على مدار القرن الماضي، كان سعر وأداء الحوسبة يمران بمنحنى أسي. وكما لاحظ عالم الدراسات المستقبلية راي كرسويل، فبمجرد أن يتحول أي نوع من التكنولوجيا إلى تقنية معلومات، فإن تطوره يمضي بنفس المنحنى، ومن ثم نرى تقدما فائقا في تقنيات مثل المستشعرات والشبكات والذكاء الصناعي، وصناعة الروبوتات. أما التقاء كل هذه التكنولوجيات سوية فهو ما يضع أشياء مذهلة في حدود الممكن.
كان العام الماضي نقطة التحول في اعتماد الإنترنت والأجهزة الرقمية الطبية، وتطبيق بلوك تشين blockchain (وهو سجل لتحويلات النقود الإنترنتية بتكوين - المحرر)، وتعديل الجينات، والطائرات من دون طيار والطاقة الشمسية. أما العام الحالي فسيكون البداية لثورة أكبر، وهي ثورة ستغير أسلوب حياتنا، وتسمح لنا بدخول عوالم جديدة، وتقودنا إلى مستقبل بلا عمل. نعم، مقابل كل شيء جيد هناك هو شيء سيئ؛ ستصبح أشياء رائعة ممكنة، لكنها ستخلق مشكلات جديدة للجنس البشري.
ذكاء صناعي
إليكم ستا من التقنيات الجديدة التي ستجعل هذا يحدث، والجوانب الجيدة التي ستحدثها:
1. الذكاء الصناعي. في عالم الذكاء الصناعي، هناك مقولة شائعة: «الذكاء الصناعي A.I. هو أي شيء لم يتم عمله بعد». وهم يصفون هذا بـ«تأثير A.I». ويقلل المشككون من شأن سلوك برنامج للذكاء الصناعي بالقول إنه مجرد حوسبة للقوة الغاشمة وخطوات رياضية ومنطقية مرتبطة بها.
وهناك جانب وجيه في هذا الانتقاد، فحتى وإن هزمت الكومبيوترات أساتذة الشطرنج واللاعبين وبات بمقدورها محادثتنا وقيادة السيارات، فإن تطبيقات مثل «سيري» و«كورتانا» ما زالت مشوبة القصور ومثيرة للاستياء. نعم، إن بمقدورها إلقاء النكات وإخبارنا عن حالة الطقس، لكنها ليست من نوعية المساعد الرقمي الذي شاهدناه في فيلم «هير» مثلا.
لكن هذا يوشك أن يتغير - لدرجة أن يعترف المشككون بالوصول إلى مرحلة «الذكاء الصناعي». لقد حدثت اختراقات كبرى في مجال الشبكة العصبية لـ«التعلم العميق»، التي تتعلم باستيعاب كميات هائلة من البيانات: علمت شركة «آي بي إم» نظامها للذكاء الصناعي، المعروف باسم «واطسون»، كل شيء من الطهي إلى الشؤون المالية، إلى الطب و«فيسبوك». أما «غوغل» و«مايكروسوفت» فحققتا تقدما كبيرا في أنظمة التعرف على الوجه والكلام بطريقة البشر.
وعلى سبيل المثال، بلغ نظام التعرف على الوجوه، القائم على الذكاء الصناعي، حدود القدرة البشرية تقريبا. ويمكن لنظام «واطسون» من إنتاج «آي بي إم» أن يشخص أنواعا معينة من السرطان أفضل من الطبيب البشري.
2. الروبوت. ألزمت مسابقة تحدي الروبوت 2015، التي تنظمها وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة، الروبوتات بالخوض في مسار من 7 مهمات يحاكي منطقة كوارث. وتقريبا كان من المثير للضحك رؤية الروبوتات وهي تتحرك ببطء وتتجمد وتسقط.
ومع هذا، فقد تكون الانفراجات في المتناول. وبداية، فإن الجيل الجديد من الروبوتات الذي تعمل على إنتاجه شركات مثل «إيه بي بي» السويسرية، و«يونيفرسال روبوتس» الدنماركية و«ريثينك روبوتيكس» في بوسطن، هي روبوتات بارعة لدرجة تمكنها من إدخال خيط في إبرة، وحساسة بما يكفي لتعمل إلى جانب البشر. ويمكنها تجميع الدوائر الكهربائية وتعبئة الصناديق. نحن على أعتاب ثورة في مجال الروبوتات الصناعية.
أما الروبوتات المنزلية فهي مسألة أخرى. قد تكون المهام المنزلية بسيطة لكن أداءها صعب بشكل لا يصدق بالنسبة إلى الآلات. إن تنظيف غرفة وطي الملابس المغسولة يستلزمان خوارزميات برمجية أصعب بكثير من هبوط رجل على القمر. لكن كانت هناك الكثير من الابتكارات مؤخرا بفعل الذكاء الصناعي، ما مكن الروبوتات من تعلم مهام معينة بأنفسها وتعليم بعضها البعض ما قد تعلموه.
