السفير عسيري لـ {الشرق الأوسط}: ما قامت به الحكومة اللبنانية لا يكفي وعليها تصحيح الأخطاء

الكويت وقطر تنضمان إلى السعودية بمنع المواطنين من السفر إلى لبنان * الحريري: على حزب الله أن يفهم أنه ليس وحده في البلد

علي عواض عسيري السفير السعودي لدى لبنان مستقبلا وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أمس (دالاتي ونهرا)
علي عواض عسيري السفير السعودي لدى لبنان مستقبلا وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أمس (دالاتي ونهرا)
TT

السفير عسيري لـ {الشرق الأوسط}: ما قامت به الحكومة اللبنانية لا يكفي وعليها تصحيح الأخطاء

علي عواض عسيري السفير السعودي لدى لبنان مستقبلا وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أمس (دالاتي ونهرا)
علي عواض عسيري السفير السعودي لدى لبنان مستقبلا وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أمس (دالاتي ونهرا)

لليوم الثاني على التوالي، غصت السفارة السعودية في بيروت بوفود لبنانية متضامنة مع المملكة، ما حدا بالسفارة إلى تمديد فتح أبوابها لليوم الثالث، وهي حشود وصفها السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري بأنها «استفتاء على محبة المملكة».
وعبر السفير عسيري عن شكره وتقديره ومحبته لكل «من تكبد العناء وأتى إلى السفارة السعودية من كل المناطق اللبنانية للتعبير عن الوفاء اللبناني للمملكة وقيادتها وشعبها». وقال السفير عسيري لـ«الشرق الأوسط» إن «ما شوهد في السفارة السعودية اليوم (أمس) وقبله (من حشود أمت السفارة) هو في حد ذاته رسالة استفتاء لمدى محبة الشعب اللبناني للمملكة وقياداتها وشعبها، ودليل دامغ على تجذر العلاقات بين البلدين والشعبين».
وأكد عسيري أيضا أن ما قامت به الحكومة اللبنانية في بيانها الأخير «غير كاف»، مشيرا إلى أن المملكة ما زالت تتطلع إلى موقف أكثر إيجابية، مشددا على ضرورة تصحيح مسار العلاقات بين البلدين، وتصحيح الخطأ الذي حصل بحق المملكة. وردا على سؤال عما تنتظره المملكة، قال عسيري: «هذا الأمر من مسؤولية المسؤولين اللبنانيين، وبالتحديد أولئك الذين تسببوا بهذا الخطأ في المقام الأول».
وردا على ما تردد في بيروت عن عزم المملكة وقف رحلات الخطوط الجوية السعودية إلى بيروت، أكد السفير عسيري أن السفارة لم تتلق أي إشعار بذلك، وأنه «لا توجهات حاليا بهذا المعنى»، مشيرا إلى أن التحذير الذي أطلق للمواطنين السعوديين بشأن السفر إلى لبنان «ينطلق من حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على رعاياها ومواطنيها».
وأوضع عسيري أنه زار أمس رئيس الحكومة تمام سلام بناء على طلب الأخير، مشيرا إلى أن الرئيس تمام سلام «حملني رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسأنقلها نصًا وروحًا إلى قيادتي الرشيدة».
وانضمت الكويت وقطر، اليوم، إلى السعودية والإمارات والبحرين في طلب مواطنيها مغادرة لبنان فورًا وعدم السفر إليه.
وقال بيان للسفارة الكويتية في بيروت، أمس، إن على الكويتيين الموجودين في لبنان أخذ الحيطة والحذر وتجنب الأماكن غير الآمنة طالبة ممن يرغب السفر إلى لبنان حاليًا التريث. وفي الشأن ذاته، طالبت الخارجية القطرية جميع مواطنيها من عدم السفر إلى لبنان. وطلبت في بيان لها صدر بعد ظهر أمس من القطريين الموجودين على أراضي الجمهورية اللبنانية مغادرتها والاتصال بالسفارة القطرية في بيروت لتقديم التسهيلات والمساعدة اللازمة لهم.
وإلى مقر السفارة، وصلت شخصيات سياسية على رأس وفود شعبية، لتأكيد التضامن مع المملكة، بينهم رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والنائب أحمد فتفت، والنائب محمد الحجار، والنائب خالد الضاهر، ووفد علماء برئاسة مفتي عكار، ووفد من «القوات اللبنانية» برئاسة النائب أنطوان زهرا، ووفد من كتلة «نواب الكتائب»، ووفد من «حزب النجادة»، ووفد من «حزب الوطنيين الأحرار»، ووفد من «تيار المستقبل» في إقليم الخروب، ووفد من المحكمة الشرعية في طرابلس.
وزار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق السفارة السعودية، وقال إثر لقائه سفير المملكة علي عواض عسيري: «لا بد من الاعتراف بأن هناك أزمة جدية تتعلق بمواقف حزب الله المعتدية على السعودية، لذلك القرار السعودي ليس غريبا ولا مفاجئا». وعدّ أن «أفضال المملكة السعودية على لبنان أكثر من أن تحصى، وهذا ليس بحاجة إلى شهادة من أحد»، وقال: «عسى أن نستعيد العلاقات الطبيعية مع دول مجلس التعاون، لأنه لا خيار للبنان إلا بعروبته». وأضاف: «إذا ما بقي هناك نسبة من الوطنية عند الأطراف، فيجب الوصول إلى حل، وإلا الأزمة ستكبر. لن نتوقف عن المحاولة والحوار إلى أن يحصل ما لا نريده، عندها لكل حادث حديث». وأضاف: «الرد لا يكون بالتعرض للمقامات السعودية بطريقة همجية، وإلا ستكبر الأزمة».
هذا، وأكد وزير الصحة وائل أبو فاعور أن «لبنان مستعد لكل ما من شأنه تصحيح الأخطاء التي صدرت عن وزارة خارجيته في المؤتمرات الأخيرة»، مشددا على أن «جحود بعض القوى اللبنانية تجاه السعودية لا يعبر عن الرأي العام اللبناني». وفي تصريح له بعد زيارته السفارة السعودية، رأى أبو فاعور أن «الموقف اللبناني العام هو تقدير ما قامت به السعودية من جهود أمنية وسياسية لحفظ استقرار لبنان»، عادّا أن «الموقف الذي صدر من الحكومة ليس تحايلاً لغويًا، بل تعبير واضح جدا عن أننا ملتزمون بالأمن العربي والوحدة العربية بوجه التدخلات التي تحصل في المنطقة، خاصة من قبل إيران». وأوضح أبو فاعور أن «عروبة لبنان تقتضي أفضل العلاقات مع العرب، خاصة السعودية التي وقفت إلى جانبنا».
كذلك، وصل الوزير السابق عدنان القصار على رأس وفد من الهيئات الاقتصادية اللبنانية للتضامن مع المملكة العربية السعودية، في ظل الحملات التي تتعرض لها. وقال القصار: «المطلوب اليوم في ضوء القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية وكثير من دول مجلس التعاون الخليجي، أن يكون هناك تحرك عاجل، وموقف حازم من قبل الحكومة اللبنانية، ومن كل شخص غيور وحريص على أن تظل العلاقة بين الشقيق الأكبر (المملكة العربية السعودية) والشقيق الأصغر (لبنان)، بألف خير، وألا تشوبها شائبة، لأن لبنان في ظل ما يعيشه من ظروف داخلية، وفي ظل ما تمر به المنطقة من تحولات، يحتاج إلى الدعم والمساندة من أشقائه العرب، لا سيما الخليجيين». وأبدى تخوفه «من أن ينعكس استمرار التهجم على المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، سلبا على اللبنانيين المقيمين والعاملين في دول مجلس التعاون الخليجي»، مشددا على أن «مصلحة لبنان ليست في معاداة أشقائه العرب، ولا سيما الخليجيين، بل في المحافظة على العلاقات المميزة التي لطالما تكرست على مدى السنوات والعقود الماضية».
وكان النائب فتفت عدّ إثر لقائه السفير السعودي علي عواض عسيري، أن «بيان مجلس الوزراء كان خطوة صغيرة جدا، وكلام وزير الخارجية جبران باسيل كان غير مسؤول»، محملا المسؤولية «مباشرة لحزب الله على هذه المصيبة الكبيرة التي أوقعوا لبنان فيها، وهي جريمة بحق لبنان واللبنانيين»، عادّا أن حزب الله «مستمر في غيّه، والأمور لن تستطيع أن تحل بهذا الشكل طالما أن حزب الله يواصل شتائمه وتهجمه على المملكة العربية السعودية؛ مملكة الخير».
من جهته، عدّ النائب أنطوان زهرا الذي ترأس وفد حزب «القوات اللبنانية» أن «هذه الحكومة أعلنت سياسة النأي بالنفس، وتحولت إلى غطاء لتدخل حزب الله في سوريا والدول العربية، ونحن لم ندخلها حتى لا نشارك في تأمين هذا الغطاء. والحكومة ليست مجلسا رئاسيا، بل هي جسم واحد، وإذا أخطأ وزير، فإنها تصحح الخطأ مجتمعة».
وفتح «تيار المستقبل»، أمس، والجمعيات الصديقة، أبواب مكاتبه أمام حملة التوقيع المليونية على «وثيقة لبنان للإجماع العربي» التي أعلن رئيس الحكومة الأسبق ورئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، عن إنشائها، لشكر المملكة وكل دول مجلس التعاون الخليجي على مساهماتهم ومساعداتهم للبنان وكل مؤسساته الشرعية، حيث شهدت مكاتب التيار عشرات الآلاف ممن وقعوا على العريضة، في وقت استمرت فيه الوفود الشعبية والشخصيات المؤيدة والمتضامنة مع المملكة العربية السعودية، في التوافد إلى مقر السفارة في بيروت.
وأكد الأمين العام المساعد لـ«تيار المستقبل» صالح فروخ لـ«الشرق الأوسط» أن توقيع الوثيقة «شهد إقبالاً كبيرًا جدًا في مختلف المناطق اللبنانية»، مشيرًا إلى أنه بعد توقيع الوثيقة المليونية «يقرر الرئيس سعد الحريري ما إذا كان سيتم نقلها إلى المملكة، أو تسليمها للسفارة السعودية في بيروت لنقلها إلى المملكة».
وفي سياق متصل، استقبل الرئيس سعد الحريري بعد ظهر أمس في «بيت الوسط» وفدا موسعا من رجال الدين ورؤساء البلديات والمخاتير والشخصيات من منطقة عكار، وقال إن «السيناريو الذي وضعه حزب الله لضرب رمزية الدور الوطني للرئيس الشهيد رفيق الحريري وتفرقة وتجزئة اللبنانيين وتفريخ شخصيات وزعامات ضدنا طوال السنوات الماضية، فشل بفضلكم وبفضل كل الناس الأوفياء والمخلصين أمثالكم، ولم يستطيعوا تحقيق أهدافهم». وقال: «يجب على حزب الله أن يفهم أنه ليس لوحده في البلد، وأن هناك مصالح للبنانيين في كل العالم، وهو يعرض لبنان وكل اللبنانيين في كل العالم العربي لمشكلات ومخاطر، خصوصا في الخليج ومع الجامعة العربية».
وأشار إلى أن «الحملات التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية وإحراق السفارة السعودية في طهران، قوبل باستنكار كل العالم واللبنانيين أيضا، إلا وزير خارجية لبنان جبران باسيل، ومن خلفه حزب الله، اللذين رفضا استنكار ما حصل».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».