مع خفقان الريح على طول الحافة الشرقية لضاحية أستون بارك في صباح يوم ثلاثاء عاصف، وصفيرها تحت مظلة مدرج «ترينيتي رود ستاند»، من السهل أن يتخيل المرء «فيلا بارك» كملعب مهجور. ويمكن أن يكون هذا مكانا من النوع الذي تزوره أشباح المشجعين وتلتقط الصور للخلفية الرمادية الغائمة التي يتداخل معها اللون الأخضر الكئيب للعشب النامي وسط شقوق طلاء الحواجز الفاصلة بين المدرجات.
لا يعتبر حي أستون نموذجا مثاليا لمنطقة وسط مدينة مزدهرة، لكن كل ما يحيط بمعقل أستون فيلا، بما في ذلك الملعب نفسه، يعود إلى الحياة لبضع ساعات كل مساء في أيام السبت. تعود البهجة، وتنعش الأضواء الكاشفة أفق السماء. يتدفق عشرات الآلاف من المشجعين بطقوسهم المعتادة.
لكن عدد المشجعين المستعدين لتحمل مباراة خالية من المتعة لأستون فيلا بدأ يتناقص أخيرا. ومن بين كل العلل التي حلت بكرة القدم في العصر الحديث، لا يكاد يكون هناك أي ذكر لهذه الحقيقة. إن الأندية الصغيرة فيما دون المستوى الاحترافي تقترب من إغلاق أبوابها؛ أما تلك الأقرب من قاع الهرم فهي بحاجة إلى مراجعة مدير البنك قبل أن تضيء أنوارها.
ومع هذا، فأستون فيلا واحد من أندية الدوري الممتاز، وإن كان مؤقتا. من غير المرجح أن تكون مشكلاته قاتلة، كما أن جروح هبوطه الوشيك إلى الدرجة الأولى لن تكون مميتة، غير أنه عندما تقترب الأندية الكبرى من الهبوط من المعتاد أن تكون هناك مجموعة من المشجعين من أصحاب الصوت العالي الذين يتحدثون عن كيف تسبب الكثير من المذنبين في «قتل» النادي.
في فيلا، يعتبر الحديث عن موت النادي سابقا لأوانه، ومع هذا فثمة سبب للاعتقاد بأن النادي منذ وقت طويل في حال أسوأ من حال المناطق المحيطة به، ويمضي سريعا نحو اليأس والانهيار. وهذا العدد الهائل من المشجعين، المتواجدين إما بوازع الإحساس بالواجب، أو بسبب المتعة التي تجلبها مباراة كرة القدم في حد ذاتها، يتواجدون في الصباح ليس من أجل النادي، وإنما بسبب الشعور بالأمل الذي من المفترض أن يكون جزءا من تجربة أي مشجع. وحتى وإن كان الأمل في تحقيق النجاح بعيدا عن المتناول، فإن وجود النادي في حد ذاته يعتبر الأساس لمعنى التشجيع.
ورغم المسلسل السخيف لأندية الطبقة العليا في الدوري الممتاز، فإنه ليس لأي ناد لكرة القدم حق إلهي في أن ينجح، كما أنه ليس لأي مشجع رخصة لمطالبة فريقه بتحقيق النجاح. في كرة القدم غيرت ثورة الشركات اللعبة، ولكنها ما زالت رياضة، إذا لا بد أن يكون هناك فريق خاسر. في الدوري الإنجليزي وفي غالبية الدوريات الكبرى الأخرى حول العالم، لا بد أن تكون هناك كذلك فرق هابطة.
إن مسؤولية معاناة فيلا ضد الهبوط على مدار 5 سنوات تقع على عاتق مالك النادي، راندي ليرنر، الذي تولى مسؤولية النادي من دوغ إليس وصغار المساهمين في صيف 2006. لقد بدأ عقد من سوء الإدارة بتحسن تدريجي في أداء الفريق تحت قيادة المدرب مارتن أونيل لكن السوس كان قد بدأ ينخر النادي وقت الرحيل المر لأونيل عن النادي في أغسطس (آب) 2010.
لقد استند الوصول إلى المركز السادس على مدار ستة مواسم متتالية، على معدل لنسبة الأجور إلى الإيرادات، تفيد تقارير بأنه وصل إلى 85 في المائة. ولم يكن إخفاق النادي في ترجمة الفرص إلى مكان في دوري الأبطال الأوروبي، نتيجة لعدم قدرة لاعبي الفريق الأول على أن يكونوا على مستوى هذا التحدي. وبعد 6 سنوات فإن ما يتم تجاهله في كثير من الأحيان هو مجموعة الصفقات المكلفة التي لم يتم استخدامها أبدا.
كان فيلا في عهد أونيل يطلب أداء مزلزلا وقويا من عدد صغير على نحو مقلق من اللاعبين المحوريين. لم يتم استغلال الأموال المكتسبة من بيع أشلي يونغ أو جيمس ميلنر، وإنما أنفقت على لاعبين لم يحصلوا على فرصة تذكر لإثبات أحقيتهم بالأموال التي دفعت فيهم.
إن القرارات وأوجه القصور التي أحاطت بإخفاق فيلا في الوصول إلى مستوى جديد في عهد أونيل كثيرة، ولكن لن يمر أي نقاش من دون ذكر موسكو. في فبراير (شباط) 2009. توجه فيلا لملاقاة سيسكا موسكو على ملعب لوجنيكي، بعد أن كانا تعادلا بهدف لكل فريق في إنجلترا. وفي أعقاب الهزيمة 0 - 2، كان على المدرب الاسكوتلندي الدفاع عن اختياره لتشكيل كان بالكاد يوصف بأنه فريق من البدلاء.
أقام أونيل في النهاية عشاء لمشجعي فيلا المسافرين مع الفريق، لكن جهود فريقه لإنهاء الدوري الممتاز في المركز الرابع انهارت بعد ذلك. في مباراة شهيرة، أضاع تقدمه بهدفين أمام ستوك سيتي، قبل أن يخسر 4 مباريات متتالية، وليواصل نزيف النقاط بعد ذلك بتعادلين متتاليين على ملعبه. ولم يشهد الفريق أي تقدم منذ ذلك الحين.
وبينما كان اللاعبون ينتظرون الوصول المتأخر للمدرب جيرارد هولييه كبديل لأونيل، كانت بعض الحقائق قد بدأت تكشف نفسها في فيلا بارك. كان الفريق متخما باللاعبين القدامى ولاعبين يمثلون عبئا عليه. كما وأن ظهور مانشستر سيتي بقوته المالية الجديدة جعل فكرة تأهل أندية قليلة الإنفاق إلى دوري الأبطال الأوروبي تبدو كالسراب. والأسوأ من كل هذا أن قائمة الرواتب كانت تنطوي على تأثير كارثي محتمل.
وما إن تولى هولييه المسؤولية أخيرا بعد حصوله على موافقة الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، حتى باتت هشاشة وضع فيلا واضحة. أفلت هولييه من أسوأ ما في عملية خفض الإنفاق لكن فريقه اقترب من منطقة الهبوط.
لم تكن الحاجة إلى ضبط قائمة الأجور في فيلا في أي وقت موضوعا لأي مناقشة جادة فعليا، لكن ما حدث في أعقاب الفترة التي قضاها هولييه، جرد النادي من كل شيء ولم تترك إلا القشور. كان تعيين أليكس ماكليش بعد المفاوضات مع روبرتو مارتينيز وستيف ماكلارين كشفا عن غياب التخطيط لدى المالك ليرنر، ورغم تمتعه بالدعم الكافي لتأمين التعاقد مع لاعب ما زالت له بصمته في النادي، إلا أن ماكليش أوضح منذ ذلك الحين أن مهمته تتعلق بالنواحي المالية كما تتعلق بكرة القدم.
استمر بول لامبرت في قيادة الفريق لفترة أطول، لكن هذا كان في ظل موجة من عدم الكفاءة الإدارية وخفض ضار للنفقات. رحل لامبرت عن فيلا في فبراير 2015، وقد اشتد بياض شعره وصار أكثر نحافة عما كان عليه عندما في صيف 2012. إن عجزه عن وقف انهيار الفريق يجعله مسؤولا بشكل جزئي، لكن شأن ماكليش، فإن مهمة لامبرت لم تكن الفوز بالمباريات، إنما كانت تقليل فاتورة الرواتب بينما يحاول إنقاذ الفريق.
وقد كان لتراجع ليرنر المحموم باسم الاستدامة تأثير عكسي لأنه لم يكن مدركا أو مستعدا للاعتراف بحقيقة أساسية: لا يمكن لناد أن يتراجع ويتوقع أن يظل في مكانه. وحتى في ظل الطفرة المالية غير المعقولة وغير المسبوقة في الدوري الممتاز، حاول قدماء أستون فيلا غير المدركين أن يقاتلوا ببسالة في لعبة يسيطر عليها الأغنياء.
كان لدى ليرنر ومساعديه الكثيرين أكثر من خمس سنوات لتصحيح الأخطاء التي وقعت بين 2008 و2010. لكنهم لم يقتربوا من القيام بذلك. عند لحظة معينة قبل مايو (أيار) سيجربون الهبوط، كما أن غضب المشجعين لا تحركه حقيقة الهبوط نفسها، بل الاعتقاد بأن هذا الهبوط هو نتيجة لسنوات من الإهمال – وفي داخل هذا الإهمال غير المبرر غياب الأمل وأي وجود للنادي الذي مات.
أعلن مالك النادي الأميركي «الغائب» نيته بيع النادي في مايو 2014. قام بتغيير عدد من الرؤساء التنفيذيين، والآن رئيسا ومديرا رياضيا. من الجنرال تشارلز كرولاك في الأيام الأولى، إلى الرئيس الجديد ستيف هوليس في 2016. كان هناك تفاوت في الأدوار التي لعبها أقرب مساعدي ليرنر، وكذلك في عقلياتهم، ولكن يمكن اتهامهم جميعا بأنهم تجسيد لمبدأ بيتر، والذي يقول بأن الأفراد تتم ترقيتهم بسبب أداءهم دورا ما، ليجدوا أنفسهم في مكان لا يستحقون الوصول إليه.
كما أن ليرنر نفسه يتحمل المسؤولية عما آل إليه حال أستون فيلا. فبالنظر إلى الموارد، والحضور الجماهيري وإمكانيات النادي، يصعب التماس العذر له. لقد أشرف مالك كليفلاند براونز السابق على منحنى هابط استمر على مدار سنوات كثيرة.
أما المنعطف الأخير، والذي يعد بمثابة سكب الملح على الجرح، فهو أن فيلا كان ينبغي أن يكون في صيف 2015 في مكان يمكنه من وقف الانهيار وتعزيز وضعه. تحولت الصفقة قليلة التكلفة التي أبرمها لامبرت إلى جوهرة ثمينة، المهاجم البلجيكي كريستيان بنتيكي، الذي جدد عقده الأول وضمن الثاني شرطا للاستغناء عنه بسداد 32.5 مليون إسترليني. دفع ليفربول المبلغ، كما دعم بيع فابيان ديلف إلى مانشستر سيتي من القوة المالية لأستون فيلا خلال الصيف.
غير أن النادي أساء إدارة نافذة الانتقالات، وحدثت الكثير من الأمور في الشهور التالية فيما يتعلق بلجنة الانتقالات، لكن كان الخطأ الفادح، وهو إهدار آخر فرصة لتعديل مسار السفينة، هو التعجل في تعيين خليفة لامبرت. سمح القائمون على أمر فيلا لتيم شيروود بأن يتنكر في زي مدرب كرة قدم في قلب موسم 2015 - 2016. أقيل في أكتوبر (تشرين الأول) ؛ لكن كان قد انتهى أمر الفريق بالفعل.
إن تراجع أستون فيلا خلال هذا الموسم هو مجرد واحد من أعراض تخلي مالك النادي عنه على المدى الأطول. وقد أعقب الفترة الطويلة، والمحيرة، التي قضاها شيروود كمدير فني، نتائج جعلت أستون فيلا يقبع في قاع الجدول.
لم يتم التعاقد مع أي لاعب خلال انتقالات يناير (كانون الثاني)، وهو تطور قد يبدو مفهوما بالنظر إلى وضع فيلا، لكن هذا كان في واقع الأمر، نتيجة أخرى. لم يستسلم المدرب الجديد، ريمي غارد. والنادي الذي لديه الآن مالك ورئيس ومدير تنفيذي لم يكن قادرا على أن يصطنع شكلا من أشكال الكفاءة لما يكفي من الوقت لدعمه.
كان تعيين غارد هو المحاولة الوحيدة لانتشال فيلا، الذي كان قد كتب عليه الهبوط منذ أول أيام الموسم. كانت خطوة من قبيل المغامرة، تماما كتلك التي أنقذت الفريق في 201 - 2015. وكانت بمثابة محاولة يائسة أخيرة لكنها لم تنجح هذه المرة – رغم احتمالية أن يبقى غارد في الذاكرة باعتباره الرجل المناسب الذي تأخر قدومه.
وكمدينة في حاجة إلى أن تبعث من جديد، كذلك أستون فيلا يمر بحالة سيئة ويحتاج للإصلاح. لقد تخلى عنه مالكه، وهو ملياردير من الجيل الثاني، والذي ألقى قبل انسحابه من النادي، بمسؤولين غير مؤهلين في مهمة يصفها أعظم العمال بأنها «تحد». وبسبب عمق مشكلة فيلا، فإن هبوط هذا النادي، وهو من أقدم أندية الدوري الممتاز، يكاد يقابل باستهجان جماعي.
الآن يعيش النادي حالة مستمرة من الجمود الذي يشهده صباح كل يوم ثلاثاء في أستون. أبواب المتاجر مغلقة، وتخفق أغلفة الوجبات السريعة بعنف في وجه الريح ألعابسة، والشوارع مهجورة.
على كلتا الناحيتين لبوابات مرأب السيارات المغلقة، يجلس أسد في زهو، يرفع أحد مخالبه، بينما يطل في الخلفية المدرج الجميل.
أستون فيلا.. نادٍ يتراجع وسط غياب الأمل بالتقدم
الاعتقاد بأن الهبوط المنتظر من الدوري الممتاز هو نتيجة لسنوات من الإهمال
أستون فيلا.. نادٍ يتراجع وسط غياب الأمل بالتقدم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة