في دورته السادسة والستين، التي تنطلق في الحادي عشر من الشهر المقبل، يقدم مهرجان برلين على خطوة لم يقدم عليها مهرجان كبير آخر في السنوات الخمس الأخيرة التي شهدت هذه التحولات الدراماتيكية في بنى بعض الدول والنظم: مجموعة كبيرة من الأفلام العربية، الطويلة والقصيرة، تشكل الحيّز الأكبر من قسم «فورام» المتخصص بالسينما الجديدة والشابة. هذا إلى جانب فيلم تونسي بعنوان «إنحبك، هادي» (حسب اللهجة التونسية) للمخرج الشاب محمد بن عطية، يشترك مباشرة في المسابقة الرسمية. بذلك هو أول فيلم يدخل المسابقة الأولى باسم بلد عربي منذ عقود.
لكن قسم «الفورام» لا يقل جاذبية في هذا الشأن، خصوصًا أنه لا يكتفي بنقل تعابير سينمائية عن وقائع السياسة والحياة بصورة عامّة، بل يكتنز بعض ما يفكّر به جيل جديد من السينمائيين العرب وكيف يختارون أساليب وطرق التعبير عنه. من براعم السينما السعودية هناك فيلم للشاب محمود صباغ بعنوان «بركة يقابل بركة». الفيلم هو قصّة حب يعالجها المخرج على نحو لا يخلو من المكاشفة، فيسجل قوّة الحب وصعوبة التواصل في وقت واحد، كما تشير المعلومات القليلة المتوفرة حول هذا الفيلم.
والمخرج أفو كابرليان كان نزح من سوريا إلى الولايات المتحدة لكنه عاد لتصوير فيلمه الروائي الطويل الأول «منازل بلا أبواب» الذي قام على فكرة قيامه بتصوير الحرب التي دارت في الحي الأرمني الذي عاش فيه داخل مدينة حلب، وذلك من نافذة شقة العائلة.
وهناك فيلم بعنوان «المادة الغريبة التي تغمرني» للفنانة الفلسطينية جومانا منّة، وهي فنانة فلسطينية الأصل تعيش في برلين وتعرض لوحاتها في معارض أوروبية مختلفة (عرض لها غاليري شيزنهال في لندن بعض أعمالها في منتصف شهر سبتمبر «أيلول» الماضي). فيلمها هذا يتناول حياة وأفكار ألماني يهودي كان انتقل للعيش في القدس سنة 1935 ورفض التسليم بوجود فواصل من أي نوع بين العرب واليهود حتى من بعد حرب الاحتلال سنة 1948.
ونجد من نتاجات السينما المصرية فيلما لتامر السعيد بعنوان «آخر أيام المدينة». والرائج قوله حول هذا الفيلم هو أن المخرج أمضى معظم السنوات الخمس الأخيرة وهو يحاول إيجاد التمويل اللازم لهذا المشروع بما في ذلك التصوير ثم التوقف عن التصوير ثم العودة إليه حسبما كان متاحًا له.
* حكاية يوسف
اللبناني ماهر أبي سمرا يوفر للمشاهدين فيلمًا تسجيليًا بعنوان «مخدومين» ملقيًا من خلاله نظرة على «بزنس» الخدم في المنازل ووكالات التشغيل ومنازل الخدمة وما تجده الخادمات العاملات من مشكلات. الغالب أن هذا الفيلم يعمل على نطاق تأكيد ما تم تداوله في المحافل الإعلامية اللبنانية حتى حين قريب عندما تصدّى البعض لحالات كشفت عن معاملات قاسية تتعرض لها خادمات المنازل في بعض البيوت اللبنانية. ويوفر معهد غوته عددًا من الأفلام العربية القصيرة الجديدة. ليس معروفًا بعد الكثير عنها لكنها تأتي في غمار اهتمام المعهد الألماني بتنشيط صناعة الفيلم القصير في العالم العربي وإتاحة الفرصة أمام الراغبين في تحقيق أعمالهم الأولى في هذا النطاق على إنجاز ما يحلمون به.
للمعلومات، فإن هذا المشروع انطلق سنة 2009 وشهد حتى الآن تنفيذ أكثر من 60 فيلما بقليل، تم عرض بعضها في صالة «أرسينال» المتخصصة في عروض الأفلام البديلة للسائد في مدينة برلين. والأسماء التي استفادت من هذه المنح الإنتاجية كثيرة ومعظمها ما زال غائبًا عن الظهور في برامج المهرجانات العربية، ومنها مفيد يونيس وحمد زيان ومي الحسامي وجواد غوراني وأيام همام وجمانة إميل عبود ومنيرة القادري وزياد عنتر وياسين محمد بلحاج.
علاقة مهرجان برلين السينمائي بالسينما العربية خارج المسابقة نشطة ولو بحدود. أما داخل المسابقة فهي بدأت عمليًا في الخمسينات عندما قام المخرج الراحل يوسف شاهين بعرض فيلمه الجيد «باب الحديد» (1958) في مسابقة المهرجان الألماني. في حديث خاص قال شاهين ذات مرّة لهذا الناقد: «بهت الجمهور عندما خرجت بعد عرض الفيلم لأنهم توقعوا ممثلاً أعرج»، وذلك في إشارة إلى دوره في ذلك الفيلم حيث لعب دور شاب أعرج يبيع الصحف وواقع في حب من طرف واحد مع بائعة المرطبات هند رستم.
بعد ذلك، شهد المهرجان عروضًا محدودًا داخل المسابقة ذاتها، كان من بينها فيلم سهيل بن بركة «عرس الدم» في الثمانينات، لكن على عكس مهرجان «كان» مثلاً، إذ فاز المخرج الجزائري محمد لخضر حامينا بالسعفة الذهبية عن فيلمه «ذكريات سنوات الجمر» سنة 1975، بقي الدب الذهبي (الجائزة الأولى للمهرجان الألماني)، عصيّا على أي من الاشتراكات العربية القليلة التي عرضت في مسابقته.