3. السيارات ذاتية القيادة. تحولت المركبات ذاتية القيادة لعنوان رئيسي في 2015، بعد أن كانت في وقت من الأوقات تعتبر ضربا من الخيال العلمي. وقد تجاوزت نماذج سيارات غوغل ذاتية القيادة حاجز المليون ميل، بينما بدأت «تيسلا» إصدار خاصية القيادة الذاتية في سياراتها؛ وأعلنت الكثير من شركات صناعة السيارات الكبرى اعتزامها تصنيع سيارات ذاتية القيادة. ستكون هذه السيارات متاحة، سواء كنا مستعدين لذلك أم لا. وشأن الروبوتات، ستتعلم هذه السيارات من بعضها البعض - عن تضاريس طرقنا والعادات السيئة للبشر.
وفي غضون العامين القادمين أو نحو ذلك، سنرى سيارات ذاتية القيادة بشكل كامل، يجري تجريبها على طرقنا السريعة، قبل أن تسيطر على الطرق التي نسير عليها. كما لن يكون علينا القلق بشأن أماكن ركن السيارات، لأنها ستكون قادرة على إنزالنا حيث شئنا، والتقاطنا متى نكون مستعدين لركوبها. لن نحتاج حتى لسياراتنا لأن النقل سيكون متوفرا عند طلبنا عبر هواتفنا الذكية.
إنترنت الأشياء
4. الواقع الافتراضي وغرف الواقع الافتراضي. في مارس (آذار)، أعلنت «فيسبوك» عن توفر طاقم رأس الواقع الافتراضي الذي طال انتظاره كثيرا «أوكيلوس». لن تتأخر شركات مايكروسوفت وماجيك ليب والعشرات غيرهما عن طرح تكنولوجياتها الجديدة كذلك. ستكون الإصدارات الأولى لهذه المنتجات باهظة الثمن للغاية بالطبع، ولن تكون سلسلة التصميم، وستصيب بالدوار وغير ذلك من ردود الفعل المعاكسة. ولكن الأسعار ستتراجع، وستزداد القدرات، وستتقلص الآثار السيئة لها، كما هو الحال مع كافة التقنيات المعلوماتية، وسيشهد عام 2016 بداية ثورة الواقع الافتراضي. سيغير الواقع الافتراضي طريقة تعلمنا، كما سيغير من كيفية استمتاعنا بوسائل الترفيه.
5. توصيل الأشياء بالإنترنت؟ أعلن مارك زوكربرغ مؤخرا اعتزامه بناء كبير خدم آلي خاص به يعمل بالذكاء الصناعي، ويتم التحكم به عن طريق الصوت، لمساعدته على إدارة شؤونه سواء في المنزل أو العمل. ومن أجل هذا سيحتاج لأدوات يمكنها الحديث إلى الخادم الآلي - أي منزل ومكتب وسيارة تكون جميعها متصلة بالإنترنت. وكل هذه الأشياء في طريقها لأن تصبح حقيقة، بسب ما أظهر معرض «سي إي إس» الضخم للإلكترونيات في لاس فيغاس. ومن رشاش الاستحمام الذي يرصد كمية المياه التي نستخدمها إلى فرشاة الأسنان التي تعتني بالتجاويف، إلى المبردات التي تبلغ عن الأطعمة التي توشك أن تنفد، كل هذه الأجهزة في الطريق لأن تصبح متوفرة.
وبداية من 2016، سيكون كل شيء متصلا بالإنترنت - بما في ذلك منازلنا والأجهزة المنزلية وسياراتنا ومصابيح الشوارع، والأجهزة الطبية. ستتشارك هذه الأجهزة المعلومات مع بعضها البعض وربما تثرثر عنا، وستجلب معها مخاطر أمنية هائلة إلى جانب مزاياها الكثيرة. ولن يكون أمامنا الكثير من الاختيار، لأنها ستكون خواص معيارية - كالكاميرات في أجهزة التلفزيون الذكية لدينا، والتي تحملق فينا، والهواتف الذكية التي تستمع لكل شيء نقوله.
6. الفضاء. الروبوتات والأقمار الصناعية ومركبات الفضاء كانت كلها أشياء تبنيها الحكومات وحدها - حتى دخل «إلون ماسك» الحلبة في 2002 بمشروعه الأولي «سبيس إكس» SpaceX. بعد مرور عقد، أظهر قدرة على الرسو بمركبة فضاء لدى محطة الفضاء الدولية والعودة بحمولة. وبعد ذلك بعام، أطلق قمرا صناعيا في مدر ثابت حول الأرض. ثم في 2015، دخل هذا المجال ملياردير آخر، هو جيف بيزوس، الذي أطلقت شركته «بلو أوريجين» صاروخا بمسافة 100 كيلومتر إلى الفضاء ثم هبط الطابق الأول للصاروخ «الدافع» على مسافة 5 أقدام من منصة إطلاقه. والآن، وبفضل التكنولوجيا، تنهار التكلفة لدرجة أن استكشاف الفضاء يمكن أن يتم مقابل ملايين وليس مليارات الدولارات.
لا شك أن هذه أكثر الفترات ابتكارا في تاريخ البشرية، وهو عصر سوف يتم ذكره باعتباره نقطة التحول بالنسبة إلى التكنولوجيات الأسية التي جعلت المستحيل ممكنا.
* خدمة «واشنطن بوست»
- خاص بـ «الشرق الأوسط»