السيسي يرسم صورة قاتمة الأوضاع في مصر.. ويؤكد: استراتيجيتي منع الانهيار

قال إن المصريين «يعيشون في بقايا دولة».. وأقر بفشل نظامه في التواصل مع الشباب

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه دينيس مانتوروف وزير الصناعة والتجارة الروسي في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه دينيس مانتوروف وزير الصناعة والتجارة الروسي في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
TT

السيسي يرسم صورة قاتمة الأوضاع في مصر.. ويؤكد: استراتيجيتي منع الانهيار

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه دينيس مانتوروف وزير الصناعة والتجارة الروسي في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه دينيس مانتوروف وزير الصناعة والتجارة الروسي في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)

رسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صورة قاتمة للأوضاع في بلاده خلال مداخلة هاتفية في برنامج تلفزيوني، مساء أول من أمس، أشار فيها إلى أن استراتيجيته خلال الفترة الأولى من حكمه (أربع سنوات) هي الحفاظ على الدولة من الانهيار، واعترف بعدم قدرة نظامه على التواصل مع الشباب، داعيا رابطة مشجعي النادي الأهلي (أولتراس أهلاوي) إلى المشاركة في لجنة تقصي حقائق حول كارثة مقتل 72 من زملائهم في استاد بورسعيد قبل أربع سنوات.
وكان الرئيس السيسي يعلق على هتافات غاضبة ضد المجلس العسكري الذي أدار شؤون البلاد قبل أربع سنوات، وكذلك وزارة الداخلية، أطلقها آلاف الشبان من رابطة «أولتراس أهلاوي»، خلال إحياء الذكرى الرابعة لـ72 من زملائهم الذين قتلوا في أحداث غامضة وقعت في استاد بورسعيد (شرق القاهرة) مطلع فبراير (شباط) 2012.
واعتاد الرئيس المصري الحديث عن التحديات التي تواجهه، لكنها تعد المرة الأولى التي يتحدث فيها علانية عن درجة تردي الأوضاع في مختلف القطاعات، قائلا إن «المصريين يعيشون في بقايا دولة».
وخلال المداخلة الهاتفية، طالب السيسي المصريين بالصبر، مشيرا إلى أنه في عام 2011 كانت مصر «بقايا وأشلاء دولة بعد 50 عاما من الإهمال بعد هزيمة 1967»، مؤكدا أن استراتيجيته في السنوات المقبلة هي «تثبيت الدولة ومنع انهيارها»، واصفا التحديات التي تواجه مصر الآن بأنها «فوق الخيال».
وغالبا ما كان الرئيس المصري ينتقد سياسات سلفيه محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وحسني مبارك الذي أطاحت به ثورة «25 يناير (كانون الثاني)»، لكنه في حديثه إلى الإعلامي عمرو أديب في برنامجه «من القاهرة» ألقى باللائمة أيضا على الرئيسين الراحلين أنور السادات وجمال عبد الناصر. وقال السيسي إن «الإنصاف والعدالة يقولان إن 50 سنة من التردي تحتاج إلى 50 سنة أخرى لإعادة البناء»، لكنه أعرب عن تفاؤله بأن «إعادة البناء سوف تستغرق أقل من ذلك».
وأثارت تصريحات السيسي بشأن انتقاد الرؤساء السابقين حفيظة أنصاره من القوميين والناصريين، كما أزعجت أنصار الرئيس السادات.
وأظهر الرئيس السيسي، في تعليقه على غضب شباب «أولتراس» الذين احتشدوا أول من أمس في استاد «مختار التتش»، القريب من ميدان التحرير رمز الثورة المصرية، لإحياء ذكرى زملائهم، إدراكه أزمة انعدام الثقة بين نظامه وجيل الشباب الذي يمثل 60 في المائة من المصريين.
ودعا السيسي رابطة مشجعي النادي الأهلي للمشاركة في لجنة لبحث أسوأ كارثة في تاريخ الرياضة المصرية التي وقعت عقب نهاية مباراة فريقهم ضد النادي المصري في مدينة بورسعيد في مطلع فبراير 2012. وقال إن من الممكن تشكيل لجنة للبحث في الموضوع تضم أعضاء من الأولتراس، مضيفا أنه «لا شيء نريد أن نخفيه». واعتبرت روابط المشجعين مصدرا للإزعاج خلال السنوات الماضية، خاصة في ظل تحديهم العلني للشرطة. ورغم الاتهامات التي توجه لهم حاليا باختراقهم من قبل جماعة الإخوان الخصم الرئيسي للنظام القائم، فإن أعنف موجة احتجاجات لرابطة «أولتراس أهلاوي» وقعت خلال حكم مرسي حينما أشعل المحتجون اتحاد الكرة ونادي ضباط الشرطة بوسط القاهرة، في مشهد أعاد للأذهان مشاهد حريق القاهرة في خمسينات القرن الماضي.
وأضاف الرئيس السيسي موجها حديثه لمشجعي النادي الأهلي: «تعالوا شاركوا في لجنة سنشكلها من جديد. اطلعوا على ما تم عمله قبل ذلك. وانظروا أنتم أيضا ماذا تريدون فعله وحققوا في الموضوع».
وردد آلاف الشبان من «أولتراس» أول من أمس هتافات ضد المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع رئيس المجلس العسكري الأسبق. ورفع المشجعون لافتة كتب عليها: «لا تصالح مع القتلة»، كما هاجموا وزارة الداخلية المصرية التي أثارت ممارساتها خلال الفترة الماضية قلق نشطاء وحقوقيين.
وقبل أيام اعتقلت قوات الأمن رسام كاريكاتير شابًا، مما أدى لعاصفة غضب محلية ودولية. وفي مداخلته، انتقد الرئيس السيسي طريقة تعامل الأمن مع رسام الكاريكاتير إسلام جاويش. وأقر الرئيس السيسي بإخفاق نظامه في مصر في «التواصل والتفاهم» مع الشباب، ولمح إلى أن التعامل مع جاويش لم يكن صحيحا. وأطلق سراح جاويش دون توجيه اتهامات له بعد توقيفه لنحو 24 ساعة.
وتعهد السيسي في المداخلة التلفزيونية بالعمل على تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن وحقوق الإنسان، غير أنه قال إن تحقيق هذا التوازن «أمر حساس ودقيق ويحتاج إلى جهد كبير ومتابعة دقيقة».
من جانبه، ندد مجلس إدارة النادي الأهلي في بيان على موقعه الرسمي على الإنترنت، بهتافات جماهيره واللافتات التي رفعتها. وقال البيان: «يؤكد النادي على اعتزازه الكامل بشهدائه في مذبحة بورسعيد.. لكن في ذات الوقت يرفض مجلس الإدارة شكلا ومضمونا كل الإساءات التي صدرت عن البعض من الجماهير.. في حق مؤسسات الدولة». وأضاف البيان أن «الكل يفخر بهذه المؤسسات الوطنية ويساندها، وفي مقدمتها القوات المسلحة الدرع الواقية للبلاد ورجال الداخلية الذين يمثلون الأمن والأمان.. ولا ينكر إلا جاحد دور كليهما البارز في عودة الحياة من جديد للملاعب الرياضية وإنقاذها من المصير المجهول». وقرر مجلس الإدارة منع دخول المشجعين.
وتخوض السلطات الأمنية في مصر حربا مفتوحة مع تنظيمات إرهابية تنشط في شبه جزيرة سيناء، إلا أن عملياتها امتدت إلى قلب دلتا النيل، مما أضر بقطاع السياحة الذي يعد أحد الموارد الرئيسية في البلاد.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».