«داعش» ينشط في أكبر منطقة قبلية على حدود باكستان وأفغانستان

مرصد الأزهر: شبكة تجنيد الشباب عبر الإنترنت تُدار من أوكار في البنجاب

{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
TT

«داعش» ينشط في أكبر منطقة قبلية على حدود باكستان وأفغانستان

{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})

أعلن مرصد الأزهر أن تنظيم داعش الإرهابي ينشط بشكل واضح وملحوظ في منطقة كُرم إيجنسي بباكستان، وهي منطقة قبلية تقع على الحدود الباكستانية الأفغانية، وتُعد أكبر منطقة قبلية ذات كثافة شيعية، وكانت هذه المنطقة مسرحا لمعارك الجيش الباكستاني ومسلحي طالبان قبل سنوات. وأضافت المشيخة في تقرير أعده مرصد الأزهر، أن شبكة تجنيد «داعش» للشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك» تُدار من أوكار في إقليم البنجاب الباكستاني. وبينما أكد مصدر مُطلع بالمرصد أن «إيران تتولّى تمويل شيعة باكستان من أجل تجنيدهم لقتال داعش في الداخل والخارج»، وعلى الرغم من إنكار الحكومة الباكستانية الدائم وجود «داعش» على أراضي البلاد، فإن التنظيم المتطرف ينشط في باكستان تحت زعامة زبير الكويتي العضو المنشق عن حركة طالبان باكستان، والذي كون جماعة باسم «جند الله» وأعلن مبايعته لتنظيم داعش. وأعلن «داعش» بأنه أمير جماعته في باكستان.

صرّح الدكتور حامد المكاوي أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر، بأن «الاضطراب في إقليم البنجاب الباكستاني يُهيئ لإيران تجنيد من تشاء للقتال بالوكالة في سوريا». في حين أكد تقرير مرصد الأزهر – المشار إليه أعلاه – أنه جرت دعوة شيعة إقليم خيبر باختونخاه (هو الإقليم الواقع في جنوب غربي باكستان) وعلى حدود أفغانستان وما حوله، لتشكيل قوة شيعية من أجل قتال «داعش».. وبالفعل تقدم العشرات من أجل تلبية هذا النداء استعدادا للقتال، مضيفا: أن «إيران قامت بتدريب المتقدمين تدريبًا عسكريًا قبل إرسالهم إلى سوريا.. وبالفعل سافر البعض منهم إلى سوريا عبر باكستان».
من جهته، قال المصدر المُطلع بمرصد الأزهر إن «هناك معلومات لدى الأجهزة الباكستانية عن تخطيط تنظيم داعش لتنفيذ هجمات إرهابية في مناطق مُتعددة في إقليم البنجاب، مضيفًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «عدد من انضم من الشباب لداعش من إقليم البنجاب – الذي هو أكبر إقليم باكستاني من حيث عدد السكان – يُقدر بنحو 200 شاب يقاتلون في صفوف التنظيم بسوريا والعراق»، ولفت إلى أن «السلطات الرسمية في باكستان تصدت خلال الفترة الماضية لمحاولات تأسيس فرع لداعش داخل الأراضي الباكستانية وبخاصة في البنجاب؛ لكن بعض المنتمين لداعش في باكستان يُسهلون سفر الذين يصار إلى تجنيدهم من الباكستانيين للقتال في سوريا، عبر المرور بالأراضي التركية، ومن بينهم نساء من إقليم البنجاب».
من ناحية أخرى، يقول مراقبون إن «العلاقات بين باكستان وإيران شهدت توترًا غير مسبوق مع مجيء طالبان إلى الحكم في أفغانستان في التسعينات من القرن الماضي، وهي الحركة التي أعلنت عداءها للشيعة وإيران.. ورأت طهران وقتها أنها حكومة معادية، خاصة أنها تدعم تحالف الشمال وترتبط بعلاقات قوية مع الطاجيك والأوزبك والشيعة الهزارة». ويؤكد المراقبون أن «العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة الأميركية أثرت سلبيًا على العلاقات الباكستانية الإيرانية، وأن علاقات إيران والهند لم تقف بعيدة عن معوقات العلاقة؛ إذ طوّرت إيران علاقاتها الاستراتيجية مع الهند متجاهلة الحساسية الباكستانية، ومتجاوزة العلاقات العميقة بين الهند وإسرائيل. وفضلا عن العلاقات السياسية شاركت الهند في تحديث ميناء جابهار وبندر عباس، ومدت بالتوافق مع إيران طريقًا بريًا إلى أفغانستان».
يشار إلى أن أول هجوم تبناه تنظيم داعش الإرهابي في باكستان كان في أبريل (نيسان) من العام الماضي، عندما استهدف حافلة في مدينة كراتشي ما أدى لمقتل 45 من الشيعة. ويومذاك سارع تنظيم داعش إلى تبنّي الهجوم ليكون بذاك أول عملية في باكستان يقف خلفها هذا التنظيم المتطرف الذي يسيطر على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا، والآن ليبيا. غير أن حكومة إسلام آباد نفت رسميًا أن يكون التنظيم ناشطًا على أراضيها، التي تشهد أعمال عنف مرتبطة بتنظيم «القاعدة» وحركة طالبان، منذ أكثر من عقد.
وتحاول جماعة «عسكر جنقوي» في باكستان، وهي المسؤولة عن عدد كبير من الاعتداءات على الطائفة الشيعية التي تُشكل 20 في المائة من السكان في مختلف أنحاء البلاد، لفت نظر تنظيم داعش لتوفير التمويل المالي لها كي تواصل هجماتها على الشيعة. ويقول المصدر المطلع في مرصد الأزهر، إن جماعة «عسكر جنقوي» المُتمركزة في البنجاب أرسلت بالفعل مئات المُقاتلين إلى سوريا، مستطردًا أن «الكثير من المتطرفين وخصوصًا من البنجاب توجهوا للقتال في سوريا وقُتل الكثير منهم هناك.. وإن أخبار سوريا والعراق واليمن هي الأكثر تداولا على منتديات المتطرّفين بين الشباب في باكستان».
وأضاف المصدر أن عدد التنظيمات التي أعلنت بيعتها أو دعمها لـ«داعش» تُقدر اليوم بنحو 31 تنظيما متطرفا، منهم 21 تنظيما أعلنت بيعتها لأبو بكر البغدادي زعيم «داعش» المزعوم، وهي تنظيمات موجودة في 13 دولة بدءًا من الجزائر، حيث توجد مجموعتان أعلنتا بيعتهما، وصولا إلى الفلبين وإندونيسيا. وأوضح أن أكبر عدد من الجماعات الموالية لـ«داعش» موجودة اليوم في باكستان ويبلغ عددهم 4 جماعات متطرفة. المراقبون يرون أن «العلاقة الآيديولوجية بين جماعات مسلحة باكستانية وتنظيم داعش ليست حديثة، فالمقاتلون الباكستانيون جزء من التنظيم منذ تأسيسه».. و«التهديد الفعلي على باكستان يتمثل في عودة مقاتلي جماعة عسكر جنقوي بعد مشاركتهم في القتال في سوريا والعراق بجانب داعش الإرهابي». وفي السياق ذاته، يقول الدكتور المكاوي، إن «هناك أدلة على تورّط إيران في تدريب عناصر شيعية من البنجاب واستقدامهم إلى سوريا وتدريبهم، ما يثبت تُورط طهران في تدريب عناصر بنجابية لقتال المسلمين السنة في سوريا، فضلا عن عناصر الحرس الثوري لديها والميليشيات العراقية».
كذلك تابع أنه «في باكستان 3 ملايين شيعي.. وإيران تسعى لتجنيد شيعة باكستان لقتال داعش ودعوا عبر المساجد بالمناطق التي يغلب عليها الشيعة في إقليم خيبر باختونخاه وحوله، حيث تقدم 50 شخصا بعد الإعلان، وأعلنوا استعدادهم للقتال، وتم إعادة البعض مرة أخرى؛ ليتجهزوا للقيام بأعمال عنف بباكستان، وتصدير البعض لسوريا كما ترعى أسر القتلى».
وذكر المكاوي أيضًا أن «جماعة جند الله التي هي أقرب لـ(القاعدة) قامت بتفجيرات أجبرت كثيرين من شيعة باكستان على العودة من سوريا، وهي تشبه جماعة عسكر جنقوي المناهضة للشيعة وتعمل عن كثب مع حركة طالبان الباكستانية.. والجماعتان ترتبطان بصلات وثيقة بتنظيم القاعدة المتطرف». وأضاف: «إن داعش فيه أفغان فروا إبان الغزو الروسي لإيران وبعثيون عراقيون كانوا يستعينون بالقاعدة لطرد الشيعة من العراق وفشلوا. والاضطراب بين السنة المسلمين والشيعة في البنجاب يُسهل حاليًا على إيران وداعش التمدّد في سوريا والعراق».. وأرف أن هناك اتفاقًا بين «داعش» وإيران على تكفير أهل السنة ووجوب القضاء عليهم، لكنهما على خلاف لأن كلا منهما يُريد القضاء على الآخر أيضا. وحسب المكاوي «تسلل عشرات الإيرانيين للتخطيط للشيعة الباكستانيين لمُهاجمة جماعة جند الله لكنهم وقعوا في قبضة قوات الأمن في باكستان». ولفت إلى أن إيران «تريد السيطرة على باكستان، وتستغل طهران حاجة جيرانها للغاز كباكستان وتركيا، سياسيا..».
وأوضح أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر، أنه إذا كان الاضطراب في إقليم البنجاب يُهيئ لإيران تجنيد من تشاء للقتال بالوكالة في سوريا، فإن اضطراب الأحوال من خلال القتال المُسلح من حول الإقليم له دوره في ذلك، حيث يُمثل العمق المكاني ويحكي البعد التاريخي للاختلاف. وبالفعل امتدت الاضطرابات بين الشيعة والسنة إلى الكثير من المناطق. وللعلم في باكستان تُمثل المناطق الشمالية المُلاصقة للصين مثل غيلغيت وهنزا وبلتستان واسكردو وغازارو وشيغر - التي تعيش فيها شيعة اثني عشرية وإسماعيلية - قلقًا بين الحين والآخر إذ تندلع فيها أعمال عنف طائفي، ويتهم السنة الشيعة بالعمل لإنشاء كيان لهم في هذه المناطق.
وثمة حضور شيعي في منطقة آتك وفي مدينة جنك بإقليم البنجاب. وكذلك في إسلام آباد بمنطقة كورم إيجينسي القبلية الخاضعة إداريًا للحكومة الفيدرالية في إسلام آباد، تندلع أحداث عنف مُسلحة خطيرة وبخاصة في الأيام العشرة الأولى من شهر المُحرم، يسقط فيها العشرات بين السنة والشيعة، وتستخدم فيه في بعض الأحيان الصواريخ والأسلحة الفتاكة.
وفي شرحه، أضاف الدكتور المكاوي لـ«الشرق الأوسط» أن ثمة حضورًا شيعيًا في إقليم بلوشستان، وبالذات في عاصمته مدينة كويتا، وهؤلاء يتكلمون اللغة الفارسية. ولهم ممثل بالبرلمان الإقليمي، وكانوا ولا يزالون يتمتعون بنفوذ كبير في دوائر صنع القرار بباكستان، لا سيما أنهم يشغلون مناصب قيادية في أغلب الأحزاب السياسية غير أنهم كحزب ديني يفتقرون إلى حضور سياسي. ومن جانب آخر، هناك منظمة «المُلة الجعفرية» التي أسست في عام 1988 بزعامة ساجد علي نقوي، وهو يعتبر ممثل الولي الفقيه (الخميني ثم خامنئي) في باكستان، ولقد جرى حظر هذه المنظمة خلال أغسطس (آب) عام 2001 في أعقاب سلسلة أحداث عنف طائفية حصدت 40 ألف نسمة في الفترة من 1980 وحتى 2005. وفي منطقة تشيترال (بشمال باكستان) التي تقطنها غالبية من الإسماعيلية الآغاخانية، يقال: إن هناك مُخططًا مدعومًا من قبل دول غربية لإنشاء وطن مستقل لهم. وفي لاهور نشأت منظمة «سباه محمد» الشيعية التي قتلت 30 من قادة السنة وغيرهم، ولدى المنظمة 30 ألف شاب مُدربين على فنون القتال، ولديها ثلاثة معسكرات تدريب في إيران.
من جهته، قال تقرير مرصد مشيخة الأزهر بالقاهرة، إن الجماعة الإرهابية المعروفة باسم «المجاهدين الهنود» على علاقة قوية مع تنظيم داعش الإرهابي، لافتًا إلى أن «داعش» تواصل مع عناصره إلكترونيًا عبر مواقع الإنترنت وعن طريق بعض المقابلات السرّية، وحصل شافي آرمر، مؤسس الجماعة، على ما يُقدر بنحو مائة ألف روبية وهو الآن عضو في تنظيم داعش. وتابع أنه على الرغم من كل الإجراءات الأمنية التي تقوم بها السلطات الهندية لمواجهة أي خطر محتمل من قبل «داعش»، تنشر مؤسسة «العصابة» التابعة للتنظيم الإرهابي «داعش» من وقت لآخر، فيديو مُصورا على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل اسم من قندهار إلى دلهي، للتخويف ونشر الرعب بين الأهالي.
وعن أشهر الجماعات المُتطرفة التي أعلنت بيعتها لـ«داعش» في باكستان وأفغانستان وإيران، قال الدكتور حامد المكاوي إن في مُقدمة هذه الجماعات كتيبة «أبطال الإسلام» وهي جماعة متشددة في خراسان وقامت بمبايعة «داعش» في سبتمبر (أيلول) عام 2014 بعدما انشقت عن تنظيم «القاعدة». وبايع التنظيم برئاسة أبو يزيد عبد القاهر خراساني، على لسان الناطق الرسمي باسمه «أبو دجانة الأفغاني» وهو مغربي الأصل، زعيم تنظيم داعش المزعوم أبو بكر البغدادي، قائلا في بيعته «إن داعش يحارب اليوم تحالف الغرب، والحكومات المُرتدة والشيعة، والقتال فرض عين على كل مسلم».
وأضاف المكاوي «وهناك جماعة أنصار التوحيد في الهند وباكستان، وهي جماعة هندية مُتشددة غير معروفة تعمل من باكستان، وقامت بمبايعة داعش في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014. ودعت لشن هجمات على غير المسلمين في منطقة جنوب آسيا، ردًا على غارات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وزعيمها هو عبد الرحمن الندوي الهندي. وهناك أيضًا حركة أوزبكستان وهي جماعة تنتشر بين باكستان وأفغانستان وأعلنت دعمها لداعش في أكتوبر عام 2014 وتتكون هذه الحركة المتشددة من خليط من العرب والباكستانيين والشيشان والروس والأوكرانيين والقرغيز والأوزبك والطاجيك، وزعيم الحركة هو عثمان غازي، فضلا عن تحرير طالبان، أو جماعة الأحرار، وهم مجموعة من المتشددين من قادة حركة طالبان باكستان بينهم المُتحدث باسم الحركة شهيد الله شهيد، انشقوا عن الحركة وبايعوا داعش في أكتوبر 2014 أيضًا».
وأخيرًا، من بين قيادات «طالبان» الذين أعلنوا الولاء لـ«داعش»: «أمراء» كل من مُقاطعة أوركزاي سعيد خان، ومُقاطعة كرم دولت خان، ومُقاطعة خيبر فاتح جل زمان، ومُقاطعة هنجو خالد منصور، ومدينة بشاور المفتي حسن. وكانت حركة «طالبان» أصدرت بيانا أكدت فيه ولاءها لـ«داعش»، غير أنها عادت وتراجعت عن موقفها، معلنة أن بيانها أُسيء فهمه، قائلة: «إن الحركة تدعم كل الفصائل المجاهدة في سوريا.. لا حركة أو تنظيمًا معينًا».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.