«الفاو» تحذر من انعدام الأمن الغذائي لأكثر من 14 مليون نسمة في اليمن

قالت إن «الأرقام الراهنة تبعث على الذهول».. ونصف السكان يواجهون سوء التغذية

يمنيون يلتقطون الفضلات قريبا من ميناء الحديدة على البحر الأحمر (رويترز)
يمنيون يلتقطون الفضلات قريبا من ميناء الحديدة على البحر الأحمر (رويترز)
TT

«الفاو» تحذر من انعدام الأمن الغذائي لأكثر من 14 مليون نسمة في اليمن

يمنيون يلتقطون الفضلات قريبا من ميناء الحديدة على البحر الأحمر (رويترز)
يمنيون يلتقطون الفضلات قريبا من ميناء الحديدة على البحر الأحمر (رويترز)

انعدام الأمن الغذائي لأكثر من 14 مليون نسمة في اليمن أصبح من أهم المشكلات الذي يواجهها هذا البلد الذي يعد من أكثر بلدان العالم فقرا وندرة في موارد المياه، إذ حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» أن الصراع الحالي والقيود على الاستيراد أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية الضرورية وارتفاعًا هائلاً في أسعارها، مضيفة في تقريرها السنوي أن الوضع في حالة تدهور مستمر والحالة تتفاقم من سنة إلى أخرى، وبزيادة أعداد من يواجهون تبعات انعدام الأمن الغذائي بنسبة 12 في المائة عن العام الماضي، و36 في المائة عن عام 2014.
وقالت المنظمة المتخصصة التابعة للأمم المتحدة في بيان صدر أول من أمس إن أكثر من نصف مجموع سكان اليمن، أي نحو 14.4 مليون شخص، يواجهون هذه المحنة. وقبل أيام اعتبر برنامج الأغذية العالمي أن المستوى في شحة المواد الغذائية وصل إلى حالة الطوارئ، وهو المستوى الذي يسبق المجاعة. وتعد تعز واحدة من المحافظات العشر، من إجمالي 22 محافظة في اليمن، التي تعاني انعدام الأمن الغذائي الشديد، وفقًا لمقياس مكون من خمس نقاط في التصنيف المرحلي المتكامل لحالة الأمن الغذائي. وهناك واحدة على الأقل من كل خمس أسر في المنطقة لا تجد ما يكفي من الغذاء لتعيش حياة صحية، وفقدت مصادر رزقها وتواجه معدلات سوء التغذية الحاد التي تهدد الحياة. وفي هذا السياق يناشد برنامج الأغذية العالمي السماح بالمرور المنتظم والآمن للمواد الغذائية لجميع المدنيين المحتاجين في جميع أنحاء اليمن.
وقال ممثل «فاو» في اليمن الخبير صلاح الحاج حسن إن «انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بلغا مرحلة جد حرجة»، داعيًا إلى دعم عاجل لمساعدة الأسر على إنتاج الغذاء وحماية الماشية وكذلك اتخاذ تدابير لتسهيل استيراد المواد الغذائية والوقود التي تزيد الحاجة إليها.
وأشار إتيان بيترشميدت نائب ممثل المنظمة ورئيس فريق الاستجابة للطوارئ في اليمن، إلى أن «الأرقام الراهنة تبعث على الذهول»، واصفًا الوضع بأنه «أزمة منسية، بينما يقف ملايين اليمنيين في أمسّ الحاجة إلى المساعدة بجميع أنحاء البلاد».
وأضاف أنه في ظل هذه الظروف الحرجة «من الأهمية بمكان أكثر من أي وقت مضى دعم الأسر لكي تنتج غذاءها بأنفسها وتقلل من اعتمادها على الواردات الغذائية ذات الندرة المتفاقمة والتكلفة المتنامية».
وتمخض نقص الوقود والقيود المفروضة على الواردات، حيث يعتمد اليمنيون على أكثر من 90 في المائة من المواد الغذائية الأساسية لهم من الاستيراد، عن التراجع في توفر السلع الغذائية الأساسية، مسببًا ارتفاعات بالغة الحدة في الأسعار والوقود منذ تصاعد الصراع في مارس (آذار) 2015. وتعتمد اليمن أشد الاعتماد على الواردات نظرًا إلى أن ما لا يتجاوز أربعة في المائة من أراضي البلاد صالحة للزراعة، ولا يستخدم حاليًا سوى جزء ضئيل من تلك الرقعة في إنتاج الغذاء.
ووصل عدد المشردين داخليًا إلى نحو 2.3 مليون نازح، أي بزيادة تتجاوز 400 في المائة منذ يونيو (حزيران) 2015، فيما يُلقى بضغوط إضافية على المجتمعات المستضيفة لهم، التي تناضل بالفعل لتلبية احتياجاتها إزاء المتوافر من الموارد الغذائية.
