رأس شيطان.. متعة التأمل والاستجمام بين الجبال والشطآن

افترش الرمال والتحف السماء واستمتع بالأنشطة المائية

شواطئ رملية ناعمة و جلسات بمحاذاة الشاطئ و «رأس شيطان» عنوان الجمال الطبيعي وروعة الشواطئ
شواطئ رملية ناعمة و جلسات بمحاذاة الشاطئ و «رأس شيطان» عنوان الجمال الطبيعي وروعة الشواطئ
TT

رأس شيطان.. متعة التأمل والاستجمام بين الجبال والشطآن

شواطئ رملية ناعمة و جلسات بمحاذاة الشاطئ و «رأس شيطان» عنوان الجمال الطبيعي وروعة الشواطئ
شواطئ رملية ناعمة و جلسات بمحاذاة الشاطئ و «رأس شيطان» عنوان الجمال الطبيعي وروعة الشواطئ

إذا كنت تمتلك روح المغامرة ولديك عشق جارف للتخييم بين سلاسل جبال تحيط بالمياه اللازوردية بين شطآن ووديان وكهوف طبيعية لا يرنو إلى سمعك سوى رقرقة أمواج البحر الأحمر وتغريد الطيور في ظل نسمات هواء نقي وأفق متسع، فعليك التوجه إلى «رأس شيطان»، المطلة على خليج العقبة والواقعة ما بين مدينتي نويبع وطابا في جنوب سيناء.
لا شك أن اسم تلك البقعة الغريب هو أول ما سيثير فضولك، لكنه اسم ليس على مسمى، حيث يعود سر تسميتها برأس شيطان إلى أن الأجانب الذين كانوا يداومون على زيارتها كانوا يجدون صعوبة في نطق اسمها الأصلي «رأس الشطآن» beach›s head، فتحولت مع الوقت إلى «رأس شيطان».
طبيعة بكر تأخذك بعيدا عن صخب الحياة العصرية والاسترخاء والاستجمام، حيث العيش على ما توفره الطبيعة فلا وجود للكهرباء أو للمرافق. كل ما هنالك هو عبارة عن 6 مخيمات «كامبات» تقع متراصة بجوار بعضها على مسافة لا تتجاوز كيلومتر مربع، بعضها يقع على تلال صغيرة مرتفعة قليلا عن الأرض تصعد إليها عبر درج صغير، أو مخيمات على الأرض مباشرة، حيث تفترش الرمال وتلتحف السماء.
كانت تلك البقعة الساحرة مجهولة لكثير من المصريين وكان أغلب زوارها من الإسرائيليين أو السياحة الوافدة عبر إسرائيل أثناء سيطرتها على طابا والتي استردتها مصر عام 1989. إلا أن الإقبال من السياح المصريين والعرب ظل ضئيلا طوال فترة التسعينات وكان الإقبال أكثر من الأوروبيون والروس. وبعد تأثر السياحة المصرية منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 أصبح المصريون يقبلون عليها، خاصة من الشباب الذي يداوم على القيام برحلات إليها، أو الاستمتاع بالموقع كاستراحة ما بين الرحلات من وإلى دهب ونويبع وطابا.
تقع «رأس شيطان» على بعد نحو 30 دقيقة بالسيارة من شمالي نويبع، وتتميز تلك البقعة الهادئة بالجبال الخلابة التي تحيط بلسان يمتد من مياه خليج العقبة التي تمتليء بالأودية والكهوف والسهول. أما مياه البحر في تلك المنطقة فهي رائعة للاستمتاع برؤية الشعاب المرجانية الصلبة والأسماك الملونة النادرة والأخطبوط وأسماك البافر وأسماك الجروبر القمرية.

* كيف تصل؟

إذا كنت موجودا بالقاهرة يمكنك استقلال رحلة مصر للطيران المتجهة لشرم الشيخ، وبوصولك للمطار يمكنك استئجار سيارة تقلك لـ«رأس شيطان» على بعد نحو ساعتين. أما إذا كنت تعشق السفر في الطرق الجبلية يمكنك استقلال أتوبيس إلى مدينة نويبع التي تقع على بعد 30 دقيقة من «رأس شيطان»، عن طريق الحجز من شركة «شرق الدلتا» المتخصصة في النقل الداخلي بمصر، وتبلغ تكلفة التذكرة نحو 100 جنيه (11 دولارًا) يمكنك استقلال الأتوبيس من وسط القاهرة «محطة الترجمان الرئيسية، أو ميدان عبد المنعم رياض المواجه لميدان التحرير بقلب القاهرة. أما إذا كنت تفضل القيادة فيمكنك قيادة سيارتك من القاهرة إلى نويبع وتستغرق الرحلة نحو 7 ساعات إلا أن الطريق عادة ما يكون به عدة نقاط تفتيش مما يتطلب دوما إظهار بطاقة الهوية وجواز السفر، مما يؤدي لإهدار وقت رحلتك.

