مصادر دبلوماسية في باريس «تستبعد» العودة إلى جنيف وفق رغبة الأمم المتحدة

قالت إن خطة أنقرة لإيجاد منطقة آمنة شمال سوريا بعيدة المنال لأنها «تقلب الخطط الروسية»

مصادر دبلوماسية في باريس «تستبعد» العودة إلى جنيف وفق رغبة الأمم المتحدة
TT

مصادر دبلوماسية في باريس «تستبعد» العودة إلى جنيف وفق رغبة الأمم المتحدة

مصادر دبلوماسية في باريس «تستبعد» العودة إلى جنيف وفق رغبة الأمم المتحدة

من المنتظر أن يشهد مقر الأمم المتحدة في جنيف في الساعات القليلة المقبلة اجتماعين مهمين: الأول، سينعقد برئاسة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا من أجل تقويم ما تم على الجبهة الإنسانية وإيصال المساعدات إلى عدد من المدن والبلدات السورية المحاصرة. وسيضم الاجتماع الثاني ضباطًا ودبلوماسيين أميركيين وروسيين من أجل النظر في كيفية تطبيق ما نص عليه اتفاق ميونيخ (في الحادي عشر من الشهر الحالي» لجهة وقف «الأعمال العدائية» بين الأطراف المتقاتلة، الذي لا يشمل تنظيمي القاعدة وداعش. كذلك ستشهد الرياض يوم 21 الحالي اجتماعًا للهيئة العليا للتفاوض للبحث في التطورات السياسية والعسكرية والنظر في إمكانية العودة إلى طاولة المحادثات في جنيف التي علقها المبعوث الدولي حتى الـ25 من فبراير (شباط).
بيد أن استئناف المحادثات السورية - السورية يبدو اليوم بعيد المنال رغم «التقدم» الذي حصل على جبهة إيصال المساعدات الإنسانية، وهو المطلب الذي كانت تتمسك به المعارضة في جنيف التي أصرت على تنفيذ مضمون البندين 12 و13 من القرار الدولي رقم 2254 قبل أن تقبل التفاوض مع وفد النظام. وفي هذا السياق، تقول مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع في باريس إن التطورات الحاصلة في الأيام الأخيرة تجعل مصير مفاوضات جنيف غير المباشرة بين النظام والمعارضة «على كف عفريت» ليس فقط بسبب الضربات الروسية المتواصلة ضد مواقع المعارضة والجيش السوري الحر في حلب ومنطقتها والشمال السوري ولكن أيضًا بسبب التصعيد الخطير بين القوات التركية وقوات وحدات حماية الشعب الكردي. وقالت مصادر المعارضة السورية التي اتصلت بها «الشرق الأوسط» أمس إنه «سيكون من المستحيل» على المعارضة المنبثقة من مؤتمر الرياض ديسمبر (كانون الأول) الماضي أن تقبل بأي شكل كان وجود وفد ممثلين لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب لا بصفة وفد ولا بصفة مستشارين بالنظر لما يحصل في شمال حلب، حيث تستفيد هذه الوحدات من «انشغال» قوات المعارضة بالضربات الجوية الروسية وبتقدم قوات النظام للسيطرة على مواقع وبلدات ومدن واقعة تحت سيطرة المعارضة مثل مارع وتل رفعت ومحاولة السيطرة على مدينة أعزاز، آخر مواقع الفصائل المسلحة في الشمال.
من جانب آخر، تبدو التطورات الميدانية الحاصلة على الحدود التركية السورية والعملية الإرهابية التي ضربت العاصمة أنقرة يوم الأربعاء الماضي، وتوجيه تركيا أصابع الاتهام لحزب العمال الكردي ولوحدات حماية الشعب الكردية من شأنها تعقيد الوضع خصوصًا أنه ذاهب باتجاه مزيد من التصعيد الخطير. وفي هذا السياق، ترى المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن إعادة تركيا طرح مشروع «المنطقة الآمنة» لن يرى النور على الأرجح بسبب الرفض الصريح الذي يلقاه من جانب النظام وروسيا من جهة وبسبب الممانعة الأميركية والأوروبية لما يرون أنه يترتب عليه من تبعات.
وكانت موسكو قد ربطت إقامة هذه المنطقة بموافقة سوريا رسمية وبغطاء دولي من مجلس الأمن. والحال أن النظام رافض تمامًا، بينما صدور قرار من مجلس الأمن سيواجَه بالفيتو الروسي. وحقيقة الأمر أن روسيا، كما تقول هذه المصادر، تنظر إلى المشروع التركي الذي سبق أن طرح في السنوات الأخيرة بعدة صيغ «منطقة حظر جوي، منطقة آمنة، ممرات إنسانية محمية..»، على أنه «خطر على كل استراتيجيتها» في سوريا. فهو سيعني بالدرجة الأولى منع طائراتها من استهدافه وسيعني أيضًا توفير ملاذ للمعارضة المسلحة التي تستطيع استخدامه لإعادة تجميع قواتها. فضلاً عن ذلك، فإن مسألة حماية المنطقة الآمنة ستطرح بقوة وبالتالي فهل ستكون تركيا قادرة لوحدها على توفير الحماية أم أنها ستربطها كما ربطت بمشاركة قوات أرضية في محاربة التنظيمات الإرهابية بأن تكون تحت سقف التحالف الدولي وبمشاركة أميركية؟
اللافت للنظر أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت الوحيدة التي أيدت المقترح التركي. ووفق أكثر من مصدر، فإن هم ميركل الأول هو كيفية استيعاب مسألة اللجوء الكثيف للسوريين النازحين من قراهم ومدنهم ومنعهم من التدفق على بلدان الاتحاد الأوروبي، وخصوصًا على ألمانيا. ووفق المنظور الألماني، فإن نشوء منطقة كهذا سيحفز السوريين على البقاء فيها وسيريح تركيا التي لم تسمح لآلاف النازحين من الدخول أخيرًا إلى أراضيها، وساعدت على إقامة مخيمات لهم قريبًا من حدودها ولكن داخل الأراضي السورية.
وأمس، اتصل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بنظيره التركي رجب طيب إردوغان للتباحث معه في الوضع السوري. وكان لافتًا في البيان الصادر عن قصر الإليزيه خلوه من أي إشارة إلى المنطقة الآمنة. وبالمقابل، ركز الطرفان على أهمية «معاودة المفاوضات السورية - السورية» وتنفيذ مضمون القرار 2254 وبيان ميونيخ مع التأكيد على «أهمية إطلاق مسار انتقال سياسي يتمتع بالصدقية». وخلال الاتصال، عبر هولاند عن «قلقه العميق» إزاء تدهور الوضع في حلب «بسبب تواصل قصف النظام وحلفائه». بيد أن باريس قلقة أيضًا من القصف التركي الذي يستهدف مواقع وحدات حماية الشعب. ومنذ يوم الأحد، أصدرت الخارجية بيانًا شديد اللهجة دعت فيه إلى «الوقف الفوري» للضربات التركية ضد الأكراد، وكذلك لعمليات النظام وحلفائه. وتجد باريس نفسها، كغيرها من أطراف التحالف الغربي، حائرة لجهة كيفية التوفيق بين حاجتها الماسة لتركيا ودعمها لأكراد سوريا. أما في موضوع المنطقة الآمنة، فقد كانت باريس في السابق، من محبذيها كذلك، لكن العامل الروسي قلب الوضع، وترى مصادرها في مشروع كهذا اليوم بابا لتصادم كبير وخطير. من هنا التركيز على تنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير بدءًا ببيان ميونيخ ومعالجة الوضع الإنساني والتوصل إلى وقف الأعمال العدائية من أجل العودة إلى المفاوضات والوصول إلى عملية الانتقال السياسي في حال أرادت روسيا حقيقة أن تلعب دورًا إيجابيًا في النزاع.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.