ويشغل إنتاج المحاصيل، وتربية الماشية، وصيد الأسماك 50 في المائة من القوى العاملة في اليمن وهي المصادر الرئيسية لسبل المعيشة بالنسبة لثلثي مجموع سكان البلاد.
لكن نقص مدخلات أساسية مثل البذور والأسمدة أضر بإنتاج المحاصيل أيما ضرر، وتشير التقديرات إلى أن الصراع الأخير بالذات جرّ خسائر هائلة على قطاع الزراعة. وترتّب على تضاؤل فرص الدخل وتعطّل الأسواق تفاقم الاحتياجات الماسة بالفعل، في اليمن حتى قبل تفجر النزاع الحالي. ويعد دعم سبل كسب الرزق حاسم بالنسبة لسكان الريف الذين يبعدون على الأغلب عن متناول المساعدات الإنسانية. وعلاوة على هذه الأوضاع المروّعة، تعرضت اليمن لإعصارين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مما شل سبل معيشة الصيادين على طول خطوط السواحل الوطنية. لكن قامت المنظمة بتقديم معدات جديدة للصيادين الذين فقدوا مصادر رزقهم بسبب الأعاصير الأخيرة حتى يتمكنوا من العودة إلى الإبحار لصيد الأسماك.
وعلى نحو يعكس مدى الاحتياجات القائمة والمتزايدة، رفعت «فاو» من مقدار نداء التمويل السنوي من السنوات السابقة إلى 25 مليون دولار لعام 2016، بغية مساعدة الأسر على إنتاج الغذاء وبناء قدرات التجاوب من خلال ممارسة جملة متنوعة من الأنشطة.
ولدعم الاحتياجات الغذائية العاجلة للسكان، كثفت المنظمة عملها مع الجماعات النسائية المحلية لدعم زراعات الفناء الخلفي، من خلال توزيع البذور والمساعدة في تربية الدواجن للنهوض بتغذية الأسرة وتهيئة دخل إضافي بالتسويق. وبالنسبة للمزارعين الأكبر حجمًا والعُرضة لأضرار الوضع الراهن، قامت «فاو» على توفير مضخات الري المشغلة بالطاقة الشمسية، بمساعدة جمعيات مستخدمي المياه من أجل السماح للمزارعين بمواصلة الإنتاج بغض النظر عن نقص الوقود الذي جعل تشغيل مضخات الديزل أمرًا مستحيلاً في حالة الكثيرين. وتصنّف اليمن من بين أشد بلدان العالم التي تعاني من ندرة المياه بأقل من خمسة في المائة من المتوسط العالمي المتاح للفرد سنويًا، مما يجعل الري مصدر قلق رئيسيًا للمزارعين. ومن خلال مشروع حوض صنعاء، تعمل منظمة «فاو» على مساعدة المزارعين تطبيق الممارسات الزراعية «الذكية مناخيًا» لزيادة الإنتاجية وتحسين إدارة المياه. وينطوي صون صحة وإنتاجية القطعان الحيوانية على القدر نفسه من الأهمية، وتعمل «فاو» مع شركاء محليين لإجراء حملات التطعيم وتوزيع العلف الحيواني. وأوضح الخبير بيترشميدت، أنه «مثل جميع وكالات الإغاثة العاملة في اليمن في الوقت الراهن، نحن نعمل وسط قيود شديدة تكبّل حركة التنقل والوصول إلى أجزاء كثيرة وواسعة من البلاد - ولذا فعلينا أن نكون واقعيين بشأن ما يمكن أن نقدمه»، مضيفًا أن أهداف برنامج «فاو» الحالي تغطي احتياجات نحو نصف مليون فرد. وأضاف: «ومع ذلك نحن نشهد آثار التحسن المباشرة بفضل التدخلات الصغيرة، مثل تربية الدواجن في الفناء الخلفي والزراعة المشتركة مع تربية المجترات الصغيرة، فيما ساعد الأسر على تناول غذائها وبيع الفائض لتوليد دخل للأسرة، ولسوف نغتنم كل فرصة ممكنة لدعم المجتمعات المحلية على الاستمرار في الإنتاج وسط هذه الظروف البالغة الصعوبة».
من جهة، نظمت مؤسسة الرقي للتنمية البشرية ندوة في محافظة الضالع، جنوبي البلاد، بعنوان «معا من أجل الأمن والاستقرار». وقال المدير التنفيذي للمؤسسة، نبيل العفيف لـ«الشرق الأوسط» إن الندوة تستهدف القائمين على العملية الأمنية من لجنة أمنية ومكونات المقاومة وسلطة محلية وكافة شرائح المجتمع المحلي باعتبارها جميعا داعمًا ومساهمًا في إنجاح أي مهام أمنية وفي مختلف الظروف والأوقات.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».