قال ديدييه بوركهالتر، وزير الخارجية السويسري، إن بلاده على استعداد لأن تضطلع بدورها التقليدي كبلد محايد، للمساهمة بشكل فعّال في ما يتعلق بتخفيف التوترات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، من خلال التعاون الوثيق مع السعودية كشريك استراتيجي.
وقال بوركهالتر، وهو عضو المجلس الفيدرالي، في حوار مع «الشرق الأوسط»: «إن التعاون بين سويسرا والسعودية سيمنحنا القدرة على مواجهة التحديات المتعددة التي تؤثر علينا جميعا»، مشددا على أهمية ضمان أمن البعثات الدبلوماسية كما هو منصوص عليه بموجب القانون الدولي، في إشارة إلى الاعتداء الإيراني على السفارة السعودية مؤخرا.
وزاد بوركهالتر: «تأتي خصوصية العلاقات السعودية - السويسرية، في وقت دقيق للغاية، وفي بيئة مليئة بالتحديات الحالية، ولذلك سنرتقي بهذه العلاقات لتجاوز جانب التجارة والاقتصاد، لتشمل التعاون الإنساني والمياه والطاقة، والسياسة الأمنية وحقوق الإنسان». وأوضح بوركهالتر أن بلاده تشارك بكل طاقاتها في مكافحة الإرهاب، من خلال إجراءات قانونية صارمة، وفرض تدابير لمنع انتشار التطرف العنيف، لضمان عدم إساءة استخدام أراضيها من قبل المجرمين العابرين لحدودها، وقطع تدفق الموارد المستخدمة في ارتكاب أعمال إرهابية، كالموارد المالية والاقتصادية والأسلحة والمقاتلين. وفي ما يلي نص الحوار:
* كيف تنظرون إلى أهمية العلاقات السعودية - السويسرية على المستوى الثنائي سياسيا واقتصاديا؟
- دعني أولا أن أذكر لك أننا نحتفل هذا العام 2016 بمرور 60 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسويسرا، وهي مدة طويلة تعبر عن أهميتها، لكن عموما نستطيع القول إن علاقاتنا مع السعودية أقلّ ما يقال عنها إنها علاقات صداقة حميمة وتعاون اقتصادي مفيد، إلى جانب علاقتنا السياسية المتوازنة بحكم موقعنا من السياسة العالمية الكلية، وتأتي خصوصية العلاقات السعودية - السويسرية في وقت دقيق للغاية وفي بيئة مليئة بالتحديات الحالية، ولذلك فإنه من المهم أن نرتقي بهذه العلاقات لتشمل أكثر من جانب التجارة والاقتصاد، لتتجاوزه إلى جوانب أخرى مهمة جدا في مسيرة العلاقة بين البلدين. وعموما فإننا في سويسرا حريصون على توسيع علاقاتنا مع السعودية في مجالات قطاعات مهمة، مثل التعاون الإنساني والمياه والطاقة، والسياسة الأمنية وحقوق الإنسان.
* كيف لسويسرا كبلد معني بالحياد بحكم موقعها الدبلوماسي والسياسي العالمي أن توظف علاقتها مع السعودية للعب دور أكثر فعالية تجاه القضايا الملحة التي تحاول بعض الجهات اختطافها من المجتمع الدولي ليتماشى ذلك مع أجندتها الخاصة؟
- بالفعل، إن سويسرا بلد معني بالحياد، بحكم موقفها التاريخي، وموقعها الدبلوماسي والسياسي العالمي، فهي مقرّ لمعظم المنظمات الدولية المعنية بذلك، بما في ذلك ثاني أكبر مكتب للأمم المتحدة، وبالتالي فإن سويسرا على أهبة الاستعداد لأن تضطلع بدورها التقليدي كبلد محايد كما أسلفنا الذكر، من خلال مساعيها الحميدة والإيجابية دائما، للمساهمة بشكل فعّال في ما يتعلق بتخفيف التوترات السياسية بشكل عام، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، ولذلك من خلال التعاون الوثيق مع شركائنا الاستراتيجيين فقط، مثل السعودية، سنكون قادرين على مواجهة التحديات الكثيرة التي تؤثر علينا جميعا.
* كيف يمكن تعزيز العمل المشترك بين سويسرا والسعودية في محاربة الإرهاب في ظل انتشار ظاهرته العابرة للحدود؟
بطبيعة الحال، تشارك سويسرا بكل طاقاتها في مكافحة الإرهاب، عن طريق اتخاذ إجراءات قانونية صارمة، فضلا عن فرض تدابير لمنع انتشار التطرف العنيف للحيلولة دون وقوع جرائم بسببه، وبالتالي فإن سويسرا حازمة وماضية في تصميمها على ضمان عدم إساءة استخدام أراضيها من قبل المجرمين العابرين لحدودها، وتولي اهتماما كبيرا للعمل على قطع تدفق الموارد المستخدمة في ارتكاب أعمال إرهابية، وهذا بطبيعة الحال ينطبق على الموارد المالية والاقتصادية والأسلحة، وكذلك المقاتلين، وكل ما من شأنه تمكين آفة الإرهاب من تفكيك النسيج المجتمعي والسياسي ونشر الفكرّ الضّال.
* كيف لسويسرا المساهمة في إنجاح الحلول السياسية لكل من الأزمة السورية واليمنية تحديدا؟
- نعم سويسرا بلد محايد، وظلت ملتزمة بهذا الحياد على مرّ التاريخ، ولذلك فإنه بسبب حيادها وكمسألة مبدأ أيضا، فإن سويسرا لا تنضم للتحالفات العسكرية ولا تدعم العمليات العسكرية، إذ إن الكونفدرالية السويسرية مع أنها تشكلت على مدى قرون عدة، فإنها تميّزت منذ نهاية القرن الثالث عشر بحرصها على الحياد وابتعادها عن الدخول في حروب مع جيرانها، لذلك فإن حياديتها مبدأ سارت عليه وستظل عليه، وهذا أيضا دور إيجابي يفضي للحلول العادلة للأزمات دون تدخل لصالح جهة دون الأخرى.
* ما مدى أهمية تطبيق قرارات فيينا 1961 القاضي بحماية البعثات الدبلوماسية على خلفية الاعتداء الإيراني على السفارة السعودية؟
- أكدت سويسرا في بيانها الصحافي الصادر في 4 يناير (كانون الثاني) 2016، أهمية ضمان أمن البعثات الدبلوماسية كما هو منصوص عليه بموجب القانون الدولي.
* ما خطوات مبادرتكم لتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران.. ومتى ستبدأ فعليا؟
- بمناسبة زيارتي الأخيرة إلى السعودية في 14 فبراير (شباط)، 2016 التي بحثت فيها مع كبار المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، سبل تعزيز العلاقات بين البلدين الصديقين، فإنني كلّفت أيضا بإبلاغ السلطات السعودية رسميا، بطلب تقدمت به إيران تطلب فيه من سويسرا تمثيل مصالح طهران في السعودية، ونظرا للعلاقات الجيدة التي تجمع سويسرا بكلا البلدين، التي ينسجم تماما مع اهتمامها بتعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة، قدّمت عرضا مماثلا تقوم بموجبه سويسرا بتمثيل مصالح الرياض في إيران بموجب «تفويض حماية للمصالح» (Protecting Power Mandate)، وما زالت هناك حاجة لبحث الدور السويسري بالتفصيل مع ممثلين من كلا البلدين، علما بأن المناقشات بهذا الخصوص ستبدأ قريبا.
* عادة.. متى تبدأ الحاجة إلى تفويض حماية للمصالح؟
- بطبيعة الحال، تدعو الحاجة إلى «تفويض حماية للمصالح» (Protecting Power Mandate) في حال عمدت دولتان، عند نشوب نزاع بينهما، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية أو القنصلية، والخدمات التي يقدمها هذا التفويض تسمح للدول المعنية بالمحافظة على الحد الأدنى من العلاقات، وبالتالي فإن حماية المصالح تضطلع ببعض المهام التي كانت تقوم بها سابقا الممثلية الدبلوماسية الرسمية.
* ما طبيعة التعاون بين السعودية وسويسرا اقتصاديا.. وما المشروعات الحالية والمستقبلية؟
- تعد السعودية بالنسبة لنا سوقا مهمة للمنتجات السويسرية، وتصدر سويسرا وبشكل أساسي المنتجات الصيدلانية والآلات والساعات إلى السعودية، لكن هناك الكثير من الشركات السويسرية الأخرى التي استثمرت في السعودية وتشغّل مرافق إنتاجية ضخمة كشركة «نستله» وشركة «إي بي بي»، وبشكل إجمالي فإن هناك نحو 100 شركة سويسرية عاملة في السعودية، ونسعى – حاليا - لمحاولة ربط هذه الشركات من خلال «شبكة الأعمال السويسرية» (Swiss Business Network) التي سترى النور قريبا.
* هل من اتفاقية بعينها معنية بتنشيط التجارة بين البلدين؟
- بالتأكيد هناك اتفاقية معنية بتنشيط التجارة الحرّة بين البلدين، وهي من الأشياء التي تسرّنا، لذا فإن سويسرا إلى جانب شركائها من دول رابطة التجارة الحرة الأوروبية التي تسمى باسم «الإفتا»، والتي تضم أيضا النرويج وآيسلندا وليختنشتاين، ترتبط باتفاق للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، كما أنها جزء من منطقة شنغن، ومن شأن هذا الاتفاق أن يخفض الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الاتفاقية التي تمثل أداة قيمة جدا ستعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول «الإفتا» ودول مجلس التعاون بشكل عام وبين سويسرا والسعودية على وجه الخصوص.
وزير الخارجية السويسري: التعاون مع السعودية سيعزز العمل المشترك لاستقرار المنطقة
بوركهالتر لـ {الشرق الأوسط}: كبلد محايد نعرض جهودنا للمساهمة في تخفيف التوترات في المنطقة
وزير الخارجية السويسري: التعاون مع السعودية سيعزز العمل المشترك لاستقرار المنطقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة