«المثقفون المزيفون»

«المثقفون المزيفون»
TT

«المثقفون المزيفون»

«المثقفون المزيفون»

في كتابه ذائع الصيت «المثقفون المزيفون» يتعرض المفكر والأكاديمي الفرنسي باسكال بونيفاس، لقسمين من المثقفين، الأول: يسميهم المثقفين المزيِفين، أي الذين يمارسون تضليلاً متعمدًا، ويصفهم بأنهم يلجأون إلى حجج هم أنفسهم لا يصدقونها. والقسم الثاني: ويعتبرهم أسوأ من الفريق الأول؛ فهم المثقفون الذين يقتاتون على مبادئهم، أي الذين يعتنقون مواقف وفقًا لمصالحهم الشخصية.
مثّل هذا الكتاب أهمية بالغة حين صدوره، لأنه تصدى لماكينة إعلامية وثقافية استخدمت أدوات الحداثة الغربية، واستخدمت التقنية، ومبادئ الحرية والديمقراطية، لتمارس تزييفًا ممنهجًا للحقيقة، وتضليلاً متعمدًا للجمهور، كما استخدمت الثقافة ومنتجاتها لبث الرعب والتخوين والتخويف، وهيمنت على الرأي العام وسعت لتطويعه لصالح المؤسسات المتنفذة، وكان مستغربًا أن تقف دُور الثقافة في باريس بلد الحريات في وجه طباعة هذا الكتاب، حيث رفضت 14 دار نشر، طباعة هذا الكتاب، خوفًا من اللوبيات النافذة.
عُرف باسكال بونيفاس بأنه مفكر حرّ ألف مجموعة كتب بينها: «فهم العالم»، «لماذا كلّ هذه الكراهية»، وتصدى لأطروحة صموئيل هيتنغتون «صدام الحضارات» في كتاب حمل اسم: «نحو الحرب العالمية الرابعة»، كما ألف كتابه الجريء: «من يجرؤ على نقد إسرائيل»، وفي كتاب «المثقفون المزيفون» يتحدى منظومة متكاملة تمارس تزييف الوعي وتضليل الناس باستخدام أدوات الثقافة والمعرفة. خطرها أنها تقدم وعيًا زائفًا ومضللاً.
وهو يحمل المثقفين مسؤولية، لأنه يعتبر أن المثقف درجة أعلى من رجال المعرفة والعلم، لأن المثقف يفترض أن يلتزم بموقف أخلاقي تجاه مجتمعه. يقول إن المثقفين «يتمتعون في فرنسا بمكانة خاصة يمكن إرجاعها إلى عصر الأنوار (..) إنهم ليسوا رجال معرفة أو علوم، وحسب. لا شك أنهم يستطيعون تطوير مستوى المعرفة وتقليص حدود المجهول، لكن مساهمتهم في قضايا الجدل الذي يخوضه المجتمع هي التي تصنع الفرق والتي توصلهم إلى مرتبة المثقف المرموقة هذه»، يشرح ذلك قائلاً: «يتمتع فولتير بمكانة خاصة لأنه إضافة إلى مؤلفاته، وقف إلى جانب قضايا باسم الفكرة التي كوّنها عن العدالة».
يشير إلى كتاب «خيانة المثقفين» للمفكر والروائي الفرنسي جوليان بندا، الصادر عام 1927، وهو كتاب مهم مثّل صرخة في وجه المثقفين الذين تستهويهم مغريات السلطة والجماهير فتقودهم للانحياز لمصالحهم السياسية والنفعية على حساب دورهم ومسؤولياتهم الأخلاقية.
يفترض باسكال بونيفاس أن المثقف يجب أن يكون له موقف «تنويري» وملتزم بقضايا العدالة وتطور ونهضة المجتمع، مهما كانت المخاطر. ومِثل باسكال يناقش الكاتب الأميركي راسل جاكوبي، في كتابه «آخر المثقفين» تراجع دور المثقف في الحياة العامة. أما الناقد الفلسطيني إدوارد سعيد، فتحدث في كتابه «صور المثقف» عن الصورة الأخلاقية المفترضة للمثقف. وألف الكاتب البريطاني فرانك فوريدي أستاذ علم الاجتماع في جامعة كينت كتابا آخر باسم «أين ذهب كل المثقفين؟»، وكل هؤلاء افترضوا مسبقا أن المثقف محكوم بموقفه الأخلاقي.
أهمية هذا الكلام، أننا لا نشهد دورًا طليعيًا لرجال الثقافة في النقاشات الكبيرة التي تشغل الناس، وقليلون هم الذين يهمهم تطوير أدوات الحوار والنقد والتفكير المنطقي. أما ما يقلق فهو اشتغال بعض المثقفين بإشعال نيران التعصب وتدمير التعايش السلمي. كنا نطالب المثقفين أن يتحدثوا لكي يوجدوا فضاءات حرّة ونقية، أصبحنا نطالب بعضهم أن يصمت رحمة بالجمهور الذين يبث نحو التطرف والانغلاق.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.