أكراد سوريا.. و«بذرة الحرب» مع تركيا

أنقرة لم تستطع أن تكرر معهم تجربة التحالف مع أبناء عمومتهم العراقيين

أكراد سوريا.. و«بذرة الحرب» مع تركيا
TT

أكراد سوريا.. و«بذرة الحرب» مع تركيا

أكراد سوريا.. و«بذرة الحرب» مع تركيا

مع تقدم الميليشيات الكردية السورية المهادنة لنظام بشار على طول المنطقة الحدودية مع تركيا، برضا أميركي وروسي واضح، تنظر تركيا بكثير من الريبة إلى جارها «الكردي» الجديد على الحدود مع جارتها الجنوبية سوريا، ونزعته الانفصالية الواضحة، خصوصًا أن سلطات أنقرة لم تنجح في تكرار التجربة العراقية في هذا المجال. والمعروف أن علاقة أنقرة بأكراد سوريا تنتقل من توتر إلى آخر، وتهدد بحرب قد لا يتردد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إعلان استعداده لشنها من أجل منع قيام كيان انفصالي في شمال سوريا.
لا تختلف نظرة تركيا إلى أكراد العراق عنها إلى أكراد سوريا، لكن الفارق في أن الزعيم الكردي مسعود بارزاني استطاع بناء جذور الثقة مع حكام أنقرة، بينما لم يستطع صالح مسلم، الذي درس في جامعات تركيا، ويتكلم لغتها أن يقوم بالمثل. فالأتراك يشكون كثيرًا في أن النظام السوري سبقهم إلى مد جسور التعاون مع أكراده إذ دغدغهم بأحلام الاستقلال والحكم الذاتي منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأزمة، ومدّ إليهم أيضًا يد العون العسكرية في مناطقهم.
وفي موازاة هذا الفشل، أدى تردّد المعارضة السورية في التعاون مع الأميركيين ورفضهم التعهد بقتال «داعش» وحده دون النظام، إلى انتقال واشنطن نحو التحالف مع الأكراد الذين شكلوا فعليًا قوتها البرية على الأرض السورية، فيما يظهر حاليًا تعاون لافت بين الأكراد وروسيا التي أمّنت لهم الدعم الجوي أيضًا في أكثر من مكان.
ثم أتت الزيارة الأخيرة التي قام بها مسؤولون أميركيون إلى مناطق سيطرة الأكراد بشمال سوريا لتشكل ضربة قوية للثقة التركية بالولايات المتحدة، فأتى التحذير الشهير للرئيس رجب طيب إردوغان لواشنطن بضرورة الاختيار بين تركيا والأكراد.
تركيا تتخوف بشدة من نشوء كيانات كردية عند حدودها، خوفًا من انتقال عدوى الاستقلال إلى أكرادها الذين ينتشرون على الحدود السورية والعراقية في امتداد لما يسميه الكرد «كردستان الكبرى» أي الوطن الحلم، الذي لم يقم في التاريخ. ويقول الصحافي التركي المعارض سعيد صفا، مدير تحرير موقع «خبردار»، المقرب من حزب الشعب الجمهوري المعارض، أن الاشتباكات بين تنظيم «حزب العمال الكردستاني» والدولة التركية «لم ولن يؤثر في يوم من الأيام على مجريات الأحداث في مناطق الأكراد في سوريا أو في العراق»، لكنه أكد في المقابل أن «أي تطورات في تلك المناطق الكردية ستؤثر مباشرة على مجريات الأحداث في مناطق الأكراد في تركيا».
وتابع صفا لـ«الشرق الأوسط» موضحًا: «في هذه المرحلة نرى أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (في سوريا) في طريقة لإعلان كيان مستقل في سوريا، وتماشيا معه فإن حزب العمال الكردستاني هنا يضرب بكل قواه لانتزاع حق الحكم الذاتي في جنوب شرقي تركيا، لأنهم في النهاية يؤمنون بفكرة دولة كردستان الموحدة. ولكنني أعتقد أن القوى المسيطرة في سوريا، وهي اليوم روسيا وأميركا وإيران لن تسمح بتحقيق فكرة الدولة الموحدة». وأردف أن الولايات المتحدة تعتبر أن «العمال الكردستاني» إرهابي، ولكنها تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا يعني أنها تميز بين الأكراد في سوريا والأكراد في تركيا.
غير أن رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم يرى أن على الأتراك إذا أرادوا أن يعيشوا بسعادة واطمئنان في محيطهم وفي الشرق الأوسط عمومًا، فعليهم أن يتخلصوا من «الفوبيا» الكردية. وإذ اعترف مسلم لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أن أكراد سوريا يحلمون «تقليديًا» بالاستقلال، فإنه استبعد حصول ذلك «لأن موازين القوى تغيرت»، وتابع مسلم: «لقد اعترضوا على أكراد الداخل (التركي)، ورأينا ما حصل بسبب هذا الموقف. ونحن نقول لهم أن يتعاملوا مع الأكراد في تركيا بطريقتهم الخاصة، لكن معنا يجب أن يتعاملوا بطريقة مختلفة». وأضاف: «نحن الأكراد نطمح اليوم في الوضع الألماني ضمن الاتحاد الأوروبي. وهذا الوضع يمكن أن يكون نموذجًا جيدًا بالنسبة للأكراد، من دون تغيير في الحدود».
جدير بالذكر أن أكراد سوريا عبر ميليشياتهم يسيطرون حاليًا على معظم الحدود التركية - السورية، فهم ينتشرون من الحدود العراقية حتى منطقة عين العرب - التي يسمونها كوباني - حيث تفصلهم 120 كيلومترًا عن منطقة عفرين – ذات الغالبية الكردية في أقصى شمال غربي محافظة حلب - التي أسسوا فيها إدارة ذاتية. وهم ينطلقون منها حاليًا للهجوم على المعارضة السورية مستغلين تراجعها أمام الهجوم الذي يشنه النظام السوري وحلفاؤه بدعم جوي روسي مركّز من أجل الاقتراب أكثر فأكثر من مناطق سيطرتهم الأخرى وتأمين التواصل البري الجغرافي الصعب التحقيق حاليًا.
وتؤشر التحرّكات القائمة إلى وجود «تعاون» بين الأكراد والنظام السوري في هذا المجال. ومع أن هؤلاء يدعون أن الأمر مجرد «تقارب مصالح»، نافين أي تنسيق مع النظام، فإن الوقائع على الأرض، وسعي الأكراد لانتزاع المعبر الحدودي في مدينة أعزاز (ذات الكثافة التركمانية) من يد المعارضة السورية، عاملان يثيران قلق الأتراك الذين يهددون بالتدخل في أي لحظة.
بدوره، يقول صفا إن السلطة الحالية في تركيا، التي تتمثل في حزب العدالة والتنمية «ترفض رفضا قاطعا نشوء أي كيان كردي سواء في سوريا أو في العراق، وخصوصًا في سوريا، ولهذا نرى ردود الفعل الرافضة لقيام دولة كردية سواء من الدولة أو من السلطة نفسها». ويضيف صفا لـ«الشرق الأوسط» أن «تركيبة الدولة الحديثة انطلقت عام 1925 بعد قيام الجمهورية التركية بقوانين الإصلاحات أقيمت على أساس (شعب واحد، عرق واحد، ولغة واحدة، وعلم واحد)».. ولهذا تجاهلت الدولة مكوّنات الشعب التركي، وخصوصًا الأكراد الذين يعتبرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية من شعب تركيا، حيث حرموا من التحدث والتعليم بلغتهم الأم كما أنهم منعوا من نشر وممارسة ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وما زالت هذه السياسة مستمرة إلى يومنا هذا (حسب صفا)، وبناءً عليه، فإن تركيا لن تقبل سواء داخل حدودها أو في دول الجوار بأن يكون هناك حتى كيان كردي يتمتع بحكم ذاتي.
وأردف الصحافي التركي المعارض: «سياسة الدولة (التركية) منذ 100 سنة نظر بحساسية للأكراد».. ثم يشير في المقابل إلى أن سياسة حزب العدالة والتنمية «تتركز على نشر فكر الإسلام التركي المعتدل وهي تشكل الآن سياسة الدولة، ولهذين السببين نرى ردود فعل قاسية وتهديدية حيال حزب الاتحاد الديمقراطي قي سوريا أو ضد حزب العمال الكردستاني وحزب ديمقراطية الشعوب في تركيا».
وإذ رأى صفا أن بوابة الحل هي في «التعمق في أسباب هذه الأزمة»، اعتبر أن الحل يكون بتغيير سياسة الدولة حيال الأكراد. وأن تسمح سلطات أنقرة باستخدام اللغة الكردية لغة للتعليم، وأن يُصار إلى تغيير المادة التي تعرّف المواطنة في الدستور ويستعاض عنها بالمساواة في المواطنة بين جميع أفراد مكونات الشعب التركي، وأن تتخلى عن فكرة بأن «جميع المواطنين أتراك» وتتحول إلى أن «الجميع مواطنون تركيا» كل بانتمائه العرقي. ومن ثم، انتقد صفا تعامل الدولة مع مشاريع الحل. وقال: «مشاريع الحلول للقضية اقتصرت على إردوغان ومؤسسة المخابرات التركية ولم تجد أذانًا صاغية في مؤسسات الدولة، وخصوصًا في المؤسسة العسكرية وفي الوزارات مثل وزارة العدل، وفي المجلس التشريعي الذي حتى الآن لم يستطع تغيير أو إصدار أي قانون يشعر الأكراد بأنهم متساوون في هذا البلد».
من جهة ثانية، رد جيم كوجوك، الكاتب في جريدة «ستار» ومقدم برنامج سياسي في قناة 24 التلفزيونية، على التساؤل عن موقف تركيا في حال قيام كيان كردي انفصالي في شمال سوريا يترأسه حزب الاتحاد الديمقراطي، معتبرا أن هذا الموقف «سيتضح في ضوء الموقف الأميركي، فالولايات المتحدة تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وفي الفترة الأخيرة قام مسؤولون أميركيون بزيارة لشمال سوريا وأجروا محادثات مع الأكراد، وكان هذا بعلم ودراية من روسيا التي تسيطر على سوريا حاليًا. وتابع كوجوك في لقاء مع لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا «تستطيع أن تحول دون قيام هذا الكيان فقط بالتدخل العسكري». واستطرد: «نحن معتادون على ما يقوله وما يحلم به الأميركيون. فخلال التسعينات أعلنوا أنهم آتون للمنطقة لإقامة دولة كردية في شمال العراق، ولكن إلى الآن لم ترَ هذه الدولة النور. ولكن إذا أرادت أميركا أن تقيم كيانًا ودولة تعترف بها في شمال سوريا، فإن هذه الدولة ستقوم، وإذا تدخلت تركيا لمنع قيامها فإن تركيا بهذا ستدخل المستنقع السوري. والمشكلة هنا أن الاقتصاد التركي لا يتحمل مثل هذه المغامرات وستكون خسائرنا على جميع الأصعدة جسيمة، ولكن أقول إن الوقت القريب المقبل سيبيّن لنا ما إذا ستتدخل تركيا في سوريا أم لا».
كوجوك يرى أيضًا أن تغيرات المواقف حول الأكراد بدأت عام 2003 بعد سقوط نظام صدام حسين، «إذ باشر الأكراد في إقليم شمال العراق ينظرون إلى تركيا نظرة إيجابية، وصارت الاستثمارات والبضائع التركية تغمر الأسواق في شمال العراق، وأصبح بارزاني من أهم أصدقاء وحلفاء تركيا حاليًا. الوضع في شمال سوريا يختلف تمامًا الآن، ولكن يمكن أن تتغير هذه النظرة بعد 5 أو 7 سنوات ويمكن أن تتغير النظرة إلى شمال سوريا لتصبح مثل شمال العراق». ثم أضاف أنه لا يتوقع أن يحصل أي شيء إلا بعد أن يتربع الرئيس الأميركي المقبل على عرش السلطة لأن باراك أوباما يستخدم الآن أسلوب إبقاء الوضع على ما هو عليه وأن يبقى القرار للرئيس المقبل».
وإذ أعرب كوجوك عن اعتقاده أنه إذا تدخلت القوات السعودية في سوريا لإسقاط الأسد، فإن تركيا ستشارك وتدعم القوات السعودية، أوضح أن «تركيا ستحسب المسألة من جميع الجهات لأن ليس من السهل أن تعلن الحرب أو المواجهة مع روسيا». وأردف: «اليوم في تركيا صاحب القرار الأول والأخير هو رجب طيب إردوغان وحكومة العدالة والتنمية.. فإذا قالوا للجيش ادخل. لا يوجد لديه خيار غير التدخل، ولكن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن استثمارات الاقتصاد التركي على مدى 13 سنة قد تتبخر في لحظة واحدة»، مشددًا على أنه إذا أُجبرت تركيا على التدخل فإنها ستضرب بعرض الحائط كل شيء وستقامر بالدخول، «ولقد قالها إردوغان عدة مرات: إذا أُجبرنا فلن نتردد في دخول الأراضي السورية».
على صعيد آخر، يرى الباحث التركي مفيد يوكسال، المقرب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن «من أهم الخيارات التي أمام تركيا لمنع قيام كيان كردي، سواء في تركيا أو حولها، هو تحوّل تركيا من دولة وطنية قومية إلى دولة مشاركة لجميع الأقليات. وهذا لن يتحقق إلا بكسب تركيا الأكراد إلى جانبها». وتابع مشيرا إلى أن تركيا «هي أكثر دول في المنطقة أكرادًا وبكسبها أكراد تركيا ستكسب أكراد المنطقة».
وشرح يوكسال لـ«الشرق الأوسط» مرئياته للعلاقة مع الوضع السوري كرديًا فقال: «لو نظرنا إلى صالح مسلم وحزبه الاتحاد الديمقراطي فإننا سنرى أنه لا توجد له أرضية في الشارع الكردي في شمال سوريا، إلا أن هذا الحزب هناك يسيطر على مناطق شاسعة ولديه قوة عسكرية هائلة والسبب في هذا أن الحزب مدعوم من جميع القوى المتنفذة في المنطقة، وتركيا غضّت النظر عن توسّع وتقوية الحزب في فترة من الفترات، ففي فترة «الحل الديمقراطي» تركيا حاولت لإرضاء الأكراد أن تغض النظر عن تسليح حزب الاتحاد الديمقراطي».
وكشف يوكسال أنه وخبراء آخرين أصروا في بداية الأزمة السورية على منح أكراد سوريا ممن سحبت منهم الجنسية السورية من قبل النظام الجنسية التركية. وقال: «لو أعطت تركيا عام 2011 جوازات للأكراد السوريين فإن حزب الاتحاد الديمقراطي كان سيبقى محصورًا ودون أي تأثير يذكر، بل إن الحزب كان سيحل نفسه لأنه لن يجد مناصرين». وأضاف: «مع أن صالح مسلم يتكلم اللغة التركية وأنهى دراسته الجامعية في تركيا، وكانت إسطنبول وأنقرة بالنسبة له في بداية الأزمة نقطة انطلاق، فإن السلطات في تركيا لم تنجح في كسبه إلى جانبها، والسبب في هذا سياسة الدولة التي كانت تنظر إلى الأكراد بمنظار آخر منذ 80 أو 90 سنة».
ومن ثم، رأى أن «تركيا تعمل على تقريب أكراد العراق إليها، على الرغم من أن قيادة الإقليم تنادي بالانفصال عن العراق، وهذا يعتبر معضلة كبيرة بالنسبة لتركيا. ولكن الدولة استيقظت في اللحظة الأخيرة حيث اتضح لها أنه إذا انفصل شمال العراق الكردي السنّي عن العراق، فإن العراق سيتحوّل إلى غالبية شيعية ويصبح العراق فريسة سهلة أمام إيران، وبالتالي، سيتحول من دولة عراقية إلى إمارة تدار من طهران. ولهذا يجب أن يبقى الأكراد في العراق كعنصر موازنة، وهذا ما تعمل علية تركيا لإبقاء الأكراد السنّة عنصرا مهما للتوازن في الدولة العراقية».
وعلى أسئلة.. إذا أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي كيانًا داخل الشمال السوري فهل ستعلن تركيا الحرب عليه في ظل وجود روسيا وإيران؟ وإذا أعلنت الحرب هل ستجد دعما من حلف شمال الأطلسي أم لا؟ أو في حالة هجوم روسيا على تركيا هل سيقف إلى جانبنا حلف شمال الأطلسي أم لا؟ أجاب يوكسال: «الصراع لم ينته في سوريا بل هناك معضلة أخرى أمامنا، ويجب على دول المنطقة، وعلى رأسها تركيا، أن تقف بوجه الهيمنة الإيرانية في المنطقة. فكما حصل في اليمن حصل أيضًا في سوريا التي لم تعد سوريا قبل سنتين أو قبل سنة، بل تحولت إلى ولاية روسية - إيرانية ونحن نرى مقاتلي حزب الله يحاربون في ريف حلب».
وبالتالي، حذر يوكسال من أنه «إذا لم تستطع تركيا حل هذه المعضلة بأسرع ما يمكن فإنها ستجد نفسها مهددة بالتقسيم، لأن انفصال الأكراد عن تركيا سيفتح الباب أمام انقسامات كثيرة عاشتها تركيا عام 1912، عندما بدأت ألبانيا بالانفصال عن الدولة العثمانية، ومن ثم تلتها كيانات البلقان واحدة بعد الأخرى، وتلتها الدول العربية».
وشدد يوكسال على أن «الشارع الكردي لم يقطع الأمل بعد من الدولة التركية، ولهذا صوّت لصالح الاستقرار والسلام في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، حيث فاز حزب العدالة بنصف أصوات هذا الشارع في تركيا. وهذا - حسب الصحافي الموالي - ما يجب أن تقدره تركيا لأن الجماهير الكردية اختارت السلام والأمن، ومن ثم، أن تجري تغييرات دستورية عاجلة، خاصة، في إطار حرية التعليم باللغة الكردية وإعطاء مجال للساسة الأكراد لممارسة السياسة، كما أنه يجب على أنقرة أن تعرف بأن الأكراد ينتمون إلى المذهب الشافعي في السنّة وهم اقرب بكثير لتركيا السنّية من أي مكونات أخرى».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».