبي اندثر. وحدها، بين الحضارات القديمة، ما زال قائمًا كما كان قبل 4000 سنة.
وهناك شخصيات ذلك التاريخ المثيرة للاهتمام فيما لو عرفت هوليوود كيف تحيكها: كليوباترة التي كانت موضوع أفلام عدّة منذ عام 1912 عندما قام تشارلز غازكيل بتحقيق فيلم من 100 دقيقة بعنوان «كليوباترا» لعبت بطولته نجمة ذلك الحين هيلين غاردنر. بعد خمس سنوات من تاريخه قام ج. غوردون إدواردز بتحقيق «كليوباترا» آخر حيث قامت الفاتنة تيدا بارا بالدور الصامت. تبعه سيسيل ب. دميل في نسخته بالعنوان نفسه سنة 1934 (راويًا أيضًا علاقتها بروما وجوليوس سيزار)، وهو الفيلم الذي قامت ببطولته كلوديت كولبرت.
الخمسينات كانت ثرية في مدلولاتها التاريخية حول مصر القديمة وكليوباترا وباقي الشخصيات الفرعونية أو الرومانية: الإيطاليون حققوا، عام 1953 «ليلتان مع كليوباترا» الذي شارك في كتابته المخرج الراحل إيتوري سكولا وقامت ببطولته صوفيا لورين.
في العام نفسه قام الأميركي ويليام كاسل بتحقيق «أفعى النيل» حول الموضوع نفسه: دراما عاطفية لا تخلو من مشاهد القتال مع روندا فليمنغ في الدور اللاهب. هذان الفيلمان، على الأخص، عاشا لبعض الوقت ثم ماتا باكرًا من البال على عكس «كليوباترا» الذي وافقت شركة فوكس على إنتاجه في أواخر الخمسينات وانطلق تصويره في عام 1960 وتوقف، ثم تواصل ثم توقف ثم تواصل وانتهى العمل عليه بعد عامين بكلفة 40 مليون دولار في حينها.
لعنة المومياء
حسبان هذه التكلفة اليوم يجعل «كليوباترا» (الذي حققه جوزف مانكوفيتز من بطولة إليزابيث تايلور) أغلى فيلم في التاريخ فبسعر اليوم واقتصادياته تصل الكلفة إلى 326 مليون دولار.
وفي حين أن الكثير من النقد أصبغ على معظم هذه الأفلام بأقلام نقاد مصريين وعرب إلا أن الاستعانة بحكايات الأمس الفرعوني لم يتوقف بالطبع واستمر ليتأرجح بين أفلام تاريخية وأفلام حاضرة تعود إلى التاريخ. في المقام الأول شاهدنا في السنوات العشرين الأخيرة مثلاً «ألكسندر» لأوليفر ستون (مع كولين فارل وأنطوني هوبكنز وروزاريو دوسون وأنجلينا جولي) كما «هجرة: آلهة وملوك» لريدلي سكوت الذي عاين الحروب اليهودية والفرعونية أكثر مما بحث في الأديان ذاتها.
في المقام الثاني، يكفينا ذكر «المومياء» ذلك الفيلم الذي وضعه وأخرجه ستيفن سومرز وفيه يكتشف المشاغبون والمنقبون المومياء التي ما زالت تحمل لعناتها على كل من يكشفها. هدف برندون فريزر وراتشل وايز البقاء حيين وسط جحافل الانتقام المصرية (مع ما يشوبه ذلك من تشويه).
الثابت أنه بصرف النظر عما لو عادت هوليوود إلى التاريخ القديم للاستيحاء منه، أو استعارت من ذلك التاريخ أفلاما خيالية على شاكلة «المومياء» و«سكوربون كينغ» وسواهما، فإنها تقدم على ذلك لأن الجمهور عادة هناك. هذه الأفلام تستفيد من عنصر ما زال جاذبًا ولو في أحيان كثيرة دون أخرى قليلة.
«آلهة مصر» لم يكن من تلك الناجحة. لكن ليس بسبب نقاد السينما (الجمهور السائد عادة ما يذهب ضد آراء النقاد) بل بسبب الفيلم وخلله المتواصل. في المقدّمة أن الفيلم يبدو إنتاجًا كبيرًا لكنه سريع العطب، مثل جسر بُني لكي ينهار بعد قليل من افتتاحه.
كذلك هو عمل مكوّن من بطولات «بيضاء» على طول الخط الرئيسي. في الكومبارس سود وسمر وبشرات أخرى، لكن المشاركين في الأدوار الأولى، مثل جيرارد بتلر وبرنتون ثوايتس وجيفري راش وروفوس سيوول، كلهم من البيض، وبلكنات تتراوح بين الأميركية والاسكوتلندية مع شخصية ثانوية يقوم بها ممثل أسود هو شادويك بوزمن ومن دون أي ممثلين مصريين ولو من باب إتاحة قدر من التأسيس للتاريخ وواقعيته. الملك حورس (كما أداه نيكولاي كوستر والدو) كان يمكن أن يذهب إلى خالد أبو النجا أو خالد النبوي أو عمرو واكد وبسهولة.
تلتقي هذه النقطة مع ما يُثار في هوليوود من أن للأقلية والتعددية العرقية فيها مكانا محدودا.
وحتى لو استبعدنا كل ما سبق من ملاحظات ونظرنا إلى الفيلم من موقع نقدي سينمائي بحت، فإن ما لدينا قوله لن يغيّـر من رأي المخرج بروياس: فيلمه جيد ونحن المخطئون.
«آلهة مصر» يفتح العين على تاريخ الفراعنة في هوليوود
يؤكد أن لا مكان للأقليات حتى في الأفلام المناسبة
«آلهة مصر» يفتح العين على تاريخ الفراعنة في هوليوود
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة