«مولد أمة» يولد مرتين

فيلم جديد حول العنصرية يعكس الصورة المخفية

«مولد أمة» مختلف في صندانس  -  من فيلم سبايك لي الأحدث عن مايكل جاكسون
«مولد أمة» مختلف في صندانس - من فيلم سبايك لي الأحدث عن مايكل جاكسون
TT

«مولد أمة» يولد مرتين

«مولد أمة» مختلف في صندانس  -  من فيلم سبايك لي الأحدث عن مايكل جاكسون
«مولد أمة» مختلف في صندانس - من فيلم سبايك لي الأحدث عن مايكل جاكسون

إثر العرض الأول لفيلم «مولد أمة» نهض الجمهور الذي احتشد لمشاهدة الفيلم في عرضه الأول في مهرجان «صندانس» وقوفًا لتحية فيلم يدور حول العنصرية.
لكن هل نتحدث عن الفيلم الذي حققه ديفيد وورك غريفيث سنة 1915؟ هل أعيد اكتشافه فوجده جمهور اليوم مختلفا عما قيل فيه منذ مائة عام؟ ماذا عن المظاهرات والاحتجاجات التي عمت بعض مدن أميركا الكبرى آنذاك ضد فيلم هو، على جودته المذهلة، عنصري وبدرجة مذهلة أيضًا؟
بعد عرض ذلك الفيلم الذي بارك وجود منظمة «كوكلس كلان» المدافعة عن شرف البيض ضد العرق الأسود والذي صوّر المقاتلين السود الذين حاربوا في صفوف القوّات الاتحادية خلال الحرب الأهلية الأميركية كمصدر خوف وترهيب، فوجئ المخرج غريفيث برد فعل مناهض لفيلمه لم يحسب له أي حساب من قبل. ما هي إلا سنة واحدة وأخرج فيلما مناهضًا للفيلم المذكور سماه «تعصب» (أو «عدم تحمل» إذا أردنا ترجمة دقيقة لكلمة Intolerance) ممجدًا الحب عبر عدة عصور بدءًا من البابلية إلى الزمن الحاضر.
لكن الأذى الذي تمثل بـ«مولد أمة»، المأخوذ عن رواية لا التباس في عنصريتها عنوانها The Clansman) وضعها توماس ف. ديكسون جونيور) كان قد حل وبقي الفيلم، على حسناته الفنية، وصمة لا يُذكر الفيلم إلا وهي تشوبه.
* في الوقت المناسب
على أن هناك «مولد أمة» جديد هو من وقف حضور مهرجان صندانس لتحيته والتصفيق له بحرارة استمرّت بضع دقائق. فيلم آخر يسرد حكاية تقع في إطار الحرب الباردة ذاتها لكن من زاوية ضحاياها الفعليين الذين سعوا للتحرر من العبودية في أحداث وقعت سنة 1831 عندما هبّ عبيد تم تحريرهم بمهاجمة معقل جنوبي في ولاية فرجينيا لتحرير سود ما زالوا عبيدًا. الفيلم من إخراج نات باركر (أفرو - أميركان) الذي كتب القصة وشارك في كتابة السيناريو وقام بتمثيل محرر العبيد نات تيرنر، وهو يصوّر الضغوط الإنسانية التي فجرت تلك الهبة.
نات باركر هو ممثل في الأصل، لكنه توقف عن العمل لسبع سنوات تطلبها تحضير هذا الفيلم، رافضًا أن يشغل نفسه بعمل آخر. اضطر لتجهيزه بعيدًا عن الأعين. لا أخبار عنه ولا هالات كتلك التي تستخدمها الأفلام السائدة قبل أعوام من عروضها التجارية. حتى إذا ما حل مهرجان «صندانس» الذي انطلق في الحادي والعشرين ويستمر حتى الحادي والثلاثين من هذا الشهر، فوجئ الحضور به، علمًا بأن محاولة مسبقة لتحقيق فيلم مأخوذ عن رواية تدور حول نات تيرنر، وضعها ويليام ستايرون جرت في الستينات على يدي المخرج الراحل نورمان جويسون. المشروع فشل وقام جويسون على أثر ذلك بتحقيق فيلمه البوليسي (حول العنصرية) «في حرارة الليل» In the Heat of the Night عوضًا.