الإقامة

لن تحار في أمر الإقامة، فليس هناك لك خيار سوى التخييم في أكواخ من القش وجريد النخيل أرضيتها من الرمال السيناوية الناعمة، جميعها تطل على شاطئ البحر، وهناك عدد صغير من الأكواخ المبنية من الطوب ومغطاة أيضًا بالجريد والقش لكن بعضها به جهاز مكيف هواء. باقي المخيمات تعتمد على المولدات الكهربائية في توفير مصدر للكهرباء يكفي لشحن الهواتف الجوالة وأجهزة الكومبيوتر، إلا أنه يتم فصلها بحلول منتصف الليل، ولا يبقى لك سوى ضوء القمر والنجوم البراقة وضوء اللهب الذي يتجمع حوله النزلاء للسمر. وتتنافس المخيمات والأكواخ فيما بينها في تقديم أفضل الخدمات والبرامج الترفيهية لجذب النزلاء، حيث يوجد في بعضها حمام سباحة وملاعب للتنس والكرة الطائرة وكرة السلة، ومن بينها: مخيم «عياش كامب» (01004442147) أو كاسل بيتش كامبCastle Beach Camp (0122739849)، أو بترا كامب Petra Camp(0104722001) أو مخيم كريزي هورس Crazy horse (01221633812).. وعلى الرغم من روعة المكان وسحره إلا أن الإقامة فيه تتميز بأسعار زهيدة جدًا، حيث يتراوح سعر الإقامة في الليلة الواحدة من 25 جنيهًا إلى 180 جنيهًا، ويمكنك الحصول على أي شيء ترغب فيه من مأكولات ومشروبات، حيث يوفر القائمون على المخيمات من بدو سيناء كل ما تحتاجه، فالإقامة هنا لمدة 4 أيام بكل التكاليف لن تتجاوز 500 جنيه مصري (نحو 60 دولارًا).

* المأكولات والمشروبات

تقدم تلك الأكواخ إفطارا بدويا مصريا عادة ما يتكون من: الفول والبيض بالبسطرمة والجبن بالطماطم مع السلطة الخضراء أو البابا غنوج وشاي المرمرية البدوي، أو كريب حلو أو حادق، بيتزا أو بطاطس مقلية مع سلطة الفواكه. أما العشاء فيكون عشاءا بدويا بامتياز يتكون من نصف فروج مشوي أو قطع لحم مشوية أو أسماك مشوية على الفحم مع كمية وفيرة من الأرز والخضراوات المطهوة بالفرن وسلطة أو مخللات، فضلا عن العصائر والمشروبات الغازية.

* أنشطة ممتعة

«رأس شيطان» مكان مثالي لقضاء عطلة مع الأصدقاء أو أفراد العائلة، حيث يمكنك في النهار الاستجمام والاستمتاع بالشمس وأنت تستلقي على أرائك خشبية، ولعشاق تسلق الجبال؛ يمكنك الاستمتاع برؤية تلك البقعة الساحرة من أعلى 9 جبال صالحة للتسلق، والتقاط الصور التذكارية الرائعة، أو السباحة أو الغوص السطحي الترفيهي «سنوركلينج» أو الصيد، أو القيام برحلة سفاري بين الوديان ومخرات السيول، أو ممارسة اليوجا ومراقبة الطيور المهاجرة، كما يمكن استئجار يخت للقيام برحلة بحرية ممتعة في خليج العقبة الساحر، إلا أنه لممارسة الغوص العميق يجب التنسيق مع أحد الغواصين المحترفين لأن العمق في تلك البقعة يصل إلى نحو 40 مترا. كما يمكنك التنسيق للقيام برحلة للمناطق القريبة من «رأس شيطان» إلى جبل موسى أو دير سانت كاترين التاريخي أو زيارة الوديان الملونة في نويبع، وكلها رحلات لا تزيد تكلفتها عن 100 جنيه. أو القيام بزيارة لقلعة «الترابين» المسماه على اسم أشهر قبائل سيناء التي تستوطن تلك المنطقة، وتقع القلعة على مسافة كيلومتر من منطقة الترابين الساحلية الشمالية في نويبع. شيدها السلطان المملوكي أشرف الغوري في القرن السادس عشر بهدف حماية منطقة سيناء من خطر الغزو التركي ورعاية المسافرين والحجاج المارين بهذه المنطقة. إلا أن القلعة لم تحقق الهدف من تشييدها، إذ احتلها الأتراك بعد تشييدها بفترة قصيرة، ولكن ظلت سببا لتوفير مياه الشرب للبدو باستخدامهم بئر القلعة. وفي المساء حيث يحلو السمر يمكنك الاستمتاع بالفقرات الفنية والرقصات البدوية السيناوية الجماعية، أو السهر مع ضوء القمر والتأمل في جمال وبهاء النجوم.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».