بالإضافة إلى اختيارات الشعب الأميركي في الانتخابات الرئاسية والتشريعية (والانتخابات التمهيدية)، تختار صحف أميركية مرشحيها، أيضا. لا يقتصر هذا على الصحف الكبيرة، ولكن يشمل، أيضا، صحف المدن الصغيرة والمقاطعات.
من رئيس الجمهورية إلى العمدة، والقاضي المحلي، ومدير الشرطة المحلي. (تعين ولايات كثيرة القضاة ومديري الشرطة بالانتخاب).
عندما يقترب يوم التصويت، يجتمع المجلس الذي يكتب الرأي اليومي للصحيفة، ويختار مرشحيه، خاصة اعتمادا على الأخبار التي نشرتها الصحيفة نفسها.
رغم الصراع الأبدي والأزلي بين السياسيين والصحافيين، ورغم عدم ثقة (أو عدم احترام) كثير من الصحافيين لكثير من السياسيين، وعدم ارتياح (أو عدم احترام) كثير من السياسيين لكثير من الصحافيين، يظل كل جانب يحتاج إلى ألآخر. ورغم أن كثيرا من السياسيين يلومون «الإعلام» عندما يهزمون في انتخابات، أو يشتركون في فساد، أو يتورطون في فضائح أخلاقية أو جنسية، يسارع هؤلاء السياسيين لكسب تأييد الصحف عندما يقترب يوم التصويت.
بل يتعارك المرشحون حول أي صحيفة أيدت أي مرشح.
يوم الجمعة الماضي، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» هجمات متبادلة بين مرشحي الحزب الديمقراطي: هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز حول أي صحيفة أيدت أي مرشح.
قالت حملة ساندرز الانتخابية إن مجلة «نيشن» (الأمة) الليبرالية أيدته. ولم تنتقد ذلك حملة كلينتون الانتخابية، رغم أنها كانت تريد تأييد هذه المجلة الليبرالية، التي هي ربما أكثر المجلات الأميركية الليبرالية احتراما. رغم أنها يمكن أن تكون «تقدمية»، أكثر منها «ليبرالية» (تميل أكثر نحو اليسار، حسب القاموس السياسي الأميركي).
في الحقيقة، هذا هو السبب الرئيسي لتأييد «نيشن» لساندرز، لأن ساندرز يكرر بأنه «تقدمي». في الجانب الآخر، تريد كلينتون أن تكسب المعتدلين داخل الحزب الديمقراطي، وتكرر أنها «ليبرالية»، لا «تقدمية».
لكن، تشاجرت كلينتون وساندرز عندما قال ساندرز إنه كسب تأييد صحيفة «ناشوا تلغراف» في ناشوا (ولاية نيوهامبشير). وإنه كسب، أيضا، تأييد صحيفة «فالي نيوز» في لبنان (ولاية فيرمونت). على مستوى الولايات المتحدة، ليست هاتان الصحيفتان هامتين، بل ربما لم يسمع بهما أحد خارج هاتين المدينتين الصغيرتين. لكن، لأن الانتخابات التمهيدية ستجرى في الولايتين خلال الأسبوعين القادمين، يريد كل مرشح تأييدهما.
سارعت حملة كلينتون الانتخابية، وقالت إن ساندرز كذاب، وإن الصحيفتين لم تؤيداه. وسارع رئيس تحرير كل من الصحيفتين، وأيد كلينتون، وقال إن هناك فرقا بين أن تكتب الصحيفة رأيا تؤيد فيه رأيا معينا قاله مرشح، وبين أن تؤيد الصحيفة المرشح في الانتخابات.
وغرد روجر كارول، رئيس تحرير «ناشوا تلغراف»: «لم نؤيد أيا من مرشحي الحزب الديمقراطي».
يوم الخميس، في المناظرة التلفزيونية بين كلينتون وساندرز في تلفزيون «إم إس أن بي سي»، سأل صحافي ساندرز عن الموضوع. وأجاب، في تردد: «نشرنا إعلانا بأن بعض الصحف أيدتنا، أو نشرت آراء إيجابية عنا». وسال الصحافي مرة أخرى: «لكن عنوان الإعلان يقول: (الصحف التي أيدتنا)، ولا يقول: (الصحف التي نشرت آراء إيجابية عنا)»؟
ومرة أخرى، تردد ساندرز، وقال: «لم نقل أيدتنا».
وهكذا، صار واضحا أن ساندرز كذب مرتين: قبل المناظرة التلفزيونية، وخلالها. ثم صار واضحا أنه هو، نفسه، يعرف ذلك. بعد المناظر، سارع وأمر بتغيير كلمة «أيدتنا» إلى كلمة «أثنت علينا».
لهذا، يبدو واضحا أن تأييد أي صحيفة، مهما كانت غير هامة، لأي مرشح، مهما كان غير هام، عامل هام في الانتخابات الأميركية، على اختلاف مستوياتها.
ولهذا، في الأسبوع الماضي، ثارت ضجة عندما أيدت صحيفة «نيويورك تايمز» مرشحين ضد مرشحين. بعد مرور أيام قليلة من اتهام السيناتور الجمهوري، تيد كروز، للصحيفة بانحيازها لكلينتون، أعلنت الصحيفة، في رأي رسمي، تأييد كلينتون. طبعا، جاء ذلك على حساب ساندرز، وليس لصالح كروز، أو منافس جمهوري آخر. وطبعا، احتج ساندرز، وشن هجوما عنيفا على «الإعلام». في جانب المرشحين الجمهوريين، أيدت «نيويورك تايمز» جون كاسيش، حاكم ولاية أوهايو. وهذه المرة، غضب كروز، المرشح الجمهوري، غضبا حقيقيا. ومثل ما فعل ساندرز، شن هجوما عنيفا على «الإعلام».
هل يجب أن تؤيد، أو تعارض، الصحف المرشحين؟
هذا رأي من صحيفة صغيرة: «نورث ويست هيرالد»، في مدينة كريستال ليك الصغيرة (ولاية أللينوي)، وعمر الصحيفة 160 عاما تقريبا: «لن نعلن من نؤيد، أو من نعارض، إلا في الشهر القادم. نريد أن نتمهل، وندرس، قبل أن نفعل ذلك».
وأضافت الصحيفة، في كلمة الرأي الرئيسية: «بدأ مجلس كتابة الرأي اجتماعات منفردة مع كل المرشحين (المحليين). على ضوء هذه الاجتماعات، سنعلن رأينا. وأيضا، رأينا في المرشحين للكونغرس ورئاسة الجمهورية».
في الحقيقة، هذا ما تفعل الصحف الكبيرة أيضا: يجتمع مجلس كتابة الرأي في كل صحيفة مع المرشحين، ويسألهم، ثم يكتب الرأي النهائي.
فعل ذلك مجلس كتابة الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز»، قبل أن يؤيد كلينتون الديمقراطية، وكاسيتش الجمهوري. وجاء في الرأي: «لم يكن اجتماعنا مع دونالد ترامب مفيدا كثيرا، وذلك لأنه خالف، عدة مرات، أدب وقوانين النقاش».
عن أهمية تأييد، أو عدم تأييد، الصحف للمرشحين، قال رئي صحيفة «نورث ويست هيرالد» الصغيرة: «عبر تاريخ الصحافة الأميركية، ظل رأي صحيفة في مرشح جزءا من العملية الديمقراطية. تقدم صحيفة الأخبار للناس. وتقدم، أيضا، الآراء. وليست هناك آراء أهم مِن من سيحكمنا، سواء على مستوى رئاسة الجمهورية، أو على مستوى مدير الشرطة المحلية».
وأضاف الرأي: «لكن، مؤخرا، بدا بعض الناس يقولون إن الصحيفة يجب أن تنشر الأخبار فقط. وتترك للناس تحديد آرائهم».
في نهاية الرأي، دعوة للقراء ليشاركوا بآرائهم. ويوضح ذلك أن الموضوع لم يحسم. مع عدم توقع أن تتوقف الصحف عن كتابة أرائها في المرشحين.لهذا، مع بداية الانتخابات التمهيدية هذه المرة، عادت كل الصحف إلى عادتها القديمة. وطبعا، لا تؤيد، أو تعارض، من دون تقديم أسباب:
عندما أيدت صحيفة «نيويورك تايمز» كاستش، قالت إنه ينتمي إلى الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري. وانتقدت زميله دونالد ترامب، وقال إنه تصرف تصرفات غير لائقة خلال الحملة الانتخابية. وأيضا، خلال اجتماعه مع المحررين الذين يكتبون رأي الصحيفة.
وعن كلينتون، قالت الصحيفة إنها أكثر تجارب في السياسة الخارجية من زميلها السيناتور بيرني ساندرز. وانتقدت ساندرز حتى في السياسة الداخلية. وقالت إنه، خلال سنواته في الكونغرس، لم يقدم إسهامات هامة. كان اقترح برنامج تأمين صحي شاملا تديره الحكومة، لكن قالت الصحيفة إنه برنامج «مثالي». اختارت كاستش، أيضا، صحيفة «بوسطن غلوب». لكنها تحدثت عن صعوبة الاختيار. وكتبت: «نلاحظ أن غضب الناخبين الأميركيين حقيقي. لكن، البديل لرئيس غير مناسب ليس اختيار رئيس غير مناسب». عن كاستش، قالت: «يبدو أحسن من غيره. يبدو واقعيا، على طريقة الرئيس السابق رونالد ريغان، الذي يقول بأنه كان أستاذه. ثم إن عمله حاكما لولاية أوهايو أعطاه خبرة كبيرة، بالمقارنة مع زملائه الأعضاء في الكونغرس. كان هو عضو في الكونغرس قبل أكثر من عشرين عاما». واختارت صحيفة «بوسطن هيرالد» كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي الجمهوري. وقالت إنه، مثل كاستش، يتمتع بتجارب الحكم الحقيقية.
واختارت «بوسطن غلوب» كلينتون، وانتقدت منافسها ساندرز بأنه «قليل التجارب العملية». وأشارت إلى أن كلينتون عملت وزيرة للخارجية، وقبل ذلك، كانت، مثل ساندرز، عضو في الكونغرس. وقالت الصحيفة: «هذا وقت هيلاري كلينتون». لسبب ما، لم تختار صحيفة «بوسطن هيرالد» مرشحا باسم الحزب الديمقراطي.
واختارت صحيفة «دي موين ريجستار» التي تصدر في دي موين (ولاية أيوا)، حيث جرت أول انتخابات تمهيدية، السيناتور ماركو روبيو باسم الحزب الجمهوري. وغضت النظر عن اتهامات لروبيو بأنه يغير آراءه، خاصة في موضوع المهاجرين غير القانونيين. (فاجأ روبيو الجميع، وفاز بالمرتبة الثالثة، مع توقع مزيد من الانتصارات له). قالت الصحيفة إن روبيو «نوع جديد من السياسيين». وأشارت إلى خلفيته الكوبية، وتأييد، أو احتمال تأييد، عدد غير قليل من المكسيكيين واللاتينيين له. في الجانب الديمقراطي، أيدت الصحيفة هيلاري كلينتون. وقالت إنها كانت تقدر على الفوز بترشيح حزبها في عام 2008، لكن، فاز عليها أوباما. (عندما أعلنت نتائج الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا، فاجأ سناندرز الجميع، وكاد أن يفوز على كلينتون). واختارت صحيفة «كونكورد مونيتور» (في ولاية نيوهامبشير) كاستش الجمهوري، وكلينتون الديمقراطية.
رغم أن هذه صحيفة صغيرة، وتصدر في مدينة صغيرة، يوضع لها اعتبار لأن الانتخابات التمهيدية القادمة، بعد انتخابات ولاية أيوا، ستكون في ولاية نيوهامبشير.
صحف أميركية.. تختار مرشحيها
أعلنت مواقفها على صدر صفحاتها الأولى
صحف أميركية.. تختار مرشحيها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة