فيلم سعودي جديد.. ونشاط لمؤسسة ومهرجان

3 نشاطات عربية لافتة

فاطمة البناوي كما تظهر في الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»
فاطمة البناوي كما تظهر في الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»
TT

فيلم سعودي جديد.. ونشاط لمؤسسة ومهرجان

فاطمة البناوي كما تظهر في الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»
فاطمة البناوي كما تظهر في الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»

يذكر أحد الصحافيين العرب حادثة وقعت له قبل نحو عشرين سنة عندما حضر مهرجانًا أوروبيًا وسنحت له فرصة لقاء مديره لإجراء مقابلة.
واحد من أكثر الأسئلة التي كانت تلح على بال الكثيرين في عالم السينما العربية هو التالي: لماذا لا تتحمس المهرجانات العالمية لعرض أفلام عربية؟ ومع أن السؤال يحتاج إلى عرض مستفيض نصفه، على الأقل، يكمن في ظروفنا ومفاهيمنا وكيف نطبّـقها ونخوض في ركاب السينما، إلا أن الصحافي حاول التخفيف من قوّة السؤال فطرحه على مدير المهرجان على هذا النحو: «لماذا لا يعرض المهرجان الكثير من الأفلام العربية؟».
يقول لي: «وجدته ينظر إليّ ويرفع حاجبيه ويقول بلهجة ساخرة: أفلام عربية؟». وأضاف الصديق: «لا أدري إذا ما كان جاهلاً وجودها أو كان يسخر منها».
من حسن الحظ أو سوئه، أن الحال تبدّل كثيرًا عما كان عليه. الآن الجميع يسمع بالسينما العربية، والكثير من المهرجانات تعرض الأفلام العربية وهناك جمهور مهرجانات يحتشد لمشاهدتها. للأسف الظروف السياسية والأمنية وتصاعد الإرهاب باسم الإسلام هو أحد الأسباب الأكثر أهمية وراء هذا الشيوع. السبب الثاني هو أن البعض فهم اللعبة المفترض بالسينما العربية أن تلعبها لكي تقترب من الحياة السينمائية خارج دنيا العرب. كيف تشترك بالأسواق التجارية؟ كيف تعتمد على الشركات والوكالات المتخصصة بالإعلام وكيف تتبنّـى وترعى الأفلام البديلة وإن كان هناك الكثير مما يجب عليها أن تفعله في هذا المضمار.
مؤخرًا، وردت الكثير من الأخبار ناقلة نشاطات متعددة تعكس ما سبق من تطوّر ومعرفة، كما تعكس أيضًا حقيقة أن عددًا لا بأس به من المخرجين والسينمائيين العرب باتوا في عداد الحركة العالمية السائدة. ففيلم «ذيب» للمخرج الأردني ناجي أبو نوار أبرز الأفلام المرشّـحة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي ولا ينافسه فعليًا أحد من الأفلام الأربعة الأخرى إلا فيلم «ابن شاوول» المجري الذي تراجعت نبضات الاهتمام الإعلامي به بعض الشيء في الأسابيع القليلة الأخيرة. ومهرجان دبي ساق للعلن عددًا كبيرًا من الأفلام العربية المهمّـة وساعد على وضع بعضها على الطريق صوب انتشار أوسع.
حاليًا هناك ثلاثة أحداث مهمّـة ولافتة، من بين عدّة، تستدعي الانتباه وتعبر عن هذه المرحلة الجديدة.

1: فيلم سعودي يعرض في برلين
«بركة يقابل بركة» فيلم لمخرج سعودي جديد اسمه محمود الصباغ انتمى بنجاح إلى كيان مهرجان برلين الذي يعرضه في قسم «فورام» المتخصص بالاكتشافات الجديدة. قصّـة حب بين فتاة اسمها بيبي (تقوم بها الممثلة فاطمة البناوي) تعيش في رعاية عائلة ميسورة كانت تبنّـتها وهي صغيرة وبين شاب اسمه بركة (هشام فقيه) يعمل موظفًا في البلدية ويعيش حياة متواضعة ولو أن هذا سوف لن يمنعه من الوقوع في حب بيبي عندما يلتقيها صدفة.
أعين الألمان والمشاهدين الغربيين هناك للتعرف على قصّـة حب تم صنعها في المملكة لتناقض المفاهيم الخاطئة أو تتصدّى لها. والمخرج ذو الخلفية التلفزيونية أمام عالم جديد لا بد سيشكل لديه بداية حوافز كبيرة لم تكن مطروقة.
هذه ستكون المرّة الثانية في التاريخ القريب الذي يجد فيلم سعودي روائي طويل طريقه إلى المهرجانات الدولية. سبقه إلى ذلك فيلم «وجدة» لهيفاء المنصور الذي تلقفه الغرب كونه، فوق كل شيء، فيلما سعوديا وفيلما سعوديا من إخراج امرأة.
حينها انطلق هذا الفيلم من برلين كون الشركة التي موّلت الفاتورة هي ألمانية ولو أن عرضه الأول تم في مهرجان فينسيا. أما «بركة يقابل بركة» فهو من تمويل مخرجه محمود الصباغ.

2: مالمو في برلين
النجاح الذي حققه مهرجان مالمو (السويد) في العام الماضي عندما عقد دورته الخامسة عكس جدية الرغبة في أن يلعب المهرجان دورًا إيجابيًا كبيرًا لصالح السينما العربية. مهرجانات عربية في دول الغرب سبقته إلى هذا الدرب لكنها ترنحت إما لعدم جديّـة القائمين عليها أو لتغيّـر لمس قلب بعض المسؤولين عنها فعزفوا عن استكمالها. مالمو هو أفضل ما سبق ومن أفضل ما بقي وتحت إدارة رئيسه ومؤسسه محمد قبلاوي هناك إصرار على إبقائه ناجحًا ورصينًا وجادًا.
المهرجان السويدي مشترك في مهرجان برلين عبر شراكته مع «مركز السينما العربية»، وهي الشركة التي تم تأسيسها قبل سنوات لا تتجاوز الثلاث وباتت اليوم محطة نشطة لكل ما هو مماثل في رصانته وجديّـته وهدفه من أعمال سينمائية. حوله تلتقي الخامات والمواهب ومن خلاله يتم توزيع الأفلام والنشاطات وتمثيل السينما العربية في بعض أهم مهرجانات العالم.

3: افلام عربية قصيرة في برلين
نشاط مهم آخر يقع في الحاضر البرليني يكمن في قيام مؤسسة روبرت بوش شتيفتونغ بعرض ثلاثة أفلام عربية قصيرة فازت قبل أيام بجوائز المؤسسة التي ترعى منذ سنوات الأعمال العربية المختلفة بدعم من لجنة تحكيم واختيار تتألف من السكرتير العام لمعهد غوته، يوهانيس إيبرت ومن مدير الهيئة الملكية الأردنية للأفلام كما من هانيا مروّة مؤسسة «جمعية متروبوليس السينمائية» في بيروت والمخرجة - المنتجة ماريان خوري مديرة شركة «أفلام مصر العالمية». الأفلام الثلاثة الفائزة هي «حار جاف صيفًا» للمخرج شريف البنداري و«السلام عليك يا مريم» للمخرج باسل خليل و«زيوس» للمخرج بافل فيسناكوف.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.