السؤال الذي تطرحه أوساط الموضة منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي هو ما إذا كان هادي سليمان، مصمم دار «سان لوران»، واحدا ممن ستطاله خريطة التغييرات الجارية التي طالت عدة مصممين لحد الآن. لهذا ليس غريبا أن يُلح هذا السؤال أكثر في لوس أنجليس، حيث قدم تشكيلة رجالية نسائية للخريف والشتاء، يمكن القول إنها كانت رسالة مبهمة، إذا قرأنا بين سطورها فنستنتج بأنه لو صحت الشائعات، وكان المصمم سيغادرها فعلا، فإنه يريد أن تكون نقطة النهاية التي يضعها بمثابة نغمة قوية تتردد أصداؤها طويلا وتترك ذكرى لذيذة في الأذهان، فهي من أجمل التشكيلات التي قدمها لحد الآن وأكثرها قربا من روح الدار التي دخلها منذ ثلاث سنوات، وحاول جاهدا أن يضع بصماته المطبوعة بأسلوب «الغرانج» عليها. لم يُلغِ أسلوبه تماما، إذ يمكننا أن نرى هذا الأسلوب حاضرا في كثير من الإطلالات، لكن بجرعة خفيفة جدا، ارتقت إلى ما كان يقدمه مؤسس الدار في الثمانينات بسخائها وترفها، وبعض مبالغاتها أيضا.
خلفت هذه التشكيلة أيضًا شعورًا محيرًا ورغبة في أن لا تكون الإشاعات صحيحة، فأحد أسباب استغناء بيوت الأزياء على مصمميها يعود إلى الأزمة الاقتصادية وفشل بعضهم في ترجمة نجاحاتهم الفنية بلغة الأرقام والأرباح، إلا أن هادي سليمان حقق ما لم يكن يتوقعه نقاده ممن لم يروا في أسلوبه جديدا يُذكر وجنوحا لإنزال الموضة إلى الشارع بطريقة استسهالية. فقد كانت كل تشكيلاته تبيع لشريحة من الشباب متعطشين للموضة من جهة، ومتحمسين لاسم «سان لوران» وقصاته الضيقة التي تأخذهم إلى عالم الروك آند رول من جهة ثانية، ليحقق للدار الأرباح حسبما صرحت به في الأعوام الماضية. فعندما التحق هادي سليمان بـ«إيف سان لوران» قبل أن يغير الاسم إلى «سان لوران، لم تكن تحقق أرباحا طائلة مقارنة بها اليوم، فقد سجلت في عام 2011 مثلا 353 مليون يورو، لكن سرعان ما قفز هذا الرقم في 2014 إلى 707 ملايين يورو، مع توقعات أن يرتفع هذا الرقم بنسبة 20 في المائة عندما تعلن مجموعة «كرينغ» أرباحها غدا.
ومع ذلك، فإن التجارب في ساحة الموضة تؤكد بأنه ليس هناك دخان من دون نار، لهذا فإن الإشاعات بقُرب خروجه تزيد قوية يوما بعد يوم لتزيد معها حيرتنا وتساؤلنا: هل سيبقى أم سيغادر؟ ولماذا لا تنفي «كيرينغ» الأمر بشكل قاطع أو تؤكده؟
هناك من يتكهن بأنه سيأخذ مكان راف سيمونز في دار «ديور» وهو ما تستبعده الأغلبية، لأنه عمل فيها سابقا وخرج منها بشكل لم يعط الانطباع بأنه كان وديا حينها. هناك تلميحات أيضًا أنه قد يأخذ محل كارل لاغرفيلد في دار «شانيل»، فهذا الأخير يؤمن به وبقدراته، وسبق أن أنقص وزنه إلى النصف تقريبا لكي يتسنى له ارتداء تصاميمه عندما كان مصمما في «ديور أوم»، لكن هذا الاحتمال أيضًا مشكوك فيه، إذ ليس هناك أي مؤشر بأن المصمم الثمانيني يفكر في التقاعد أو التخلي عن عرشه في القريب.
الرئيس التنفيذي لمجموعة «كيرينغ» المالكة لـ«سان لوران»، فرنسوا هنري بينو، تملص من الجواب على هذه الإشاعات في لوس أنجليس، ورد على سؤال من «ويمنز وير دايلي» قائلا: «الليلة نحتفل بالدار، بهادي سليمان، بلوس أنجليس، بالموسيقى، لا بأي شيء آخر».
وبالفعل كانت تشكيلة الدار احتفالا بكل ما ذكره فرنسوا هنري بينو. بفنية هادي سليمان، الذي برهن ولأول مرة أنه يفهم أسلوب المؤسس، لأن أغلب القطع ذكرتنا به، من سترة «لوسموكينغ» إلى الفساتين الطويلة والجاكيتات والألوان وغيرها. كما كانت احتفالا بالدار، التي تحتفل بمرور 50 عاما على إطلاق إيف سان لوران، خط «ريف غوش» الخاص بالأزياء الجاهزة. لا يختلف اثنان أن العملية كانت بمثابة ثورة عندما قام بها في الستينات من القرن الماضي، لأن الـ«هوت كوتير» كانت السائدة بين النخبة والطبقات الثرية، بينما كانت العامة تكتفي بالتقليد واستعمال أقمشة رخيصة، ما أوحى له بفكرة دمقرطة الموضة وطرح خط أزياء جاهزة بأسعار أقل وتصاميم وأقمشة تحاكي الـ«هو الكوتير» جمالا ودقة. كان إيف لا يتعدى الـ30 من العمر آنذاك، أي كان مدفوعا بفورة الشباب والرغبة في تكسير التابوهات والمتعارف عليه. وهذا ما حاول هادي سليمان التقاطه والاحتفال به في عرضه الأخير: تحريك المياه الراكدة وتقديم مفاجأة تمثلت في أزياء لا تعترف بزمن أو مكان، لأنها عالمية. والأهم من هذا تبتعد عن أسلوب الغرانج الذي تميز به منذ التحاقه بالدار، ورفض تغييره رغم الهجمات المتكررة عليه، بل العكس، كلما زادت الهجمات زاد عنادا ولامبالاة بنقاده، مؤكدا أن هدفه الأول والأخير هو الزبون. من أجل هذا اتبع استراتيجية تُلغي إلى حد ما أهمية وسائل الإعلام وتأثيره، وتوجه إلى زبائنه بلغة مباشرة، خصوصا أنه ضمن ولاء نجوم هوليوود، من ممثلين وموسيقيين وفنانين، أعجبوا بتصاميمه الضيقة المطبوعة بلمسة روك آند رول.
هادي سليمان شخصية مختلفة في عالم الموضة، ليس لأنه عنيد فقط، بل لأنه لا يحب الأضواء ولا يسعى إليها، في زمن أصبحت فيه الصورة كل شيء بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك أثار كثيرا من الانتباه بسبب اتخاذه قرارات جذرية أثارت عليه غضب كثير من محبي إيف سان لوران. من هذه القرارات، حذف اسم «إيف» لتصبح الدار معروفة بـ«سان لوران» فقط. ثم إصراره على نقل مقر عمله من باريس إلى لوس أنجليس، التي كان يقيم فيها قبل أن يتلقى عرض «كيرينغ» بأن يخلف ستيفانو بيلاتي في عام 2012. استغرب الكل قبول شرطه، لأن الدار فرنسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكن أكدت خطوته أنها لم تكن سيئة، لأنها تعني قربه الجغرافي من نجوم هوليوود وسهولة التعامل معه وكسب ودهم. ويبقى السؤال هو ما إذا كان قد أضاف إلى دار «سان لوران» شيئا. المتحاملون يرون أنه لم يقدم جديدا يمكن أن يُضاف إلى تاريخها، بينما المؤيدون يرون أنه سابق لأوانه، وبالتالي فهو أكثر من فهم روح إيف سان لوران، الذي كان مثله ثوريا وتعرض، مثله، لكثير من الانتقادات والهجمات. هؤلاء يضيفون أيضًا أن 3 سنوات ليست كافية للحكم على أي مصمم وفهم وجهة نظره بوضوح.
تجدر الإشارة إلى أن بداية هادي سليمان في عالم الأزياء كانت في مجال الأزياء الرجالية، وفي دار «إيف سان لوران» قبل أن تشتريها مجموعة «كيرينغ» ويدخلها توم فورد في عام 1998. رغم صغر سنه آنذاك وقصر تجربته، رفض هادي أن يكون الرجل الثاني، وصرح في ما بعد في لقاء مع «ذي نيويوركر» أن توم فورد ليس «مصمما بقدر ما هو رجل تسويق». لهذا فضل الانسحاب متوجها إلى «ديور»، التي شهدت انطلاقته الفعلية وتأثيره على الأزياء الرجالية. فإذا كان كريستيان ديور قام بثورة في عالم الأزياء النسائية في الخمسينات بأسلوبه الرومانسي الذي كانت تتوق إليه المرأة بعد سنوات من التقشف فرضتها الحرب العالمية الثانية، فإن هادي سليمان، الذي شغل فيها دور مدير فني في قسم الأزياء الرجالية حقق ثورة مماثلة في التسعينات بطرحه تصاميم رشيقة للغاية استوحاها من مغني الروك آند رول من أمثال ديفيد بوي وميك جاغر، وألهبت خيال الرجال. أصبح هذا الأسلوب لصيقا به، رغم أن مصممين آخرين مثل هيلموت لانغ وراف سيمونز قدموا تصاميم ضيقة مثله. الفرق بينه وبينهما أنه أضاف إلى بدلاته المفصلة لمسة هوليوودية ترقص على نغمات روك آند رول وروحا عالمية راقت لكل الرجال، على اختلاف أعمارهم وأهوائهم على شرط أن يتمتعون بالرشاقة. حتى كارل لاغرفيلد الذي قلما يمدح مصمما آخر، اعترف بأنه من أكثر المعجبين بالمصمم الشاب، وبأنه أنقص وزنه بشكل جذري حتى يتمكن من ارتداء تصاميمه، معلقا: «لقد حقق هادي ما حققه جيورجيو أرماني منذ 20 عاما». هوليوود وعالم الموسيقى التقطا نغمات هذا الأسلوب وجعله بعضهم موضوعا تغنوا به، مثل أغنية كيني ويست «كريستيان ديور دينم فلو»، التي عبر فيها عن إعجابه ببنطلونات الجينز التي كان يطرحها.
رغم قوة التشكيلة يبقى السؤال حول مستقبل المصمم الأقوى
«سان لوران» تحتفي بهادي سليمان.. بإيف.. بلوس أنجليس.. وبالموسيقى
رغم قوة التشكيلة يبقى السؤال حول مستقبل المصمم الأقوى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة