«اتفاق ميونيخ» نافذة أمل على طريق ما زال مليئًا بالألغام

روسيا نجحت في فرض «الشراكة» في الملف السوري على الولايات المتحدة بعد توقيعه

«اتفاق ميونيخ» نافذة أمل على طريق ما زال مليئًا بالألغام
TT

«اتفاق ميونيخ» نافذة أمل على طريق ما زال مليئًا بالألغام

«اتفاق ميونيخ» نافذة أمل على طريق ما زال مليئًا بالألغام

يكشف الاتفاق الذي توصلت إليه «مجموعة دعم سوريا» خلال اجتماعها في مدينة ميونيخ الألمانية يوم أول من أمس، 11 فبراير (شباط) 2016. عن أمر يتجاوز مجرد تفاهمات حول الأزمة السورية، وغايات أهداف العملية العسكرية الجوية الروسية في سوريا، متمثلاً في سعي موسكو لفرض واقع جديد للعلاقات الأميركية – الروسية والانتقال بها تدريجيا إلى «الشراكة الندية» دوليًا.
يُذكر أن موسكو كانت قد أملت أن يؤدي تعاونها مع الولايات المتحدة في نزع السلاح الكيميائي السوري إلى إطلاق تلك الشراكة المنشودة، إلا أن ذلك لم يحدث في حينه. ولم يحدث كذلك حين اقترح بوتين تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، والأمر ذاته تكرر حين رفضت الولايات المتحدة دعوات روسيا للتنسيق بين قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب والقوات الروسية في سوريا لتفادي وقوع حوادث في الأجواء.
بعدها جاء التصعيد الأخير في ريف حلب وفي المنطقة الجنوبية محافظتي ريف دمشق ودرعا والقنيطرة والتقدم الذي حققته قوات النظام والميليشيات الأجنبية التي تقاتل إلى جانبها، تحت غطاء جوي روسي كثيف جدًا، مع تداعيات هذا كله على العملية السياسية السورية في جنيف، ليساهم في تحقيق خطوة أولية على درب المساعي الروسية في فرض تغيير على طبيعة العلاقات بين موسكو وواشنطن.
يوم أول من أمس كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واضحًا في هذا الشأن في تعليقه خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الأميركي جون كيري والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. فلافروف بعد إشارته إلى أن المجتمعين ركزوا اهتمامهم بشكل خاص على الوضع الإنساني في سوريا، تابع قائلاً إن «تحسين الوضع الإنساني يتطلب التعاون بالضرورة، كما يتطلب ذلك تنفيذ كل اتفاقياتنا، عمل مشترك بالمعنى الفعلي للكلمة، وهو ما ندعو إليه منذ بداية عمليتنا العسكرية الجوية في سوريا، والذي يتوصل إلى تفهم ضرورته المزيد والمزيد من شركائنا. وهذا أمر يسعدنا».
كذلك رحب لافروف باستعداد «الولايات المتحدة وعدد آخر من الدول الانضمام للعملية الروسية في إيصال المساعدات الإنسانية جوًا إلى دير الزور، برمي حاويات بمظلات»، ليؤكد بعد ذلك على أن الحجم الأكبر من المساعدات الإنسانية سيجري توصيله بالطرق البرية، معربًا عن أمله في أن تستخدم الأطراف الدولية والإقليمية نفوذها كل على الطرف الذي يدعمه من أطراف الأزمة السورية لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق المحاصرة دون استثناء.
وركز لافروف أيضا في حديثه عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه لوقف إطلاق النار على اللجنة التي ستشكل برئاسة الولايات المتحدة وروسيا وستضم دبلوماسيين وخبراء عسكريين من البلدين، وقال بهذا الصدد: «أود الإشارة إلى أننا للمرة الأولى طيلة فترة عملنا توصلنا ضمن الاتفاق الذي تم اعتماده اليوم (في ميونيخ) إلى تثبيت ضرورة التعاون والتنسيق وليس في المجالين السياسي والإنساني فحسب، بل وفي المعيار العسكري للأزمة السورية. وهذا تغيير نوعي في أسلوب التعاطي (مع الأزمة) ونحن نرحب به وقد دعونا إليه أكثر من مرة».
ولم تكن تصريحات لافروف وحدها التي تؤكد الاهتمام الروسي بالتوصل إلى اتفاق بين موسكو وواشنطن حول الأزمة السورية، والآمال بأن يشكل مقدمة للتحول في طبيعة العلاقات بين البلدين. إذ رحب فرانتس كلينتسيفيتش، رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس الاتحاد الروسي (المجلس الاتحادي) بهذا الاتفاق، وأعرب عن يقينه بأن «مجرد التوصل إلى حل توافقي بين روسيا والولايات المتحدة أمر يعني الكثير»، مشددًا على أن ذلك الاتفاق «شرط ضروري لوقف النار في سوريا». إلا أن البرلماني الروسي لم يذهب بعيدًا في تعليقه الآمال على نجاح الاتفاق الروسي - الأميركي في فرض وقف إطلاق النار، لافتًا إلى أن «الأطراف السورية لا تنصاع دوما لرغبات موسكو أو واشنطن».
أما «اتفاق ميونيخ»، بحد ذاته، فيرى مراقبون أنه بكل الأحوال يشكل خطوة متقدمة في مسار الحل السياسي للأزمة السورية، لكن ما زالت فيه نقاط قد تعود، إن لم تتم معالجتها، وقد تتحول مع الوقت إلى ألغام تتفجر على درب الحل السياسي. وإحدى هذه النقاط برزت في التناقض الواضح في تصريحات وزير الخارجية الروسي حول المواقع التي ستواصل القوات الجوية الروسية قصفها في سوريا. فهو في بداية حديثه خلال المؤتمر الصحافي، ومن ثم في الختام أثناء إجابته على سؤال أكد أن روسيا ستواصل قصف مواقع الجماعات الإرهابية «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما، كما حددتها الأمم المتحدة حسب قوله. أي بموجب قائمة الجماعات التي تصنفها الأمم المتحدة بأنها جماعات إرهابية، وهي حتى الآن «داعش» و«جبهة النصرة» فقط.
وفي سياق حديثه عن العملية في مدينة حلب، قال لافروف إن المناطق هناك تقع بصورة رئيسية تحت سيطرة «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» وهي جماعات إرهابية حسب كلامه. وزاد لافروف عن ذلك حين أشار إلى المجموعات الأخرى من المعارضة السورية وأنها تخالف قرار مجلس الأمن 2254 بحصولها على سلاح عبر الحدود، كأنه يبحث عن مبرر لقصفها أيضًا. وبناءً عليه فإن كل الجهود التي بذلتها القوى الإقليمية والدولية لتسوية الأزمة السورية منذ ما قبل جنيف - 3 وحتى ميونيخ، ما زالت تقف على أرضية مليئة بالألغام قد تتفجر وتنسف العملية السياسية في أي لحظة، في حال فشل المجتمع الدولي بصياغة القوائم «البيضاء» التي تتضمن مجموعات المعارضة السورية، و«السوداء» التي تتضمن المجموعات الإرهابية، وفي إقناع روسيا بالعدول عن موقفها من المجموعات صاحبة الثقل العسكري الكبير في سوريا والممثلة ضمن وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.