يحط الفيلم في ظروف عاصفة: أكاديمية العلوم والفنون السينمائية أقرّت تغييرات في نظام التصويت بهدف إتاحة المزيد من الفرص لذوي الأقليات العنصرية. هذا ما قد يدلف بها إلى مشكلة أخرى إذ إن أحد بنود هذا التغيير هو إعفاء الأعضاء القدامى من التصويت إذا ما توقفوا عن العمل منذ ثلاثة عقود، ما يكشف بدوره عن أن مئات، إن لم يكن أكثر، من المصوّتين هم، كما أوردنا سابقًا، من البيض الذين تجاوزوا السبعين ولم يقفوا أمام الكاميرا منذ سنوات مديدة.
وحتى بعيدًا عن عاصفة الأوسكار، يأتي «مولد أمة» الجديد لكي يواكب الوضع الصعب الذي تعاني منه العلاقات البيضاء - السوداء اجتماعيًا وبعد أحداث عمت السنتين الأخيرتين وجد فيها السود أنفسهم معرّضين للقتل لمجرد أنهم ذوي بشرة داكنة، وعلى أيدي رجال البوليس أنفسهم.
هذا الوضع المتأزم على الصعيدين الفني والثقافي، كما على صعيد الحياة الاجتماعية ذاتها، أفاد الفيلم كما لم يتوقع أحد بمن فيهم باركر نفسه. ما أن تم عرض الفيلم في الرابع والعشرين من هذا الشهر، حتى هبت شركات التوزيع في طلب شرائه. من بينها «ميراماكس» (التابعة لـ«ديزني») وشركة جديدة باسم «إنترتينمنت ستديوز». هذه الأخيرة عرضت 20 مليون دولار ثمنًا للفيلم لكن باركر وشركاه وافقوا على عرض شركة «فوكس سيرتشلايت بيكتشرز» بسعر 17 مليون و500 ألف دولار، كون الشركة سبق لها وأن تعاملت مع فيلم مماثل هو «12 سنة عبدًا» وقادته إلى حيث خرج بثلاث جوائز أوسكار من بينها أوسكار أفضل فيلم في عام 2013.
* أفلام أخرى
موضوع العنصرية وتعدد الأعراق لم يكن حكرًا على «مولد أمة» الجديد، شهد فيلم غريفيث الأول أعمالاً مناوئة لكنها لم تترك الأثر ذاته، من بينها أفلام أول مخرج أسود وهو أوسكار ديفيريو ميشو (1884 - 1951) الذي اعتنى بإيجاد موقع قدم في صناعة كانت أيامها (في الثلاثينات) حكرًا على البيض وحدهم. فيلم نات باركر جاوره في عروض صندانس هذا العام «موريس من أميركا» لمخرج جديد آخر هو تشاد هارتيغان، و«الجانب الجنوبي معك» (South Side With You) وهي حكاية عاطفية حول ولادة الحب في اللقاء الأول بين ميشيل روبنسون وباراك أوباما الذي أدّى إلى زواجهما. هذا الفيلم من إخراج رتشارد تان.
وقام سبايك لي بعرض فيلمه الجديد «رحلة مايكل جاكسون من موتاون إلى النشاز» وهو فيلم تسجيلي ستعرضه محطة «شوتايم»، وهو ثاني فيلم له في غضون هذا العام، إذ سبق وأن عرض، بلا نجاح تجاري مواكب، فيلمه الروائي الجديد «شي - راك» (جمع ما بين كلمتي Chicago وIragq) وموضوعه ليس العنصرية بين البيض والسود (إلا لمامًا) بل حرب العصابات السوداء نفسها التي تزهق عددًا من الأرواح يفوق ما يتعرّض له السود في مجالات ودروب حياة أخرى.
لكن هذه الأعمال تبقى في نطاق تلك الموجهة إلى جمهور معين وليس إلى الجمهور العام. صحيح أن «مباشرة من كومبتون» عرض تجاريًا وبنجاح، إلا أن ما ساعده هو موضوع شائك لشخصيات غنائية حقيقية عانت من التفرقة، ولو أن هذه المعاناة فجر طاقاتها في مجال آخر. ما هو سائد أكثر تلك الأفلام الكوميدية التي يقوم ببطولتها ممثلون أفرو - أميركيون متجاوزين (ولو إلى حد) المسألة العرقية. وفي الصالات أحدها هذا الأسبوع وهو Ride Along 2



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.