باريس تتحرك لإنقاذ الهدنة وتربط مصيرها بخطط موسكو في سوريا

دعت إلى التنسيق بين المجموعة الداعمة للمعارضة والوقوف بوجه الضغوط الروسية ـ الإيرانية

باريس تتحرك لإنقاذ الهدنة وتربط مصيرها بخطط موسكو في سوريا
TT

باريس تتحرك لإنقاذ الهدنة وتربط مصيرها بخطط موسكو في سوريا

باريس تتحرك لإنقاذ الهدنة وتربط مصيرها بخطط موسكو في سوريا

عجل وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت الذي كان موجودا في جنيف للمشاركة في المؤتمر السنوي لمجلس حقوق الإنسان في مقر الأمم المتحدة في المدينة السويسرية بالدعوة لانعقاد «فوري» لمجموعة العمل الخاصة بوقف الأعمال القتالية في سوريا، بعد ورود معلومات متواترة من المعارضة السورية عن انتهاكات واسعة قامت بها قوات النظام والقوات الجوية الروسية يومي الأحد والاثنين. وقال أيرولت للصحافة إنه تلقى «مؤشرات» تدل على أن «الهجمات بما فيها الجوية مستمرة ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المعتدلة». ولذا اعتبر الوزير الفرنسي أنه يتعين على المجموعة المعنية الاجتماع «الفوري» من أجل التحقق من هذه المعلومات.
وجاء الطلب الفرنسي في ظل اتهامات متبادلة بانتهاك الهدنة من الأطراف السورية والإقليمية، وأشدها ورد على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يوم الأحد، فيما نبه أسعد الزعبي، رئيس وفد المعارضة المفاوض المنبثق عن مؤتمر الرياض إلى أن الهدنة «انهارت قبل أن تبدأ» وأن ما يحصل ميدانيا «ليس خرقا للهدنة بل إلغاء كامل لها». أما الجانب الروسي، وهو واحد من راعيي الهدنة مع الولايات المتحدة الأميركية، فقد وجه سهام الانتقاد إلى تركيا، حيث حذر من النتائج المترتبة على الاستعدادات العسكرية التركية على الحدود المشتركة مع سوريا، معتبرا أن أي تدخل عسكري تركي في سوريا «سيكون ضربة قاصمة» لاتفاق وقف الأعمال العدائية.
وتعتبر مصادر فرنسية دبلوماسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أن «المبادرة» اليوم في سوريا أكانت دبلوماسية أو عسكرية ميدانية موجودة في أيدي الجانب الروسي. وبعد ثلاثة أيام من التجربة، ما زالت باريس ترى حظوظ نجاح وقف الأعمال القتالية «ضئيلة» وتربط مصيره بـ«حقيقة الخطط الروسية» في سوريا التي لا تبدو واضحة في الوقت الحاضر.
بيد أن باريس لا تزال تعتبر أنه من «الضروري جدا» أن ينظر عن قرب إلى رد الفعل الأميركي على الانتهاكات المتواصلة، لأن ما ستفعله واشنطن «ستكون له انعكاساته على ردود فعل الأطراف الإقليمية»، الداعمة للمعارضة. ولذا، تدعو فرنسا إلى استمرار التشاور والتنسيق بين أطراف «المجموعة الضيقة» الداعمة للمعارضة السورية «من أجل الوقوف بوجه الضغوط الروسية - الإيرانية» علما بأن علامة الاستفهام الكبرى، فرنسيا، تتناول الرد الإقليمي في حال تبين أن الموقف الأميركي ما زال «مائعا» ومدى قدرة واشنطن على لجم اندفاعها. وفي أي حال، ترى باريس أن الطرف الخليجي «لن يقبل بالانكسار» في الملف السوري، وسيكون مستعدا لزيادة الدعم للمعارضة حتى من غير غطاء أميركي «لتمكينها من الاستمرار» وإن كان ذلك «بأشكال أخرى».
منذ اتفاق فيينا وترجمته في بيان ميونيخ ثم في قراري مجلس الأمن الدولي، ترى فرنسا أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ما فتئ يتراجع بوجه الضغط الروسي، كما أنه «مغرق في التفاؤل» لجهة اعتباره أن موسكو «إما أن تصل إلى خلاصة مفادها السعي لحل سياسي متفاوض عليه، وإما أن تغرق في المسألة السورية». وآخر تراجع أميركي تمثل في قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2268 الذي أعده الجانبان الروسي والأميركي. وفي هذا القرار اختفت أي إشارة إلى الهيئة العليا للتفاوض المعارضة التي يرأسها رياض حجاب، الأمر الذي نبه إليه مندوبا فرنسا وبريطانيا في كلمتهما يوم الجمعة الماضي، عقب عملية التصويت التي تمت بالإجماع. وسارعت الهيئة العليا لإبداء «أسفها» لأنها تعي تبعات ذلك على المراحل اللاحقة من المفاوضات التي من المنتظر أن تستأنف في السابع من مارس (آذار) في حال صمدت الهدنة. وتتخوف الهيئة أن يستغل وفد النظام العبارة الغامضة الواردة في القرار الدولي الأخير التي تتحدث عن مفاوضات بين الحكومة والمعارضة لمحاولة الالتفاف على وفد الهيئة، واعتباره لا يمثل كل أطياف المعارضة والعودة إلى المطالبة بجلوس «أطراف معارضة أخرى» قريبة من موسكو والنظام إلى طاولة المفاوضات.
رغم أهمية وقف الأعمال العدائية وما توفره من فرص لإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، فإن فرنسا لا تعتبر أنها يمكن أن تكون «هدفا بحد ذاته». فمن جهة، لا ترى أن هدنة كهذه يمكن أن تصمد من غير أن يرافقها «مسار سياسي»، أي العودة إلى طاولة المفاوضات. ومن جهة ثانية، ترى أن استئناف المفاوضات لن يكون ذا جدوى إذا لم يتم التركيز سريعا على البحث في عملية الانتقال السياسي التي تتمسك بها المعارضة والدول الداعمة لها. ووفق النظرة الفرنسية، فإن مسألة بقاء الرئيس الأسد في السلطة ستطرح سريعا. وموقف فرنسا قريب جدا من موقف «الهيئة»، إذ ترى أن على الأسد أن يخرج من المشهد مع بدء المرحلة الانتقالية أي بعد ستة أشهر من بدء المفاوضات «أول شهر فبراير (شباط)» فيما ينص القرار الدولي رقم 2254 على إجراء انتخابات بعد 16 شهرا ومن غير الإشارة إلى مشاركة الأسد فيها أم لا.



مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
TT

مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)

استهلت جماعة الحوثيين شهر رمضان بتنفيذ حملات تعسف ضد أفران الخبز الخيرية بالعاصمة المختطفة صنعاء، وذلك في سياق إعاقتها المتكررة للأعمال الإنسانية والخيرية الرامية للتخفيف من حدة معاناة اليمنيين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وتحدثت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن بدء مشرفين حوثيين برفقة مسلحين يتبعون ما تسمى «هيئة الزكاة الحوثية» تنفيذ حملات دهم بحق مخابز خيرية تتبع مبادرات تطوعية ومؤسسات خيرية ورجال أعمال في مديريات متفرقة بصنعاء، لإرغام العاملين فيها على دفع إتاوات، أو تعرضها للإغلاق والمصادرة.

وأكدت المصادر أن الحملة المباغتة استهدفت في أول يوم من انطلاقها 14 مخبزاً خيرياً في أحياء بيت معياد وبير عبيد والجرداء والقلفان والسنينة ومذبح بمديريتي السبعين ومعين بصنعاء، وأسفرت عن إغلاق 4 مخابز منها لرفضها دفع إتاوات، بينما فرضت على البقية دفع مبالغ مالية يتم توريدها إلى حسابات ما تسمى «هيئة الزكاة».

