نحو 5 ملايين مدني تحت الحصار في 18 بقعة على الخريطة السورية

«خدمات جوية» في بلدات النظام المحاصرة.. ومجاعات في مناطق المعارضة

رجل يتفحص الدمار الذي لحق بمبنى في حلب نتيجة غارة جوية للنظام (رويترز)
رجل يتفحص الدمار الذي لحق بمبنى في حلب نتيجة غارة جوية للنظام (رويترز)
TT

نحو 5 ملايين مدني تحت الحصار في 18 بقعة على الخريطة السورية

رجل يتفحص الدمار الذي لحق بمبنى في حلب نتيجة غارة جوية للنظام (رويترز)
رجل يتفحص الدمار الذي لحق بمبنى في حلب نتيجة غارة جوية للنظام (رويترز)

أدت الحرب السورية المشتعلة منذ قرابة خمس سنوات إلى نشوء «حصارات» وحصارات متبادلة بين النظام السوري ومعارضيه، مع اختلاف نسبي في نوعية الحصارات، إذ تتمتع المناطق التي يحاصرها المعارضون بالمعونات الجوية التي تشمل حتى مسابقات الامتحانات المدرسية، بينما تعاني المناطق التي يحاصرها النظام في كثير من الأوقات من الجوع الشديد، كحال مدينة مضايا التي استقطبت الاهتمام العالمي بعد ظهور صور تبين حجم المعاناة.
ومع انضمام مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا، إلى اللائحة الطويلة من المناطق المحاصرة منذ اندلاع الأزمة في مايو (أيار) 2011. بدأ البحث الجدي من قبل الدول التي تقود التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بإمكانية استخدام الطائرات لإسقاط المساعدات جوا على غرار ما يقوم به النظام في المناطق التي تحاصرها المعارضة، وما قامت به موسكو أخيرا في دير الزور. وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض في الساعات القليلة الماضية أن الولايات المتحدة الأميركية لا «تستبعد إسقاط مساعدات من الجو على مناطق محاصرة في سوريا».
بحسب برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة فإن 18 منطقة سورية يتعذر الوصول إليها. ويُقدر بيير بوليه ديباريو، مدير برنامج منظمة «أطباء بلا حدود» في سوريا، عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت «درجات مختلفة» من الحصار في البلاد بما يتراوح بين 1.8 و2 مليون شخص. أما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) فيؤكد أن هناك 4.52 مليون شخص يعيشون في مواقع «يصعب الوصول إليها» في سوريا، بما في ذلك 393.700 شخص في 15 بقعة محاصرة.
راهنًا ترزح أكثر من 10 مناطق سورية تحت الحصار الكلي منذ أكثر من 3 سنوات، ويفتقر الآلاف من سكانها للطعام والدواء والاحتياجات الأساسية التي باتوا يسعون لتأمين ولو جزء صغير منها عبر وسائل بدائية ومختلفة. وهذا ما أشار إليه عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني الذي تحدث عن «اعتماد أهالي الزبداني طوال فترة حصارهم على الحمير لنقل المواد الغذائية من المناطق المحيطة عبر الطرقات الجبلية الوعرة»، لافتا إلى أن «أهالي منطقة الحولة التي تقع شمال شرقي مدينة حمص، ما زالوا يلجأون إلى القوارب التي يتنقلون فيها عبر الأنهار لتأمين حد أدنى من احتياجاتهم». وأوضح الداراني لـ«الشرق الأوسط» أن «الأنفاق تشكل وسيلة أساسية للمدنيين المحاصرين للتواصل مع محيطهم. ولقد انكب أهالي داريا القريبة من دمشق على حفر الأنفاق التي تصلهم بالعاصمة لكسر جزء من الحصار الذي يفرضه النظام عليهم».
في المقابل، لم تبلغ معاناة المناطق التي تحاصرها قوات المعارضة، وأبرزها بلدتا كفريا والفوعة في ريف محافظة إدلب وبلدتا نبّل والزهراء في ريف محافظة حلب - وكان الحصار قد فك عن الأخيرتين منذ أيام قليلة - مستويات متقدمة كالتي ترزح تحتها المناطق التي تحاصرها قوات النظام أو تنظيم داعش. والسبب أن النظام كان يلقي بشكل دوري كل أنواع المساعدات للمدنيين المحاصرين الذين يؤيدونه بينما يستثني كل أهالي المناطق المعارضة له.
ومن أبرز المناطق الخاضعة لـ«سياسة الحصار والتجويع» التي ينتهجها النظام لحث مقاتلي المعارضة على تسليمها للقوات الحكومية، مدن وبلدات الغوطة الشرقية لدمشق التي يعيش فيها نحو 700 ألف نسمة، وكذلك مدن وبلدات داريا والمعضمية والزبداني ومضايا (تقع في الريف الغربي لدمشق)، إضافة إلى حصار مطبق تفرضه القوات الحكومية على ريف محافظة حمص الشمالي، وبالتحديد تلبيسة والرستن وسهل الحولة. وانضمت مدينة حلب الواقعة في الشمال السوري إلى الريف الشرقي لحلب الذي يحاصره النظام و«داعش».
النظام يتمسك بسياسة الحصار والتجويع بعدما أثبتت فعاليتها في أحياء مدينة حمص القديمة وأحياء دمشق الجنوبية حيث اضطر المقاتلون للرضوخ لهدن مع النظام أو مغادرة مناطقهم لضمان وصول المساعدات إلى المدنيين.
واليوم يتخوف أكثر من 40 ألف شخص محاصر داخل بلدة مضايا الواقعة في ريف دمشق الغربي من استعادة التجربة المريرة السابقة بمشاهدة الأطفال والشيوخ يموتون من الجوع بعد نفاد معظم المساعدات الإنسانية التي أدخلت إلى البلدة نتيجة الحصار المفروض عليها من قبل قوات النظام السوري وعناصر حزب الله منذ أكثر من تسعة أشهر. وحقًا توفيت سيدتان في البلدة الخاضعة لسيطرة المعارضة قبل يومين جراء سوء التغذية وعدم توافر الأدوية. وأفاد محمد الشامي، الناشط في مضايا وعضو الهيئة الطبية في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنّه «تم إبلاغ الأمم المتحدة بوجوب إخراج السيدتين من البلدة نظرا لضرورة خضوعهما لعلاج عاجل، إلا أن أحدا لم يتجاوب معنا». كذلك أوضح الناشط نبراس محمد، من مضايا، أن السيدتين المتوفيتين تتراوح أعمارهما بين الخمسين والستين سنة، وكانت حالتهما متأزمة منذ دخول كادر الهلال الأحمر الطبي إلى البلدة منذ مدة، غير أن جميع الجهود المبذولة لإخراجهما من البلدة وتلقي العلاج اللازم باءت بالفشل، مؤكدا لـ«مكتب أخبار سوريا»، وجود أكثر من «30 حالة تعيش تحت الخطر في حال لم يتم إخراجها لتلقي العلاج».
وأشار المحمد إلى أن المساعدات التي دخلت البلدة خلال الشهر الفائت شارفت على الانتهاء، إضافة إلى عدم توافر الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية للعلاج، وخاصة تلك المخصصة لحالات سوء التغذية الناجمة عن الجوع، مذكّرا بأن عدد الذين لقوا حتفهم بسبب الحصار منذ دخول المساعدات الإنسانية قبل نحو شهر بلغ 18 شخصا. أيضًا أوضح محمد الشامي أن الهيئة الطبية في مضايا تقتصر حاليًا على طبيب بيطري واحد وطالبين في طب الأسنان، لافتا إلى أنّه يجري الاتصال بأطباء موجودين خارج مضايا لطلب مساعدتهم وخبراتهم في الحالات الصعبة وخاصة تلك التي تحتاج لعمليات جراحية. وأضاف: «رغم مطالبتنا مرارا وتكرارا بإجلاء أكثر من 35 شخصا يحتاجون لعلاج فوري، لم نرَ أي خطوات في هذا الاتجاه حتى الساعة، باعتبار أن الأمم المتحدة لا تتجاوب مع حجم الكارثة».
من ناحية ثانية، نفى الشامي نفيا قاطعا أن تكون أي مساعدات دخلت إلى مضايا منذ أكثر من 25 يوما، ليدحض بذلك ما أعلنته اللجنة الدولية للصليب الأحمر الخميس عن تمكنها من الوصول بمساعدات غذائية ومستلزمات للنظافة إلى بلدة مضايا وبما يكفي لنحو 12 ألف شخص وذلك بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري.
أما في الشمال السوري، فقد تردد في الأيام الماضية أن ممثلين عن مقاتلي معارضين، اتفقوا مع ممثلين عن النظام السوري وحزب الله، على «إدخال مساعدات دورية إلى كفريا والفوعة (وهما بلدتان شيعيتان تحاصرهما المعارضة في ريف إدلب) والزبداني ومضايا». وأشيع أن الاتفاق تم في تركيا، بوساطة أممية، وبرعاية تركية قطرية سعودية، وينص على إدخال مساعدات دورية إلى البلدات الأربع، بالإضافة إلى إدخال الهلال الأحمر لعيادات متنقلة لعلاج ضحايا سوء التغذية في مضايا، إلا أنه حتى الساعة لا معلومات رسمية في هذا الإطار، وقد ردت الأمم المتحدة على ناشطين في مضايا سألوها عن الموضوع بأن «لا يوجد شيء واضح بعد في هذا المجال».
هذا، ولا تقتصر الأحوال الإنسانية الصعبة على أهالي بلدة مضايا، فقد شهدت أسواق وصيدليات سهل الحولة، المحاصر من قبل قوات نظام الأسد منذ أكثر من أربع سنوات ويقطنه أكثر من 70 ألف نسمة ثلثهم من النساء والأطفال، فقدانا لغالبية المواد الغذائية والطبية، وانقطاعا تاما للتيار الكهربائي عنها، ما يهدد عمل المشافي الميدانية فيها بالتوقف، وذلك بعد تضييق القوات النظامية حصارها لها.
وقال التاجر عدي العلي من مدينة تلذهب في سهل الحولة لـ«مكتب أخبار سوريا» بأن المواد الغذائية الأساسية كالرز والسكر والطحين والخضار وجميع أنواع الزيوت، مفقودة بشكل كامل من السوق المحلية للمدينة، وسط إغلاق المحال التجارية لأبوابها. وأرجع السبب إلى قطع القوات النظامية لكل طرق التهريب إلى ريف حمص الشمالي المحاصر منذ عشرة أيام، ما دفع الأهالي خلال تلك الفترة إلى شراء الكثير من المواد خشية انقطاعها قريبا، على حد تعبيره.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».