اتساع رقعة الجوع يجبر آلاف اليمنيين للاعتماد على المبادرات الإنسانية (أ.ف.ب)

وأثار الاستهداف الحوثي موجة غضب واسعة في أوساط السكان والناشطين في صنعاء، الذين أبدوا استنكارهم الشديد لقيام الجماعة بابتزاز المخابز الخيرية، رغم أنها مُخصصة للعمل التطوعي والخيري، وإشباع جوع مئات الأسر المتعففة.

استهداف للفقراء

واشتكى عاملون في مخابز خيرية طاولها استهداف الحوثيين في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، من تكثيف حملات التعسف ضد المخابز التي يعملون فيها، وأكدوا أن الحملة التي شنتها الجماعة أجبرتهم على دفع إتاوات، بينما هددت أخرى بالإغلاق حال عدم الاستجابة لأوامرها.

واتهم العاملون الجماعة الحوثية بأنها تهدف من خلال حملات التعسف لتضييق الخناق على فاعلي الخير والمؤسسات والمبادرات التطوعية الإنسانية والخيرية بغية منعهم من تقديم أي دعم للفقراء الذين تعج بهم المدن كافة التي تحت قبضتها.

امرأة في صنعاء تبحث في برميل القمامة عن علب البلاستيك لجمعها وبيعها (الشرق الأوسط)

ويزعم الانقلابيون الحوثيون أن حملتهم تستهدف الأفران التي تقوم بتوزيع الخبز خلال رمضان للفقراء بطريقة تصفها الجماعة بـ«المخالفة»، ودون الحصول على الإذن المسبق من «هيئة الزكاة»، والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية التابع لها، والمخول بالتحكم في المساعدات.

وبينما حذرت مصادر إغاثية من مغبة استمرار الاستهداف الحوثي للمخابز الخيرية لما له من تأثير مباشر على حياة ومعيشة مئات الأسر الفقيرة، اشتكت عائلات فقيرة في صنعاء من حرمانها من الحصول على الخبز نتيجة حملات التعسف الأخيرة بحق الأفران.

وتؤكد المصادر الإغاثية أن التعسف الحوثي يستهدف الفقراء والمحتاجين في عموم مناطق سيطرة الجماعة من خلال مواصلة انتهاج سياسات الإفقار والتجويع المتعمدة، والسعي إلى اختلاق مبررات تهدف إلى حرمانهم من الحصول على أي معونات غذائية أو نقدية.

نقص الغذاء

ويتزامن هذا الاستهداف الانقلابي مع تحذيرات دولية حديثة من نقص الغذاء في اليمن حتى منتصف العام الحالي.

وفي تقرير حديث لها، نبَّهت «شبكة الإنذار المبكر من المجاعة» إلى أن ملايين اليمنيين سيعانون من عجز حقيقي في استهلاك الغذاء حتى منتصف العام الحالي على الأقل، حيث تستمرُّ الصدمات الاقتصادية الكلية، الناجمة عن الصراع المستمر في البلاد، في تقييد وصول الأسر بشدة إلى الغذاء.

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

ولفتت الشبكة المعنية بمراقبة أوضاع الأمن الغذائي في العالم والتحذير من المجاعة إلى أن مجموعة من المناطق تحت سيطرة الحوثيين لا تزال تواجه نتائج الطوارئ، وهي «المرحلة 4» من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي على بُعد مرحلة واحدة من المجاعة.

واعتاد الانقلابيون الحوثيون منذ سنوات أعقبت الانقلاب والحرب، على استخدام مختلف الأساليب والطرق لتضييق الخناق على الجمعيات والمبادرات المجتمعية الإنسانية والخيرية، بغية حرمان اليمنيين من الحصول على أي مساعدات قد تبقيهم على قيد الحياة.